قليلة هي الأخبار السعيدة هذه الأيام بالنسبة إلى اليمن الذي ارتبط اسمه مجازاً بالسعادة، لكن هدنة الأيام الخمسة التي أعلنتها الأمم المتحدة مساء الخميس ربما تعطي بصيص أمل لأكثر من 25 مليون يمني يحتاج أغلبيتهم الساحقة إلى المساعدات الانسانية الضرورية حسب تقديرات الأمم المتحدة.
فمنذ غارات "عاصفة الحزم" الجوية التي بدأت قبل مئة يوم تقريباً، وتشارك فيها رسمياً حوالي 175 طائرة في إطار تحالف عربي "شكلي" تقوده المملكة العربية السعودية، يعيش اليمنيون ظروفاً صعبة للغاية، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا أدوية ولا طعام، وفوق هذا وذاك، انتشار الأوبئة والأمراض، وخاصة حمى الضنك التي تحصد الأرواح لانعدام الأدوية اللازمة، وتدهور الخدمات الطبية إلى الحدود الدنيا، وهي بائسة في الأساس قرار الهدنة لم يأت من قبيل الرئيس عبد ربه منصور هادي، فهو مجرد واجهة فقط، وإنما من القيادة السعودية، واستجابة لطلب من الأمم المتحدة وضغوط دولية واقليمية، لأن استمرار القصف بات بلا هدف، ويعطي نتائج عكسية تماماً، تؤثر سلباً على المملكة العربية السعودية نفسها وسمعتها وأمنها واستقرارها.
الضغوط الدولية وصلت ذروتها عندما طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بوقف إطلاق النار بأسرع وقت ممكن، وأكد أكثر من مرة أن عدد القتلى وصل إلى 2800 قتيل معظمهم من المدنيين، وكشف عن ارتفاع عدد الجرحى إلى حوالي 13 ألف جريح.
المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ حمل هذه الأرقام ومعها المزاج الأممي العام بضرورة وقف هذه الحرب إلى القيادة السعودية في الرياض، التي أدركت أن "العناد" لا يفيد ولا بد من هدنة تخفف من معاناة اليمنيين تزامناً مع الأيام العشرة الاخيرة من شهر رمضان، ومقدم عيد الفطر السعيد.
الهدنة جاءت غير مشروطة، ومن طرف واحد، أي الطرف السعودي الذي يملك قرار الحرب والسلام، أو معظمه، ولكن نجاحها مرهون بالتزام كل الأطراف بها، والتحالف "الحوثي الصالحي" على وجه الخصوص الذي رحب بها.
هناك أطراف عديدة في اليمن خارج السيطرة، مثل "الدولة الاسلامية" وتنظيم "القاعدة"، وميليشيات قبلية منفلته، ومصلحة هذه الأطراف، مجتمعة أو منفردة، استمرار الفوضى الدموية والفلتان الأمني، وعدم وجود سلطة مركزية.
الانطباع الخاطيء الذي كان سائداً قبل إطلاق الغارة الأولى، والصاروخ الأول في هذه الحرب، أنها ستكون بلا مخاطر، وإذا كانت هناك مخاطر، وهذا أمر طبيعي في كل الحروب، ستكون محدودة للغاية، لانعدام التكافؤ بين طرفيها الرئيسيين، أي السعودية والتحالف "الحوثي الصالحي"، ولكن بعد مئة يوم تبين عدم صحة هذه القناعة، الأمر الذي أوقع جميع الأطراف المتورطة فيها في مآزق صعبة، وهوة بلا قاع.
فالرد على القصف الجوي السجادي خاصة في محافظات الحوثيين الرئيسية في صعدة وعمران، جاء من خلال حرب استنزاف برية على الحدود السعودية اليمنية تمثلت في إطلاق صواريخ كاتيوشا، وسكود، وغراد معدلة، على مدن سعودية جنوبية مثل جيزان ونجران وقرى أخرى في منطقة عسير، أوقعت قتلى وجرحى، وعمليات تهجير للسكان، وإغلاق مدارس ودوائر حكومية.
الحرب جاءت في التوقيت الخطأ أيضاً اقتصادياً ومالياً على الأقل، أي مع انهيار أسعار النفط إلى أقل من النصف، حيث انخفض سعر البرميل من 118 دولاراً إلى 46 دولاراً، وتحسن السعر قليلاً في الأيام الأخيرة إلى حدود 64 دولاراً، وربما يعود إلى الانخفاض مجدداً في حال رفع الحظر عن الصادرات النفطية الايرانية، بمقتضى الاتفاق النووي المنتظر.
تكاليف الحرب السعودية على اليمن باهظة جداً، مادياً وبشرياً وأمنياً، ومن يقول غير ذلك يغالط نفسه، فالعجز في الميزانية السعودية يبلغ حالياً أكثر من 20 بالمئة من الدخل القومي مقدرة إيراداتها بـ 715 مليار ريال (191 مليار دولار)، متوقعة عجز بـ 145 مليار ريال (39 مليار دولار)، ونشرت وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأمريكية تقريراً قالت فيه أن المملكة ربما تضطر في نهاية هذا العام طرح سندات للبيع بالعملة المحلية (الريال) لسد هذا العجز.
لا أحد يتحدث عن كلفة الغارات السعودية على اليمن، أو بالأحرى ممنوع الاقتراب منها، صحيح أن ميزانية الدفاع السعودية تصل إلى 57 مليار دولار، وهي رابع أضخم ميزانية دفاع في العالم، ولكن ارتفاع تكاليف الحرب ستلتهم هذه الميزانية في أشهر، خاصة إذا علمنا أنها بلغت حوالي 30 مليار دولار حتى منتصف شهر نسيان (إبريل) الماضين، وقد تكون تضاعفت الآن.
نتمنى أن تصمد هذه الهدنة، وأن لا يتم اختراقها من أي طرف، لأن في ذلك مصلحة لجميع الأطراف، والاستثناء الوحيد هو للأطراف التي تريد استمرار الحرب معها معاناة الشعب اليمني الفقير المعدم، ولكن الشهم والأبي والكريم في الوقت نفسه.
من حق اليمنيين أن يهنأوا بالأمن والاستقرار، وأن يخرجوا من الظروف الصعبة التي يعيشونها حالياً، حيث يقف عشرون مليون منهم على حافة المجاعة، إن لم يكن في قلبها، مثلما قال المبعوث الدولي ولد الشيخ.
نعم إنها هدنة لمدة خمسة أيام، ولكنها يجب أن تكون قابلة للتمديد لأسابيع وأشهر، وربما سنوات، بحث يمكن استغلالها وتوظيفها لمفاوضات جدية ودون شروط مسبقة للتوصل إلى الحل السياسي المأمول للخروج من الأزمة.