هجوم غیر معهود:
فی الأیام الأخیرة ونتیجةً لسیاسیة الانفتاح المتبعة الآن فی البلد، قامت
مجموعة من المولویین من أهل السنة فی جنوب البلاد، وخرقاً لتعهدهم للوحدة
القائمة بیننا، بالتعرض لعقائد الشیعة ـ وهو المذهب الرسمی للدولة ـ بمقالة
(اسطورة شهادة الزهراء(علیها السلام)) والتی نشرت فی مجلة (نداء الاسلام)
وباجازة من وزارة الإرشاد، وقد أوردنا علیهم ردّاً قاطعاً.
ومرّة اُخرى أعادت الکرة تلک الجماعة نفسها فی التعرض لعقائدنا وتناولت هذه
المرّة (حدیث الغدیر)، وهی بعیدة عن الواقعیة کل البعد، وبعیدة عمّا هو
موجود فی کتب التاریخ والسیرة والحدیث، مما دعانا لإیراد حیث الغدیر بشکل
مختصر وشفاف مدعوماً بالحقائق، ولکننا نتسائل: إلى متى الصبر على هذهِ
التخرصات ضدنا؟ وإلى متى السکوت؟
مقدمة:
کلنا سمعنا باسم الغدیر، وهی أرض تقع بین مکة والمدینة بالقرب من «الجحفة»
والتی تبعد 200 کیلومتر عن مکة، وهی فی الواقع مفترق طرق یصل الیها الحجاج
بعد اتمامهم لمناسکهم، وکل یتوجه إلى بلده:
فطریق یتوجه إلى المدینة باتجاه الشمال
وآخر یذهب إلى العراق باتجاه الشرق
وطریق یذهب إلى مصر باتجاه الغرب
وطریق یذهب إلى الیمن باتجاه الجنوب
وهذهِ الأرض هی الیوم أرض قفراء، ولکنها شهدت حادثة من أهم حوادث التاریخ
الإسلامی، وهی تنصیب الإمام علی(علیه السلام) فی الثامن عشر من ذی الحجة فی
السنة العاشرة للهجرة.
أراد الخلفاء فی السابق وبعض المتعصبین الیوم محو هذهِ الحادثة من ذاکرة
التاریخ، ولکن هیهات فتأصلها فی التاریخ أکبر واوسع من أن یمحى.
وستجد فی هذا الکراس مصادر وحقائق دامغة، وتتساءل متعجباً: إنّ مسألة بهذا العمق فی التاریخ کیف یمکن تجاهلها والإعراض عنها؟!
نأمل أن یکون هذا التحلیل المنطقی للأحداث التاریخیة المذکور فی طیّات هذا
الکراس، والتی أخذت کلّها من مصادر السنة، وسیلة للتقارب بین المسلمین أکثر
من ذی قبل، ونأمل أن تؤخذ الحقائق التاریخیة بنظر الاعتبار والإهتمام بعد
أن وضعت فی الماضی فی زاویة الغفلة والتجاهل.
لجنة المعارف والبحوث الاسلامیة ـ قم
حدیث الغدیر
السند الناطق للولایة
حدیث الغدیر هو من الأدلة الواضحة لولایة وخلافة أمیرالمؤمنین(علیه السلام)
بعد الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) حیث یتمتع بأهمیّة لدى المحققین
خاصة.
وللأسف نجد أنّ البعض وقعوا اسرى المسبوقات الفکریة بالنسبة إلى ولایة
أمیرالمؤمنین(علیه السلام)، فتارة یقبلون سند الحدیث ویشککون فی دلالته،
واُخرى یشککون ومن دون علم بنفس السند.
ولأجل توضیح أبعاد الحدیث واستجلاء مکنوناته رأینا من الضروری أن نتناول بالبحث کلا الموضوعین مع إیراد الوقائع المعتبرة:
البعد التاریخی للغدیر:
أتّم المسلمون «حجة الوداع» فی الشهر الاخیر للسنة العاشرة للهجرة، وتعلموا
أعمال حجّهم على ید الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله)، وعندها قرّر
الرسول(صلى الله علیه وآله) التوجه نحو المدینة المنورة، وصدر فعلا الأمر
بالحرکة، وعند وصول الرکب الى مدینة «رابغ»(1)(الجحفة)(2)«غدیر خم» مخاطباً
الرسول بهذه الآیة: (یا أیّها الرّسُولُ بَلِّغْ مـا اُنزِلَ إلیکَ مِنْ
رَبِّکَ وَإنْ لَم تَفعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ یَعْصِمُکَ
مِنَ النَّاسِ)(3)
فلحن الآیة یبین مدى أهمیة وخطورة الامر الذی القی على عاتق الرسول(صلى
الله علیه وآله)، والذی یعتبر مساویاً للرسالة فی الأهمیّة والموجب لیأس
الکفار وأعداء الإسلام، وهل یوجد أمر أهمّ من تنصیب الأمیر(علیه السلام)
بالامامة والخلافة، أمام مرأى ومسمع من مائة ألف أو یزیدون؟
ولأجل ذلک صدر أمر بالتوقف، فمن تقدم من الرکب ارجعوه، ومن تأخر انتظروه...
وهکذا حتى اجتمعوا کلهم فی مکان واحد، وکان الحر شدیداً، وکان الناس
یتوقوه بأیدیهم ویضعون الثیاب تحت أرجلهم من حرارة الرمل، ونصبوا
للرسول(صلى الله علیه وآله) منبراً وضلاّ تحت شجرة قائمة هناک، وأخذ
الرسول(صلى الله علیه وآله) بایراد الخطبة بصوت جهوری، وخلاصتها:
خطبة الرسول (ص) فی غدیر خم:
فبعد أن حمد الله تعالى واثنى علیه، ووعظ فأبلغ فی الموعظة ونعى إلى الاُمة نفسه، قال:
«أَیّها الناس إنّی قد دعیت ویوشک أن اُجیب وقد حان منی خفوق من بین أظهرکم
و إنّی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی فانظروا کیف تخلفونی
فیهما فانّهما لن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض.
ثم قال: إنّ الله مولای وأنا ولی کلّ مؤمن ومؤمنة.
وأخذ بید علی(علیه السلام) وقال: ألست أولى بالمؤمنین من أنفسهم؟ قالوا:
بلى یا رسول الله، فقال: «من کنت مولاه فهذا علی مولاه(علیه السلام)(4)
اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه واحب من احبّه وابغض من ابغضه وانصر من
نصره واخذل من خذله وأدر الحقّ معه حیث دار»(5).
وعند النظر الى کل کلمة من کلمات الخطبة(6)(علیه السلام) (سنورد شرح هذا الکلام قریباً إن شاء الله)
خلود قصّة الغدیر:
تعلّقت مشیئة الباری تعالى الحکیمة بتخلید هذهِ الذکرى فی کل العصور
والازمان، وهی حادثة حضرت بأحرف من نور فی القلوب المسلمین ولا تخلو کتب
التفسیر والتاریخ والحدیث والکلام فی کل عصر وزمان من تلک الواقعة، وقد
تحدث بها الخطباء والوعّاظ فی مجالسهم، فهی من الفضائل المسلّمة
لأمیرالمؤمنین(علیه السلام)، بل تعدت إلى الشعراء حیث صارت هذه الواقعة
منهلاً یسترفدون منه قصائدهم ویروون منه أفکارهم ومفاهیمهم، فکان أن سردوا
فیها أبدع أشعارهم وأسمى منظوماتهم بصورة متنوعة وبلغات مختلفة (وقد ذکر
العلامة الأمینی(رحمهم الله) فی غدیره تلک الاشعار وقائلیها وتراجمهم).
وبعبارة اُخرى: لا نرى واقعة وحادثة تاریخیة قد تناولها الجمیع من فیلسوف وکلامی ومحدّث ومفسر وخطیب وشاعر ومؤرخ سوى حادثة الغدیر.
ومن العوامل المهمة فی خلود الواقعة هو نزول الآیتین الشریفتین(7)
والجدیر بالذکر أنه عند مراجعة التاریخ نرى أنّ یوم الثامن عشر من ذی الحجة
الحرام یوم عرف بیوم الغدیر بین المسلمین. ففی معرض حدیث ابن خلکان عن
المستعلى بن المستنصر یقول: إنّه وفی سنة 487 للهجرة فی یوم الغدیر المصادف
للثامن عشر من شهر ذی الحجة بایعه الناس(8)المصادف لیوم الغدیر وافته
المنیة(9)
وقال ابو ریحان البیرونی فی کتاب الآثار الباقیة أن عید الغدیر عید کان یحتفل به المسلمون(10)
ولیس فقط عدّ ابن خکلان وابو ریحان البیرونی ذلک الیوم عیداً، بل وقد جاء ایضاً على لسان الثعالبی، وهو من علماء السنة المعروفین(11)
وجذور هذا العید ممتدة إلى عصر الرسول الاعظم(صلى الله علیه وآله) حیث أمر
الناس من المهاجرین والانصار وأزواجهم أن یبایعوا لعلی(علیه السلام)
ویهنئوه على مقام الولایة والإمامة.
قال «زید بن الأرقم»: أوّل من بایع الإمام علی(علیه السلام) من المهاجرین
هم، أبوبکر وعثمان وطلحة والزبیر، واستمرت المراسم حتى الغروب(12)
* * *
110 من رواة الحدیث:
یکفی اهمیةً لهذا الحدیث أن 110 من اصحاب الرسول نقلوه(13)علماء السنة رووه.
وفی القرن الثانی للهجرة والذی یسمى بعصر التابعین نقله 89 نفر من اولئک.
ورواة الحدیث فی القرون اللاحقة هم أیضاً من أهل السنة، و360 نفر منهم رووه
فی کتبهم واعترفوا بصحة سند الحدیث، ولم یکتفوا بنقل الحدیث فقط، بل
الّفوا کتباً مستقلة فی صحة اسناده.
والعجیب فی الأمر أن المؤرخ الاسلامی الکبیر وهو «الطبری» الّف کتاباً باسم
«الولایة فی طرق حدیث الغدیر» ونقله عن الرسول(صلى الله علیه وآله) من 75
طریقاً.
ونقله ابن عقد الکوفی فی رسالة الولایة عن 105 راوی ونقله ابوبکر محمد بن عمر البغدادی المعروف بالجمعانی عن 25 طریق.
* * *
من مشاهیر اهل السنة:
احمد بن حنبل الشیبانی.
ابن حجر العسقلانی.
الجرزى الشافعی.
ابو سعید السجستانی.
أمیر محمد الیمنی.
النسائی.
ابو العلاء الحمدانی.
وابو العرفان الحبان.
وقد نقلوا هذا الحدیث بطرق عدیدة(14)
ونقله الشیعة ایضاً والّفوا فیه الکتب القیّمة، واهم وأجمع تلک الکتب هو
کتاب «الغدیر» التاریخی للعلامة المجاهد المرحوم آیة الله الأمینی(قدس
سره)، وقد استفدنا فی کتابة هذا الفصل من ذلک الکتاب غایة الاستفادة.
وعلى أیة حال، فبعد أن نصب الرسول(صلى الله علیه وآله) الامیر(علیه السلام)
نزلت آیة: (الیوم اکملت لکم دینکم وأتممت علیکم نعمتی ورضیت لکم الإسلام
دیناً)(15)
وبعدها ارتفعت الاصوات بالتکبیر، وقال رسول الله(صلى الله علیه وآله)
لعلیّ(علیه السلام): «اجلس فی خیمة کی یبایعک الناس ووجوه القوم» وقد بادر
ابوبکر وعمر بالبیعة له قبل الجمیع.
وجاء حسّان بن ثابت إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله) أتأذن لی أن أقول فی
هذه المقام یرضاه الله؟ فقال له: قل یا حسّان على اسم الله، فوقف على نشز
من الأرض وتطاول المسلون لسماع کلامه فأنشأ یقول:
ینادیهم یوم الغدیر نبیّهم
بخم وأسمِع بالرسول منادیاً
وقال فمن مولاکم وولیکم؟
فقالوا ولم یبدو هناک التعادیاً
إلهک مولانا وأنت ولینا
ولن تجدن منّا لک الیوم عاصیت
فقال له قم یا علی فاننی
رضیتک من بعدی اماماً وهادیاً
فمن کنت مولاه فهذا ولیه
فکونوا له اتباع صدق موالیا
هناک دعا، اللّهم والى ولیّه
وکن للذی عادى علیّاً معادیاً(16)(علیه السلام) على باقی الصحابة.
وعند موت الخلیفة الثانی وعند انعقاد مجلس الشورى لتعیین الخلیفة بعده احتج امیر المؤمنین(علیه السلام) بحدیث الغدیر(17)(18)
هذا وکثیر من الشخصیات الکبیرة تحدثوا به من موقع الاستدلال مثل
الزهراء(علیها السلام) حیث کانت تستدل به دائماً أمام مرأى ومسمع
المخالفین، وتشید بمقام الإمام علی(علیه السلام)(19)
ما المقصود من کلمة مولى؟
المسألة المهمة هنا هو تفسیر کلمة «مولى»، فإنّها على وضوحها اسائوا
الاستفادة منها، وبعد أن لم یجدوا طریقاً ولم یستطیعوا للتشکیک بالسند
تحرکوا على مستوى التشکیک فی مفهوم الحدیث ودلالته، وخاصة کلمة «مولى»
ولکنّهم رغم ذلک لم یحققوا نتیجة.
کلمة «مولى» وبکل طراحة لا تحمل فی اغلب المواضع إلاّ معنى واحد، وهو
الأولویة والجدارة، وبعبارة اُخرى: «الرئاسة»، وجاء فی القرآن لفظ «المولى»
بمعنى الرئیس أو المدیر أو الأولى.
وجاءت کلمة «مولى» فی 18 آیة فی القرآن الکریم، وعشرة منها تعبر عن مولویة
الباری تعالى ولم تأت بمعنى الصدیق إلاّ فی موارد قلیلة جدّاً.
ولذلک لا یمکن الشک فی أن کلمة المولى هی بالدرجة الاُؤلى بمعنى الأولى
والاجدر، ولم تأت فی حدیث الغدیر إلاّ فی هذا المعنى، والشواهد والقرائن
کلها تشیر الى ذلک المعنى.
* * *
أدلة تؤید المدعى:
لنفرض انه یوجد لکلمة «مولى» معان متعددة، ولکن القرائن وشواهد الحال التی
اکتنفت الحدث یوم الغدیر التاریخی ترفع کل ابهام وشبهة، وتُتم الحجة على کل
أحد:
الشاهد الأول:
نرى حسّان شاعر الرسول الاعظم(صلى الله علیه وآله) وبعد اخذ الرخصة من الرسول(صلى الله علیه وآله)قال:
فقال له قم یا علی فاننی
رضیتک من بعدی اماماً وهادیاً(20)
لم یستفد حسّان من لفظ المولى غیر معنى الإمامة والقیادة والهدایة، والحال
أنّه یعتبر من أهل اللغة ومن فصحاء العرب ولولا أنّ الشواهد والقرائن لم
تفد الاّ ذلک المعنى لما تجرأ حسان لأن یقول ما قال. ولأشکل علیه باقی
العرب وعابه باقی الشعراء.
* * *
الشاهد الثانی:
ما کتبه الأمیر(علیه السلام) فی اشعاره لمعاویة حیث قال:
وأوجب لی ولایته علیکم
رسول الله یوم غدیر خُمٍّ(21)
فهل یوجد شخص افضل من الإمام(علیه السلام) یفسر لنا ما هو المقصود من کلمة
مولى فی الشعر اعلاه، ولم یستفاد منها الاّ الزعامة والقیادة؟.
* * *
الشاهد الثالث:
قبل أن یقول الرسول(صلى الله علیه وآله) کلمته المبارکة والشهیرة سأل
الحاضرین: «ألستُ اولى بکم من انفسکم»؟ وبعد ما أخذ الإقرار بذلک من الناس
قال: «من کنت مولاه فهذا علیٌّ مولاه...»
فما فائدة هذا التقارن والتوالی؟ وهل هو إلاّ لکی یثبت له ذلک المقام
الرفیع الثابت للنبی(صلى الله علیه وآله) بنص القرآن؟ مع فارق مقام النبوة
للنبی والإمامة لعلی، ویکون معنى الحدیث أنّ کلّ من أکون أولى من نفسه فعلی
أولى به من نفسه(22)ویتحاشى القرینة المذکورة التی لا تخفى الاّ على
المعاند الذی لا یرید أن یرى الحق والنور.
* * *
الشاهد الرابع:
ثم إنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) أخذ الاقرار من الناس بالاُصول العقائدیة الثلاثة، حیث قال لهم:
«الستُم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله وان الجنة حق والنار حق».
فما هو الهدف من أخذ هذا الإقرار؟ وهل هو إلاّ لتنبیه الناس وتهیئة الأرضیة
لهم لما سیثبته فیما بعد لإبن عمه وأخیه وأن ولایته کباقی الاصول
الاسلامیة الدینیة الثلاثة؟ فإذا کان المقصود من کلمة المولى الصدیق
والناصر، فلن یعود للکلام معنى، وسوف تتناثر المعانی فی الجمل کلها.
* * *
الشاهد الخامس:
تنبّأ الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) بقرب حلول أجله فی بدایة الخطبة فقال:
«انی اوشک أن ادعى فاجیب»(23).
وهذه العبارة تحکی أنّه(صلى الله علیه وآله) کان یرید بذلک تعیین الخلیفة
من بعده، بحیث یمکنه أن یسد الثغرة التی ستحدث بموته(صلى الله علیه وآله)،
ویجب أن یکون کفواً لذلک المنصب والمقام، ولا تحتمل معنى آخر، وإذا ما
فسرناها بغیر الخلافة فستنتفى العلاقة المنطقیة فی کلام الرسول(صلى الله
علیه وآله)، والحال أنّه(صلى الله علیه وآله) افصح وابلغ من نطق بالضاد،
وهل هناک قرینة أقوى من هذه؟
* * *
الشاهد السادس:
الرسول(صلى الله علیه وآله) بعد جملة «من کنت مولاه.....» قال: «الله اکبر
على اکمال الدین واتمام النعمة ورضى الرب برسالتی والولایة لعلی من بعدی».
فاذا کان المراد هو اعلان المحبة لواحد من المسلمین، فکیف یمکن من أثبات
المودة لعلی(علیه السلام) ونصرته، اکمال الدین واتمام النعمة؟ والأوضح من
ذلک أنّه(صلى الله علیه وآله)قال: «رضى الربّ برسالتى والولایة لعلی من
بعدی»
فهل یبقى شک فی أن المقصود من کلمة «الولی» هو معنى الخلافة؟(24)
الشاهد السابع:
الشاهد الأقوى هو تهنئة الشیخین (أبی بکر وعمر) وجمع غفیر من أصحاب رسول
الله(صلى الله علیه وآله) للإمام علی(علیه السلام) بعد نزول النبی(صلى الله
علیه وآله) عملیة التهنئة إلى وقت الغروب، وکان الشیخان من أول من بادر
إلى التهنئة، حیث قالا له:
«هنیئاً لک یا علی ابن ابی طالب اصبحت وامسیت مولای ومولى کل مؤمن ومؤمنة»(25)
فأی مقام ناله علی(علیه السلام) فی ذلک الیوم حتى یستحق من الشیخین ذلک
التبریک؟ وهل هو الاّ الزعامة والخلافة والقیادة للامة، لانها لم تکن قد
بلّغت للناس بشکل رسمی، وأوصلها الرسول(صلى الله علیه وآله) فی ذلک الیوم؟
وإلاّ فان المحبة لم تکن شیئاً جدیداً تستحق التهنئة.
* * *
الشاهد الثامن:
إذا کان المقصود من کل تلک الامور مما ذکر سابقاً هو تبیین محبة الناس
للإمام علی(علیه السلام) فلا یلزم طرح هذه المسألة فی ذلک الهواء الحار
والمناخ المحرق (بأن یتوقف مسیر الرکب المکوّن من مائة ألف نفر، ویجلس
الناس لإستماع خطبة طویلة فی هذا الهؤاء الحار على أرض الصحراء المحرقة).
وما الداعی للتکرار؟ ألم یذکر القرآن الکریم: (إنّما المُؤمِنُونَ
إخوة)(26)(علیه السلام)من المؤمنین کما ذکر مراراً وتکرار، فلم تکن حاجة
لتلک المقدمات الصعبة، وکان بالإمکان طرح هذه المسألة فی المدینة، کل ذلک
یشیر بصورة قاطعة إلى وجود أمر أهمّ وأکبر خطورة من ذکر مسألة الصداقة
والعلاقة الحمیمة.
* * *
لنجلس الآن للتحکیم:
بعد کل ما تقدم من الشواهد والقرائن هل یبقى شک فی أن مقصود النبی
الأکرم(صلى الله علیه وآله) هو الخلافة والولایة المطلقة على المسلمین؟
وکیف یغالط نفسه من یشک فی ذلک؟ وبم یلاقی ربّه من ینکر تلک الامور؟
من المسلّم أنّ المسلمین إذا ترکوا التعصب والرسوبات الفکریة، وشرعوا فی
دراسة حدیث الغدیر بنظرة جدیدة، فسوف یصلون إلى نتائج مطلوبة مما سیکون
سبباً فی اتحاد المسلمین اکثر واکثر.
* * *
سؤال:
یقولون أن رئیس الجمهوریة المحترم فی احدى الخطب الإنتخابیة فسرّ کلمة
«المولى» بمعنى المحب، فما تقولون فی ذلک رغم کونه من الروحانیین؟
الجواب:
کلاّ; لأنه صرّح بعد ذلک مباشرة فی الیوم 23 لشهر خرداد سنة 1380 هجری شمسی، ونشر فی کثیر من الصحف فقال:
ـ أود الاشارة إلى أن ما ذکرته حول قصة الغدیر واکرر أن المحبة لها مکانها
الخاص فی الدین الاسلامی وأن المقصود من کلمة: «من کنت مولاه فهذا علی
مولاه» وبالتوجه لخصوصیات الزمان والمکان والبیعة التی اخذت للإمام
علی(علیه السلام)، قطعاً هی الإمامة والولایة لامور المسلمین حیث قبلت من
الجمیع وخصوصاً الصحابة الأوائل، فاختیار کلمة المولى من قبل الرسول(صلى
الله علیه وآله) فیها عنایة خاصة، لأنّه کان بالامکان الاستفادة من کلمة
القائد والسلطان والامیر وما شابه ذلک، لکن کلمة «المولى» علاوة على
القیادة والامامة فهی تشمل معنى المحبة والرأفة، وهی من اسس الدین
الإسلامی، وشعبنا الیوم یحتاج للحریة والتقدم المتوائم مع المعنویة
والاخلاق الحسنة.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
لجنة المعارف والأبحاث الاسلامیة شهر 9 / 1380
المصادف لشهر رمضان المبارک 1422 هـ. قمری
ثلاثة احادیث لها معنى:
وفی الختام نذکر ثلاثة أحادیث نبویة عمیقة المغزى:
1 ـ الحق مع من؟
عن اُم سلمة وعائشة قالتا: سمعنا من رسول الله(صلى الله علیه وآله) یقول:
«علی مع الحق والحق مع علی لن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض».
ذکر هذا الحدیث فی کثیر من مصادر اهل السنة، ونقله العلاّمة الأمینی عن تلک المصادر بدقة بالغة فی المجلد الثالث من کتابه الغدیر(27)
قال الفخر الرازی المفسر الکبیر فی ذیل تفسیر سورة الحمد:
إن علی(علیه السلام) کان یجهر بذکر: «بسم الله الرحمن الرحیم» وهو متواتر،
وکل من یقتدی بعلی فقد هدی الى صراط مستقیم، لأن الرسول الأعظم(صلى الله
علیه وآله) قال: «اللهم أدر الحق مع علی حیث دار»(28).
* * *
2 ـ المؤاخاة:
نقل هذا الحدیث صحابة رسول الله(صلى الله علیه وآله) المعروفین، حیث قالوا:
«آخى رسول الله(صلى الله علیه وآله) بین اصحابه فآخى بین ابی بکر وعمر
وفلان وفلان فجاء علی(رضی الله عنه)فقال: آخیت بین اصحابک ولم تواخ بینی
وبین أحد؟ فقال رسول الله: أنت أخی فی الدنیا والآخرة».
وجاء هذا المضمون مع تعبیرات مشابهه فی 49 مورد وکلّها من مستقاة من مصادر أهل السنة(29)
ألا تعتبر المؤاخاة بین النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) والإمام علی(علیه
السلام) دلیلاً على أفضلیته فی کل شیء على سائر الأمة؟ وهل مع وجود الأفضل
یحق للمسلم أن یتخطاه إلى غیره؟
* * *
3 ـ الطریق الوحید للنجاة:
قال أبوذر(رحمهم الله) وهو ممسک بباب الکعبة بأعلى صوته:
«من عرفنی فقد عرفنی ومن لم یعرفنی فأنا أبوذر سمعت النبی(صلى الله علیه
وآله) یقول: مثل أهل بیتی فیکم کسفینة نوح من رکبها نجى ومن تخلف عنها
غرق».
مصادر هذا الحدیث کثیرة جداً(30)(علیه السلام)؟
وبناءاً على ما جاء فی الحدیث، هل تبقى وسیلة للنجاة الا التمسک بآل البیت(علیهم السلام)؟
1 ـ «رابغ» تقع بین مکة والمدینة.
2 ـ أحد أماکن الإحرام وکانت فی السابق تنشعب طرق أهل المدینة ومصر والعراق من هنا.
3 ـ المائدة، الآیة 67.
4 ـ کرر النبی الأعطم(صلى الله علیه وآله) هذه الجملة ثلاث مرات لیطمئن قبله.
5 ـ مسند ابن حنبل: ج1، ص254; تاریخ دمشق: ج42، ص207 و 208، 448; خصائص
النسائی: ص181; المعجم الکبیر: ج17، ص39; سنن الترمذی: ج5، ص633; المستدرک
على الصحیحین: ج13، ص135; المعجم الأوسط: ج6، ص95; مسن أبی یعلی: ج1، ص280;
المحاسن والمساوىء: ص41; مناقب الخوارزمی: ص104; وکتب اُخر.
6 ـ نقل هذه الخطبة جماعة کثیرة من أشهر علماء أهل السنة فی کتبهم، منها:
مسند أحمد: ج1، ص84، 88، 118، 119، 152، 281، 331، 332، 370; سنن ابن ماجة:
ج1، ص55، 58; المستدرک على الصحیحین للحاکم النیسابوری: ج3، ص118 و 613;
سنن الترمذی: ج5، ص633; فتح الباری: ج9، ص74; تاریخ الخطیب البغدادی: ج8،
ص290; تاریخ الخلفاء والسیوطی، ص114 وکتب اُخر.
7 ـ المائدة: الآیة 3 و 67.
8 ـ وفیات الأعیان: ج1، ص60.
9 ـ وفیات الأعیان: ج2، ص223.
10 ـ ترجمة الآثار الباقیة: ص395; الغدیر: ج1، ص267.
11 ـ ثمار القلوب: ص511.
12 ـ وردت تهنئة عمر بن الخطاب فی مصادر کثیرة من أهل السنة منها:
مسند ابن حنبل: ج6، ص401; البدایة والنهایة: ج5، ص209; الفصول المهمّة لابن
الصباغ: ص40; فرائد السمطین: ج1، ص71; وکذلک تهنئة ابوبکر، عمر، عثمان،
طلحة، الزبیر، والآخرین فی کتب عدیدة منها:
مناقب علی بن أبی طالب، تألیف أحمد بن محمد الطبری (الغدیر: ج1، ص270).
13 ـ تأتی منابع هذه المصادر فی مکان واحد.
14 ـ یوجد مجموع هذه الاسناد فی السفر الجلیل «الغدیر»، حیث اُخذت بصورة عامة عن مصادر معروفة للعامة.
15 ـ المائدة: الآیة 3.
16 ـ وردت أبیات حسان بن ثابت فی مصادر عدیدة منها:
مناقب الخوارزمی: ص135; مقتل الحسین للخوارزمی: ج1، ص47; فرائد السمطین:
ج1، ص73 و 74; النور المشتعل: ص56; المناقب للکوثر: ج1، ص118 و 362.
17 ـ ذُکر هذا الاحتجاج فی کتب: مناقب الاخطب للخوارزمی الحنفی: ص217;
فرائد السمطین للحمونی، باب 58; الدر النظیم لابن حاتم الشامی، الصواعق
المحرقة لابن حجر العسقلانی، ص75; الامالی لابن عقدة: ص7 و 212; شرح نهج
البلاغة لابن أبی الحدید: ج2، ص61; الاستیعاب لابن عبد البر: ج3، ص35;
تفسیر الطبری: ج3، ص418; فی ذیل الآیة 55 من سورة المائدة.
18 ـ فرائد السمطین: سمط الاول، باب 58; شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید:
ج1، ص362; اسد الغابة: ج3، ص307; و ج5، ص205; الإصابة لابن حجر العسقلانی:
ج2، ص408، و ج4، ص80; مسند أحمد: ج1، ص84 و88; البدایة والنهایة لابن کثى
الشامی: ج5، ص210، ج7، ص348; مجمع الزوائد الهیثمی: ج9، ص106; ذخائر
العقبى: ص67 و... (الغدیر: ج1، ص163 و 164).
19 ـ اسنى المطالب لشمس الدین الشافعی، حسب نقل السخاوی فی الضوء اللامع:
ج9، ص256; البدر الطالع الشوکانی: ج2، ص297; شرح نهج البلاغة لابن أبی
الحدید: ج2، ص273; مناقب العلاّمة الحنفی: ص130; بلاغات النساء: ص72; العقد
الفرید: ج1، ص162; صبح الاعشى: ج1، ص259; مروج الذهب لابن مسعودالشافعی:
ج2، ص49; ینابیبع المودة: ص484.
20 ـ ذکرنا آنفاً مصادر اشعار حسان بن ثابت.
21 ـ نقل العلاّمة الأمینی(قدس سره) هذا الشعر فی کتاب الغدیر، ج2، ص25 ـ 3
مع ضمیمة ابیات اُخرى عن 11 عالماً شیعیاً و26 عالماً سنیّاً.
22 ـ نقل العلاّمة الأمینی(قدس سره) جملة «ألست أولى بکم من أنفسکم» من 64 محدّثاً ومؤرخاً إسلامیاً، راجع ج1، ص371 من الغدیر.
23 ـ براجع الغدیر: ج1، ص26، 27، 30، 32، 33، 34، 36، 47، 176، وورد سند
هذا المطلب فی مصادر أهل السنة مثل: صحیح الترمذی: ج2، ص298; الفصول المهمة
لابن الصباغ: ص45; المناقب الثلاثة الحافظ أبی الفتوح: ص19; البدایة
والنهایة لابن الکثیر: ج5، ص209، ج7، ص348; الصواعق المحرقة: ص25; الزوائد
الهیثمی: ج9، ص165 و....
24 ـ وذکر المرحوم العلاّمة الأمینی هذه الجانب من الحدیث فی: ج1، ص43،
165، 231، 233، 235، مثل: الولایة لانب جریر الطبری: ص310; تفسیر ابن
الکثیر: ج2، ص14; تفسیر الدر المنثور: ج2، ص259; الاتقان: ج1، ص31; مفتاح
النجاح البدخشی: ص220; ما نزل من القران فی علی: أبو نعیم الاصفهانی; تاریخ
الخطیب البغدادی: ج4، ص290; مناقب الخوارزمی: ص80; الخصائص العلویة ابو
الفتح النطنزی: ص43; التذکرة لسبط بن الجوزی: ص18; فرائد السمطین: باب 12.
25 ـ للاطلاع على اسانید تهنئة الشیخین راجع الغدیر: ج1، ص270، 283; وقد ذکر آنفاً مصادر هذا الحدیثو
26 ـ الحجرات: الآیة 10.
27 ـ نقل هذا الحدیث محمد بن أبی بکر وأبوذر وأبو سعید الخدری وجماعة آخرین
عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) (راجع المجلد الثالث من کتاب
الغدیر).
28 ـ التفسیر الکبیر: ج1، ص205.
29 ـ نقل العلاّمة الأمینی(قدس سره) جمیع هذه الأحادیث الخمسین بصورة دقیقة فی المجلد الثالث من الغدیر.
30 ـ المستدرک للحاکم: ج2، ص150 مطبعة حیدر آباد، ونقله على الأقل 30 مصدراً من المصادر المعروفة لأهل السنة.