لا مناص من القول أن المنطقة بحكوماتها وشعوبها وطوائفها باتت اليوم أمام خطر وجودي بسبب الإرهاب. ولعل رأس الحربة في هذا الخطر الذي تمثله التيارات الدينية المتشددة والتنظيمات الإرهابية، هو تنظيم الدولة ”داعش"، فهذا التنظيم ومنذ انبثاقه لم يخفي استهدافه الشامل للحكومات والشعوب والطوائف دون تمييز، من الخليج حتى شمال افريقيا. اما والحال هذه، فإن منطقتنا، التي شاء القدر أن تتلقى الضربات الإرهابية الأقسى خليجيا حتى الآن، فقد باتت أحوج ما تكون لإجراء مراجعة جدية لعدة ملفات على المستوى المحلي، الأمني والسياسي، لعل ذلك يساهم في تبريد عدة جبهات في آن واحد.
ولعل أهم ما نحتاج إليه اليوم هو ”تجميد" الخلافات في الجبهة الداخلية. ولست أستخدم هنا مصطلح ”التجميد" إلا لإدراكي لحقيقة الاختلاف القائم في زوايا النظر لجملة من الملفات الحيوية المرتبطة بمصير المنطقة، وذلك ما كان وجوده ”طبيعيا" حتى وقت قريب، غير ان الامر المستجد وغير الطبيعي اليوم، هو بروز خطر وجودي يريد اقتلاع أهالي المنطقة من ديارهم كما تصرح بذلك بيانات داعش، وفي ظل ذلك يكون من السخف أن يبقى بعضنا غائصا إلى أنفه في المناكفات الكلامية والمنشورات الصفراء والتعليقات الجاهلية ضد هذا الطرف أو ذاك من أبناء جلدته الذين يواجهون جميعا الارهاب نفسه!. أنا في الحقيقة لست مثاليا بما يكفي لأدعو الآن إلى ”إنهاء" خلافاتنا المحلية عبر الحوار العقلاني، وإنما جل ما أدعو إليه في هذا السبيل هو ”التجميد" قدر الإمكان لأي مسألة يمكن أن تلهينا عن مواجهة الخطر الحقيقي الذي نحن ”جميعا" بإزاءه.
اما الجبهة الثانية التي أرى أن الأوان قد آن لأن نضع لها نهاية حاسمة فهي حال التوتر والحذر المتبادل مع الجهات الأمنية. وللمرة الثانية لن أكون مثاليا، فالجميع يعلم بأن هناك فاصلة نفسية متراكمة، تشكلت نتيجة تعقيدات لا تخفى على أحد، غير أن الموجة الإرهابية العاتية الراهنة جعلت من الأهالي ورجال الأمن في دائرة استهداف واحدة، فالارهابي الداعشي الذي يتقرب إلى الله بقتل المواطن السعودي الشيعي، هو نفسه الذي يتقرب إلى الله بقتل رجل الأمن السعودي السني، وهذا وفق كل المقاييس ما ينبغي أن يجعل الطرفين في خندق واحد وفي مواجهة عدو واحد، لا أن تكون تركة الظروف السابقة هي الحاكمة دائماً وأبدا حتى في ظل الخطر الداهم!. ويبقى أن نقول بأن تبريد هذه الجبهة على المستوى النفسي والعملي، لا يلغي الإحتكام للأطر الرسمية في حال وجود تجاوزات أو أخطاء قد تبدر ضمن سياق أو آخر.
وتبعا لما سبق، ربما تكون الخطوة اللاحقة هي تبريد الجبهة السياسية. فمعلوم أن هناك جملة من الملفات السياسية الداخلية الشائكة التي زادتها الظروف الإقليمية المتوترة تعقيدا، وعليه ان لم نكن بإزاء معالجة جذرية وشاملة لملفات قديمة وعالقة كما هو مطمح الجميع، فينبغي - كأضعف الإيمان - أن نسعى لمعالجة الحدود المعقولة والممكنة من تلك الملفات، على النحو الذي يخفف من حدة التوتر العام، ويساهم في تصليب الوحدة الوطنية في مواجهة الإرهاب،
وأخيرا، ربما يجادل بعضنا، إلى ما لا نهاية، في جدوائية الخطوات أعلاه، إلا إن أحدا لا يجادل حول حقيقة الخطر الداهم والماثل أمامنا اليوم، مع اكتشاف المزيد والمزيد من الخلايا الإرهابية العنقودية، التي تضعنا جميعا نصب عينها ومرمى سهامها. ولذلك فمن الأحرى أن نتفاكر جميعا في سبل الخروج من هذا الوضع المتأزم عوضا عن الإنشغال في جدل لا طائل من وراءه. أقول، ينبغي أن نتفكر في الأمر مليا، حتى لا يأتي اليوم الذي نضطر فيه لدفع الثمن مضاعفا!