SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز:
بعد رحلة عشق طويله تلامس سنواتها العقود الاربع، وبعد انصهار بحثي ومنهجي وانساني وحضاري وفكري واخلاقي بأبرز الشخصيات الكونية على حد قوله يتحدث هنا ولاول مرة صاحب الملحمة الفكرية والانسانية والتي جسدت الامام علي بن ابي طالب عليه السلام _ في سبع مجلدات اثرت به وتأثر بها _ فصار حديثه وجل بحثه ونقاشه وحوارته (عليّ)...
هو الكاتب والمفكر والاديب اللبناني المسيحي جورج سمعان جرداق المولود في العام 1933 في قضاء مرجعيون جنوب لبنان صاحب موسوعه (علي صوت العدالة الانسانية، علي وحقوق الانسان، علي والثورة الفرنسية،علي وسقراط، علي والقومية العربية..) وعناوين اخرى.وفي زيارة له في بيته المتواضع في بيروت منطقة الاشرفيه، مطلعه على صحته سيما وانه رجل قارب الثمانين من العمر مجرية معه هذا الحوار الصحفي والذي يعدّ الحوار الاول من نوعه في حياة المفكر الكبير جورج جرداق..
يقول: (مرحبا.. مرحبا لكل من لفحته شمس الحسين ورياح كربلاء مرحبا لمن لامسته ارض الطف وشرب من معين الفرات، مرحبا برائحة الثورة وفردوس الانتصار مرحبا بكل حسيني وسلام لكل زائر نهج الفكر في درب عاشوراء)ترحيبه بنا كان كإنسانيته وروحه التي تتحدث بيقين المبصر المدرك في (ان الحسين ابن علي كان الامام العادل العدل وصاحب الامر الشرعي في الخروج على المارق الفاسق يزيد ابن معاوية لعنة الله عليه).
وحين سؤالنا له عن أوجه الشبه بين الحسين وعلي ولماذا اختار علياً في الكتابه ولم يختر الحسين عليه السلام ؟ قال: (وجدت ان الحسين عليه السلام هو خط طبيعي لابيه علي واشرت الى ذلك وتحدثت عن فسق معاوية وجرمه كما عن ظلم يزيد وبطشه، وحين كتبت للتاريخ الانساني عن حضارة علي وجدت ان فيه تقاسيم ديانات كونية وربانيه فاخترته نموذجا لنجاح الثورة الفرنسية، واخترته نموذجا للعدالة وحقوق الانسان، واخترته كذلك مشكاة للفلسفة والحكمة والاخلاق في علي وسقراط، وحين كتبت علي والقومية العربية كان رداً على من اتهموه او اتهموني بالشعوبيه، وضربت عن ذلك امثلة كثيره مفادها ان الالتقاء مع الاخر وهو ما حدث بيني وبين علي، وما يجب ان يحدث بين الآخرين وعلي يجب الا يكون ما هو معتمد على عرقية او فئوية او حزبيه او ايدلوجية ضيقه , بل ان العداله المتوفره في علي من عادات عربية أصيلة كحب الخير والمساعدة والنخوة والشهامة والكرم والرجولة والبطولة والفروسية والشجاعة والعدل والانصاف والثقافة والادب والفكر والعلم والدين اي الزهد ومخافة الله وما غير ذلك امور تدفعني في ان اتخذ من الامام علي عليه السلام ايقونة قومية عربية افتخر بل اتفاخر بها).
يحلق الاديب جورج جرداق في فضاءات علي عليه السلام، متحدثاً عن اسقاطات الشخصية الاكثر قرباً الى منهجيته في التفكير بل الانسان الذي يعده حالة بشرية محضة.. لايجب ارخاء صفة الربوبية عليها فتذهب الى طريق مختلف ومغاير. فلقد كان علي بشر كسائر البشر، لكن قدرته على الخلق اي انتاج حالة وعي اممية من حقوق ومساواة وانصاف وعدل وعفو وتسامح جعلت منه انسانا كونيا في نظر البعض، ذلك لما كانت تصنعه قريش وطغاتها في الناس من حيف وظلم وازدراء آنذاك، يقول جرداق: (كان علي نموذجا وهو يؤسس في دولته الى العدالة المحمدية أليس هو من قال ان الفقر في الوطن غربة والمال في الغربة وطن،وهو من يقول الناس صنفان: إما اخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.. وهذا شي ذكره جبران خليل جبران والذي تأثر في الامام علي عليه السلام حين قال ان النبي محمد كان يشبهه بعيسى ابن مريم وهذا تشبيه ليس جسماني فحسب مع يقيني ان نور علي لا يختلف عن نور الانبياء والرسل , بل انني ارى في التشبيه ما نطق به يسوع حين كان يتمتم بعبارات استغفار وترحم لمن يعلقون له الصليب، امر حدث وعلي حين ضربه الكافر ابن ملجم فقال الامير عليه السلام كلمته الشهيره آنذاك: ان عشت فأمره لي وان مت فضربة بضربة).
سالناه هنا لماذا علي والثورة الفرنسية..؟ فاجاب: (بعد ان سوّق الغرب شرقنا والشرقيين منا على انهم قتلة برابرة يفتك بعضهم ببعض، بل ان الناس فيهم اشبه بقطعان اغنام لهذا الحاكم او ذاك، وكان هذا الكلام عقب الثورة الفرنسيه.. ارتأيت ان اكتب شيئاً عن ذلك وطبعاً كنت قد قرأت علياً عليه السلام وعشته وتأثرت به فوجدته قد قام بثورات تلو الثورات ولم تكن ثوراته كالثورة الفرنسية وما حدث بها من إراقة دم ودمار.. ثورة علي كانت انسانية واجتماعية وفكرية وثقافية، وكان مفصلاً أساسياً بين جبهتين جبهة فسق وقتل وإلغاء واتجار بالبشر والعبيد وموت، وجبهة أخرى دين ورحمة وعدالة وانسانية وحرية وحياة , فكان لزاماً عليّ ان اسلط الضوء على جبهة (علي) وهي الانقى رغم انني مؤمن بأنها هي من أنارت لي الدرب والطريق..).
وعن اختياره سقراط نموذجاً للمقارنة بعلي دون افلاطون او ارسطو طاليس او آديوجين واخرين قال: (كان سقراط استاذ هؤلاء الذين ذكرتم وعلي كان استاذ عصره وجيله في الحكمة والفلسفة بل استاذ الاجيال التي تعاقبت من بعده ولهذا كتبت علي والنهج اي نهج البلاغه).
ومما لا شك فيه ان الاديب اللبناني جورج جرداق يعيش حالة وحدوية كبيرة مع حركية الحياة التي أسس لها علي بن ابي طالب عليه السلام وديناميكية العمل الانساني في الامامة والولاية والخلافة والادارة والحقوق في السلم والحرب وفي التأسيس لمنهجية العيش المشترك واحتواء الآخر، وهنا تحدث جرداق عن توقفه بعد كتابه هذه الموسوعه الشهيره والتي بيع منها عشرات الآلاف كما تم ترجمتها للغات عدة وطبعت لأكثر من اثني عشر طبعة، تحدث عن سر عدم الكتابه لشخصية اخرى غير علي عليه السلام قائلا: (لقد عرض عليّ بعض الناس من دول الخليج العربي ومصر ان اكتب في عمر مثلاً واخرين.. لكنني رفضت ليس لأنني أرى ان عمرا سيئاً.. لكنني لم اجد من هو اهل بعد علي للكتابة، فعقرت قلمي في ان اكتب لشخص غيره).
وهنا وفي حديثنا عن منهج علي وشخصية علي التربوية والاجتماعية والثورية نجد ان الاديب المسيحي جرداق قد تأثر بالبعدين الزماني والمكاني لسلطة النص وسحره في نهج البلاغة واضعاً إياه ضمن دساتير قل نظيرها في البعد الانساني أو الوضعي وهو يتحدث هنا عن ممازجة ادبية رصينة واقعية مختصرة غير مبتذلة في نصوص وحكم واقول حفظ منها الكثير.
جورج جرداق الكاتب اللبناني الجنوبي الكبير يتحدث عن الحسين وعن فكرة المقاومة لدى هذا الرجل الشجاع على حد قوله ويعرج إلى ذكر مفارقة في هذا الشأن ويقول: (ان يزيد لعنة الله عليه كان حيوانا بمظهر انسان ولطالما تمنيت ان يكون قد انتحر قبل ذلك الفعل المشين ولعلني موقن انه انتحر بذلك، وما نشاهده اليوم من احياء لذكرى الثورة الحسينية والمسيرة الكربلائية والعاشورية، ما هو الا دليل عقلي وواقعي لانتصار الدم على السيف، فالحسين علّم الناس الحرية وزواره احراراً فيما يسلكون وهو حتماً طريق العدالة والشهادة).
ختم كلامه الكبير بجملة كبيرة كحياته التي كرس منها سنين طوال في البحث عن علي حتى وجد بعضاً منه في ذاته قائلا: (كتبت عن علي ولطالما تمنيت زيارته والالتحاق بركبه فهو منهجي ورجل الحرية والعدل والسلام).
النهاية