SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز:
تدل الأحاديث الشريفة على أن حركة الإمام المهدي وثورته المقدسة أرواحنا فداه ، تتم في أربعة عشر شهراً . وأنه يكون في الستة أشهر الأولى منها خائفاً يترقب ، يوجه الأحداث سراً بواسطة أصحابه وأنصاره ، وفي الثمانية أشهر التالية يظهر في مكة ويتوجه إلى المدينة فالعراق فالقدس ، ويخوض معاركه معه أعدائه ، ويوحد العالم الإسلامي تحت حكمه ، ثم يعقد الهدنة مع الروم ، أي الغربيين . كما سيأتي. وتؤكد الأحاديث على وقوع حدثين قبل حركة ظهور المهدي عليه السلام بنحو ستة أشهر يكونان بمثابة الإشارة الإلهية له بأن يبدأ الإعداد للظهور .
الحدث الأول: انقلاب في بلاد الشام بقيادة عثمان السفياني ، يرى فيه أعداء الأمة من اليهود والغربيين ، أنه خطوة مهمة في ضبط المنطقة المحيطة بفلسطين بيد زعامة موالية لهم ، تمنع العمليات العسكرية ضدهم ، وتقف في وجه تهديدات البلاد العربية وإيران للقدس .
أما الذين يعرفون أحاديث السفياني ، وأن أمره موعود على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله فيقولون صدق الله ورسوله (سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً)، ويعتبرونه مقدمة لظهور المهدي الموعود ، ويستعدون لنصرته عليه السلام .
والحدث الثاني: نداء من السماء إلى شعوب العالم يسمعونه جميعاً ، أهل كل لغة بلغتهم، قوياً عميقاً رخيماً ، آتياً من السماء ومن كل صوب.. فلا يبقى نائم إلا استيقظ ، ولا قاعد إلا نهض ، ويفزع الناس من صيحته ويخرجون من بيوتهم لينظروا ما الخبر ! وهو يدعوهم إلى وضع حد للظلم والكفر والصراع وسفك الدماء ، واتباع الإمام المهدي عليه السلام ويسميه باسمه واسم أبيه !
وتذكر الأحاديث الشريفة أن أعناق البشر تخضع لهذه الآية الإلهية الموعودة ، لأنها تأويل قوله تعالى: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء:4) ولا بد أنه يعم العالم سؤال على ألسنة الناس وفي وسائل الإعلام: من هو المهدي ؟ وأين هو ؟
ولكن ما أن يعرفوا أنه إمام المسلمين ، من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وأنه سيظهر في الحجاز حتى يبدؤوا بالتشكيك بالنداء المعجزة ، وبالتخطيط لضرب هذا المد الإسلامي الجديد ، وقتل إمامه المهدي عليه السلام !
أما المؤمنون بالغيب الذين سمعوا بأحاديث هذا النداء ، فيعرفون أنه النداء الحق الموعود (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) ، وتكثر أحاديثهم عن المهدي عليه السلام ، والبحث عنه ، والاستعداد لنصرته .
وأصل أحاديث هذا النداء ، وأنه يدعو الناس إلى اتباع الإمام المهدي عليه السلام ويسميه باسمه واسم أبيه ، كثيرة في مصادر الشيعة والسنة ، ولا يبعد بلوغها حد التواتر المعنوي .
وقد رواها ابن حماد في مخطوطته في الصفحات 59 و60 و92 و93 وغيرها . ورواها المجلسي في البحار ج 52 ص 119 و 287 و 289 و 290 و 296 و 300 وغيرها .
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إنه ينادي باسم صاحب هذا الأمر مناد من السماء: الأمر لفلان بن فلان، ففيم القتال) (البحار:52/396) .
وعنه عليه السلام قال: ( هما صيحتان: صيحة في أول الليل ، وصيحة في آخر الليلة الثانية . قال هشام بن سالم فقلت: كيف ذلك ؟ قال: واحدة من السماء ، وواحدة من إبليس . فقلت كيف تعرف هذه من هذه ؟ قال: يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون) . (البحار:52/295) .
وعن محمد بن مسلم قال: (ينادي مناد من السماء باسم القائم فيسمع ما بين المشرق والمغرب ، فلا يبقى راقد إلا قام ، ولا قائم إلا قعد ، ولا قاعد إلا قام على رجليه من ذلك الصوت ، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين) (البحار:52/290) .
وعن عبد الله بن سنان قال: (كنت عند أبي عبد الله(الإمام الصادق عليه السلام ) فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيروننا ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر ! وكان متكئاً فغضب وجلس ، ثم قال: لا تروه عني ، واروه عن أبي ولا حرج عليكم في ذلك . أشهد أني سمعت أبي عليه السلام يقول: والله إن ذلك في كتاب الله عز وجل بين حيث يقول: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ). ( البحار:52/292) .
وعن سيف بن عميرة قال: ( كنت عند أبي جعفر المنصور فقال ابتداء: يا سيف بن عميرة لا بد من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب . فقلت: جعلت فداك يا أمير المؤمنين ، تروي هذا ! قال: إي والذي نفسي بيده لسماع أذني له . فقلت: يا أمير المؤمنين إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا . قال يا سيف، إنه لحق . فإذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه ، أما إنه نداء إلى رجل من بني عمنا . فقلت: رجل من ولد فاطمة عليها السلام ؟ قال: نعم ، يا سيف لولا أني سمعته من أبي جعفر محمد بن علي ولو يحدثني به أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم . ولكنه محمد بن علي ) ! ( الإرشاد للمفيد ص 404)
وفي مخطوطة ابن حماد ص92 عن سعيد بن المسيب قال: ( تكون فتنة كان أولها لعب الصبيان ، كلما سكنت من جانب طمت من جانب ، فلا تتناهى حتى ينادي مناد من السماء: ألا إن الأمير فلان . وفتل ابن المسيب يديه حتى أنهما لتنتفضان فقال: ذلكم الأمير حقاً ، ثلاث مرات) .
وفيها: ( إذا نادى مناد من السماء أن الحق في آل محمد ، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس ، ويشربون حبه ، ولا يكون لهم ذكر غيره) .
وفيها: ( حدثنا سعيد عن جابر عن أبي جعفر قال: ينادي مناد من السماء ألا أن الحق في آل محمد ، وينادي مناد من الأرض ألا إن الحق في آل عيسى أو قال العباس ، أنا أشك فيه ، وإنما الصوت الأسفل من الشيطان ليلبس على الناس . شك أبو عبد الله نعيم ) .
وفي ص60: عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا كانت صيحة في رمضان فإنه يكون معمعة في شوال وتمييز القبائل في ذي القعدة ، وسفك الدماء في ذي الحجة . والمحرم وما المحرم ، يقولها ثلاثاً . هيهات هيهات يقتل الناس فيها هرجاً هرجاً . قال ، قلنا: وما الصيحة يا رسول الله ؟ قال هده في النصف من رمضان ليلة جمعة ، فتكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم ، وتخرج العواتق من خدورهن . في ليلة جمعة في سنة كثيرة الزلازل ، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة فادخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم وسدوا كواكم ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم ، فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله سجدا وقولوا: سبحان القدوس ، سبحان القدوس ، فإنه من فعل ذلك نجا ، ومن لم يفعل ذلك هلك )
إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في مصادر الفريقين .
أما النداء الأرضي المضاد الذي تذكره الأحاديث ، قد يكون نداء إبليس حقيقة كما نادى يوم أحد: قتل محمد صلى الله عليه وآله ، ويحتمل أن يكون نداء إبليس بواسطة أعوانه أبالسة الإعلام العالمي حيث تتوصل عبقرياتهم الى مواجهة الموجة الإسلامية العالمية التي يحدثها النداء بنداء مشابه مضاد .
وأما القتال الذي يدعو النداء السماوي إلى وقفه ، فلا يبعد أن يكون الحرب العالمية التي تقدم الحديث فيها ، وذكرنا أنها قد تكون على شكل حروب متعددة ، وفقاً لما تذكره الأحاديث من أنه في سنة الظهور تكثر الحروب في الأرض .
كما ينبغي الإلفات إلى وجود تفاوت بين الروايات في وقت النداء . فقد ذكر بعضها أنه يكون في شهر رمضان كما رأيت ، وذكر بعضها أنه يكون في رجب كما في البحار:52 ص 789 ، وذكر بعضها أنه يكون في موسم الحج كما في مخطوطة ابن حماد 92 ، أو في محرم وبعد قتل النفس الزكية كما في ص93 ، ويفهم من بعض الروايات أنها نداءات متعددة ، بل ينص بعضها على ذلك .
وقد أوصل أحد العلماء النداءات الواردة في مصادرنا الشيعية إلى ثمانية ، وهي قريب من ذلك في المصادر السنية ، لكن المرجح أنها نداء سماوي واحد في شهر رمضان، وأن تصور أنه يكون متعدداً نشأ من تفاوت الروايات في توقيته ، والله العالم .
بعد هاتين الآيتين ، أي بعد خروج السفياني في رجب ، والنداء السماوي في رمضان.. يكون بقي لظهور المهدي عليه السلام في محرم نحو ستة أشهر . وتذكر مصادر الحديث السنية عدداً من أعماله عليه السلام في هذه الفترة تتلخص باتصاله بأنصاره في المدينة المنورة ثم في مكة المكرمة ، والتقائه ببعض الذين يأتون من أقطار العالم الإسلامي يبحثون عنه ليبايعوه على شوق وتخوف ، ومنهم سبعة من العلماء من بلدان شتى يلتقون في مكة على غير ميعاد ، ويكون كل واحد منهم أخذ البيعة من ثلاث مئة وثلاثة عشر متديناً مخلصاً في بلده ، وجاء يبحث عن المهدي عليه السلام ليبايعه عن نفسه وعن جماعته ، طمعاً في أن يقبلهم المهدي عليه السلام ، فيكونون أصحابه الموعودين على لسان النبي صلى الله عليه وآله !
وتعتبر مصادرنا الشيعية هذه الأشهر الستة مرحلة الظهور الخفي بعد الغيبة الكبرى التامة ، وهي المقصودة بالحديث الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام : (يظهر في شبهة ليستبين ، فيعلو ذكره ، ويظهر أمره) ( البحار:52/ 3 ) والمعنى أنه عليه السلام يظهر أولاً بالتدريج ، ثم يتضح أمره للناس ويستبين . ويحتمل أن يكون المعنى أنه يظهر بالتدريج لكي يختبر أمره واستجابة الناس له ويستبين ذلك .
ويدل على هذه الفترة أيضاً عدة أخبار أخرى فيها صحيح السند ، ومن أوضحها التوقيع الصادر منه عليه السلام إلى سفيره علي بن محمد السمري رضوان الله عليه قال: ( وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا ومن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) (البحار:51/361) . والمقصود بمن يدعي المشاهدة قبل هذين الحدثين من يدعي السفارة لصاحب الأمر عليه السلام ، وليس مجرد التشرف برؤيته دون ادعاء النيابة أو دون التحدث بذلك ، فقد استفاضت الروايات برؤيته عليه السلام من قبل العديدين من العلماء والأولياء الثقاة الأصحاء ، ولعل هذا سبب التعبير بنفي المشاهدة لا الرؤية .
ويدل التوقيع الشريف على أن الغيبة التامة الكبرى تنتهي بخروج السفياني والصيحة ، وأن الغيبة بعدها تكون اختفاء شبيهاً بالغيبة الصغرى مقدمة للظهور ، وأن الإمام عليه السلام يتصل فيها بأنصاره ، ويتشرف العديد منهم بلقائه ، وقد ينصب سفراء يكونون واسطة بينه وبين الناس .
بل يبدو من الرواية التالية أنه يظهر بعد خروج السفياني ثم يختفي إلى وقت ظهوره الموعود في محرم ، ففي رواية حذلم بن بشير عن الإمام زين العابدين عليه السلام : (فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يظهر بعد ذلك) البحار: 52/ 213، ولاتفسير لها إلا أنه عليه السلام يظهر للناس بعد خروج السفياني في رجب ، ثم يختفي إلى وقت ظهوره في محرم . ولم تذكر الرواية هل يكون هذا الظهور قبل النداء السماوي أو بعده .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( لايقوم القائم حتى يقوم اثنا عشر رجلاً كلهم يجمع على قول إنهم قد رأوه فيكذبونهم ) (البحار:52/244) ، ويبدو أنهم رجال صادقون بقرينة تعبيره عليه السلام عن إجماعهم على رؤيته ، وتعجبه من تكذيب الناس لهم ، أي عامة الناس .
ويظهر أن رؤيتهم له عليه السلام تكون في تلك الفترة التي يظهر فيها في خفاء ليستبين ، فيعلو ذكره ويظهر أمره .
وعلى هذا ، فمن المرجح أنه يقوم عليه السلام في تلك الفترة بدوره القيادي بشكل شبه كامل ، ويصدر توجيهاته في تلك الظروف الحساسة إلى دولة الممهدين اليمانيين والإيرانيين،ويتصل بأنصاره أولياء الله تعالى في شتى بلاد المسلمين.
ومن أجل أن نتصور عمله في فترة الظهور الصغرى هذه ، نتعرض باختصار لعمله في غيبته . فقد ذكرت بعض الروايات أنه روحي فداه يسكن المدينة المنورة ، ويلتقي بثلاثين ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال:
( لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ، ولا بد له في غيبته من عزلة ، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة) . (البحار: 52/157) .
وتدل روايات أخرى على أنه يعيش مع الخضر عليهما السلام فعن الإمام الرضا عليه السلام قال: (إن الخضر شرب من ماء الحياة فهو حي لايموت حتى ينفخ في الصور، وإنه ليأتينا فيسلم علينا فنسمع صوته ولا نرى شخصه ، وإنه ليحضر حيث ذكر ، فمن ذكره منكم فليسلم عليه ، وإنه ليحضر المواسم فيقضي جميع المناسك ويقف في عرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا عليه السلام ويصل به وحدته). (البحار:52/152) .
ويبدو من الرواية المتقدمة وغيرها أن هؤلاء الثلاثين من أصحاب المهدي عليه السلام يتجددون دائماً ، فكلما توفي منهم واحد حل محله آخر .
ولعلهم الأبدال المقصودون بالفقرة الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام في دعاء النصف من رجب ، بعد الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله :
(اللهم صل على الأبدال والأوتاد والسياح والعباد والمخلصين والزهاد وأهل الجد والاجتهاد) . (مفتاح الجنات:3/50) .
ومن المرجح أن يكون لهؤلاء الأولياء الثلاثين وأكثر ، دور في الأعمال التي يقوم بها المهدي عليه السلام في غيبته . فقد دلت الأخبار المتعددة على أنه يقوم بنشاط واسع ، ويتحرك في البلاد المختلفة، ويدخل الدور والقصور، ويمشي في الأسواق ، ويحضر موسم الحج في كل عام .
وأن سر غيبته لا ينكشف إلا بعد ظهوره ، كما لم ينكشف وجه الحكمة في أعمال الخضر إلا بعد أن كشفها لموسى عليهما السلام .
فعن عبدالله بن الفضل قال: (سمعت جعفر بن محمد (الإمام الصادق عليه السلام ) يقول: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب فيها كل مبطل . فقلت له: ولم جعلت فداك ؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم . قلت: فما وجه الحكمة في غيبته ؟ فقال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره . إن وجه الحكمة في ذلك لاينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ، لموسى عليه السلام إلا وقت افتراقهما .
يا ابن الفضل ، إن هذا أمر من أمر الله، وسر من سر الله ، وغيب من غيب الله . ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف لنا ). (البحار:52/91) .
وعن محمد بن عثمان العمري رحمه الله قال: ( والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة ، يرى الناس ويعرفهم ، ويرونه ولا يعرفونه). (البحار:51/250) .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( وما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف ؟ أن يكون في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لايعرفونه ، حتى يأذن الله عز وجل أن يعرفهم نفسه، كما أذن ليوسف حين قال :هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ. قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي) ( البحار:51/142 ).
وبناء على هذه الروايات وأمثالها فإن حالته عليه السلام في غيبته تشبه حالة يوسف عليه السلام ، ونوع عمله فيها من نوع عمل الخضر عليه السلام الذي كشف لنا القرآن بعض عجائبه .
بل يظهر منها أنهما يعيشان معاً ويعملان معاً عليهما السلام . والمرجح أن يكون كثير من أعماله بواسطة أصحابه الأبدال وتلاميذهم ، الذين تطوى لهم الأرض والمسافات ، ويهديهم ربهم بإيمانهم ، وبتعليمات إمامهم المهدي عليه السلام .
بل وردت الأحاديث الشريفة والقصص الموثوقة بطي الأرض والمشي على الماء ، وغيرها من الكرامات ، لمن هم أقل منهم درجةً ومقاماً ، من أولياء الله وعباده الصالحين .
نعم ، إن الله تعالى أجرى الله الأمور والأحداث بأسبابها ، من أكبر حدث في هذا العالم إلى أصغره ، ولكنه سبحانه يهيمن على هذه الأسباب ويتصرف بها كيف يشاء ، بما يشاء ، وعلى يد من يشاء من ملائكته وعباده .
وإن كثيراً من الأحداث والأمور التي يبدو لنا أنها حدثت أو تحدث بأسباب طبيعية ، لو انكشف لنا الواقع لرأينا فيها يد الغيب الإلهي . فعندما أراد شرطة الملك أن يأخذوا السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام فوجدوها معيوبة وتركوها ، لم يلتفتوا إلى أن في الأمر فعلاً غيبياً !
وكذلك عندما عاش أبوا الغلام حياتهما بالايمان ، وقاما بما أراد الله تعالى منهما ، لم يعرف أن ابنهما لو بقي حياً لأرهقهما طغياناً وكفراً .
وعندما كبر اليتيمان ووجدا كنزهما محفوظاً تحت الجدار واستخرجاه ، لم يعرفا أن الخضر عليه السلام لو لم يبن الجدار لانكشف الكنز أو ضاع مكانه.
وإذا كانت هذه الأحداث الثلاثة التي كشف الله تعالى عنها في كتابه ، قد صدرت من الخضر في مرافقته القصيرة لموسى عليهما السلام ، فلنا أن نتصور أعماله الكثيرة التي يقوم بها في أيامه الحافلة وعمره المديد .
وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: (رحم الله (أخي) موسى، عجل على العالم ، أما إنه لو صبر لرأى منه من العجائب ما لم ير) . (البحار:13/ 301 ) .
ولنا أن نتصور عمل الإمام المهدي عليه السلام في غيبته ، وهو أعظم مقاماً من الخضر عليه السلام برواية جميع المسلمين ، لأنه أحد سبعة روي إنهم سادات أهل الجنة وخيرة الأولين والآخرين ، فعن النبي صلى الله عليه وآله قال: ( نحن سبعة ولد عند المطلب سادة أهل الجنة: أنا ، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي) (البحار:51/65 والصواعق المحرقة ص158 وكثير من مصادر الفريقين ).
فالله يعلم بما يقوم به المهدي عليه السلام ووزيره الخضر وأصحابه الأبدال ، وتلاميذهم أولياء الله ، من أعمال في طول العالم وعرضه ، وفي أحداثه الكبيرة والصغيرة .
ومن الطبيعي أن لاينكشف وجه الحكمة في غيابهم وعملهم عليهم السلام ، إلا بعد ظهورهم ، وكشفهم للناس بعض ما كانوا يقومون به في عصرنا والعصور السابقة . وقد يكون أحدنا مدينا لهم بعمل أو أكثر قاموا له به في حياته ، فضلاً عن مسار التاريخ وأحداثه الكبرى .
وينبغي الإلفات إلى أن هذه العقيدة بغيب الله تعالى وعمل الإمام المهدي والخضر والأبدال عليه السلام تختلف عن نظريات المتصوفة وعقائدهم في القطب والأبدال ، وإن كانت تشبهها من بعض الوجوه .
بل حاول بعضهم أن يطبقها على المهدي وأصحابه عليهم السلام .
قال الكفعمي رحمه الله في حاشية مصباحه ، كما في سفينة البحار مادة قطب: (قيل إن الأرض لاتخلو من القطب وأربعة أوتاد ، وأربعين بدلاً ، وسبعين نجيباً ، وثلاث مئة وستين صالحاً . فالقطب هو المهدي صلوات الله عليه ، ولا تكون الأوتاد أقل من أربعة ، لأن الدنيا كالخيمة والمهدي كالعمود ، وتلك الأربعة أطناب .
وقد يكون الأوتاد أكثر من أربعة ، والأبدال أكثر من أربعين ، والنجباء أكثر من سبعين ، والصالحون أكثر من ثلاث مئة وستين . والظاهر أن الخضر وإلياس عليهما السلام من الأوتاد ، فهما ملاصقان لدائرة القطب .
وأما صفة الأوتاد ، فهم لايغفلون عن الله طرفة عين ، ولا يجمعون من الدنيا إلا البلاغ ، ولا تصدر منهم هفوات البشر ، ولايشترط فيهم العصمة . وشرط ذلك في القطب .
وأما الأبدال فدون هؤلاء في المرتبة ، وقد تصدر منهم الغفلة فيتداركونها بالتذكر ، ولا يتعمدون ذنباً .
وأما الصالحون فهم المتقون الموصوفون بالعدالة ، وقد يصدر عنهم الذنب فيتداركونه بالإستغفار والندم ، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) .
ثم ذكر الكفعمي رحمه الله أنه إذا نقص واحد من إحدى المراتب المذكورة ، حل محله آخر من المرتبة الأدنى . وإذا نقص من الصالحين ، حل محله آخر من سائر الناس .
وما ذكره رحمه الله عن نبي الله إلياس عليه السلام ، وأنه من الأحياء الذين مد الله في عمرهم لحكمة يعلمها ، مطابق لما ذهب إليه بعض المفسرين في تفسير الآيات الواردة فيه عليه السلام ، وقد روي ذلك عن أهل البيت عليهم السلام وأن قد مد الله في عمره كالخضر عليهما السلام ، وأنهما يجتمعان في عرفات كل سنة ، وفي غيرها.
وأيّاً كان ، فالذي يفهم من الروايات الشريفة أن فترة الستة أشهر ، من خروج السفياني والنداء السماوي إلى ظهوره عليه السلام في محرم ، تكون حافلة بنشاطه ونشاط أصحابه عليهم السلام ، وتظهر للناس الكرامات والآيات على أيديهم وأيدي من يتصل بهم ، وأن ذلك سيكون حدثاً عالمياً يشغل الناس والدول على السواء .
أما الشعوب الإسلامية فتعمها موجة الحديث عن المهدي عليه السلام وكراماته واقتراب ظهوره ، ويكون ذلك تمهيداً مناسباً لظهوره .
ولكن تلك الفترة تكون أيضاً أرضية خصبة للكذابين والمشعوذين لادعاء المهدية ومحاولة تضليل الناس ! فقد ورد أن اثنتي عشرة راية تدعي المهدية ترفع قبل ظهوره عليه السلام ، وأن اثني عشر شخصاً من آل أبي طالب يرفع كل منهم راية ويدعو إلى نفسه ، وجميعها رايات ضلال ، ومحاولات دنيوية لاستغلال تطلع العالم إلى ظهوره عليه السلام .
فعن المفضل بن عمرو الجعفي عن الإمام الصادق عليه السلام قال سمعته يقول: (إياكم والتنويه ، أما والله ليغيبن إمامكم سنيناً (سبتاً) من دهركم ، ولتمحصن حتى يقال مات أو هلك ، بأي واد سلك . ولتدمعن عليه عيون المؤمنين . ولتكفؤن كما تكفأ السفن أمواج البحر ، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيده بروح منه . ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة ، لا يدرى أيٌّ من أي !
قال المفضل: فبكيت ، فقال ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ فقلت: كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنتا عشرة راية لا يدرى أيٌّ من أي ، فكيف نصنع ؟ قال ، فنظر إلى شمس داخلة في الصفة ، فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس ؟ قلت: نعم . قال: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس) . ( البحار:52/281)
أي لاتخشوا أن يشتبه عليكم أمر المهدي عليه السلام بأمر من يدعي المهدية ، لأن أمره أوضح من الشمس ، بآياته التي تكون قبله ومعه ، وشخصيته التي لا تقاس بالمدعين والكذابين .
ومن ناحية أخرى ، ستأخذ الدولتان الممهدتان له، اليمانية والإيرانية موقعاً سياسياً هاماً في أحداث العالم وتطلعات شعوبه . وتكونان بحاجة أكبر إلى توجهاته عليه السلام .
على أنه يفهم من الروايات ومن منطق الأمور أن رد الفعل السياسي الأكبر على هذه الموجة الشعبية للمهدي عليه السلام ، سيكون من أعدائه أئمة الكفر العالمي وصاحبهم السفياني، وسيتركز عملهم كما تذكر الروايات ، على معالجة وضع العراق والحجاز ، باعتبارهما نقطة الضعف في المنطقة .
أما العراق فيخشون من نفوذ الممهدين الإيرانيين فيه وضعف حكومته . وأما الحجاز فيخضون من الفراغ السياسي فيه ، وصراع القبائل على السلطة ، ونفوذ الممهدين اليمانيين فيه .
والأمر الأهم في الحجاز أن أنظار المسلمين تتوجه نحوه ، وتنتظر ظهور المهدي منه ، حيث ينتشر بين الناس أنه عليه السلام يسكن المدينة، وأن حركته ستكون من مكة، فيتركز فعلهم السياسي والعسكري المضاد للمهدي عليه السلام على الحرمين ، ويبدأ السفياني حملته العسكرية على المدينة ، ويقوم باعتقال واسع لبني هاشم على أمل أن يكون المهدي من بينهم !
ولا بد أن يرافق دخول جيش السفياني للعراق والحجاز تحرك عسكري من الغربيين والشرقيين في الخليج والبحر المتوسط ، لأهمية المنطقة عالمياً.
والمرجح أن يكون نزول قوات الروم في الرملة ، ونزول قوات الترك في الجزيرة المذكورين في الروايات المتعددة ، في تلك الفترة ، أو قريباً منها . والله العالم .
أزمة الحكم في الحجاز
تتفق أحاديث مصادر الشيعة والسنة ، على أن مقدمة ظهور المهدي عليه السلام في الحجاز ، حدوث فراغ سياسي فيه ، وصراع على السلطة بين قبائله .
ويحدث ذلك على أثر موت ملك أو خليفة ، يكون عند موته الفرج . وتسميه بعض الروايات(عبدالله)ويحدد بعضها إعلان خبر موته في يوم عرفة ثم تتلاحق الأحداث في الحجاز بعد موته إلى... خروج السفياني ، والنداء السماوي ، واستدعاء الجيش السوري إلى الحجاز ، ثم ظهور المهدي عليه السلام .
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم . ثم قال :( إذا مات عبدالله لم يجتمع الناس بعدة على أحد ، ولم يتناهَ هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله . ويذهب ملك السنين ، ويصير ملك الشهور والأيام . فقلت: يطول ذلك ؟ قال: كلا ). (البحار:52/210 ).
وعنه عليه السلام قال: (بينا الناس وقوفاً بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة ، ويخبرهم بموت خليفة، عند موته فرج آل محمد وفرج الناس جميعاً). (البحار:52/240)
ومعنى الناقة الذعلبة: الخفيفة السريعة ، وهو كناية عن الإسراع في إيصال الخبر وتبشير الحجاج به . والظاهر أن أسلوب إيصال الخبر مقصود في الرواية. وفي رواية أخرى أنهم يقتلون هذا الرجل صاحب الناقة الذعلبة ، الذي ينشر الخبر بين الحجاج في عرفات .
ويحتمل أن يكون هذا الخليفة الذي يعلن خبر موته أو قتله يوم عرفة ، عبد الله المذكور في الرواية السابقة ، ومعنى: (يذهب ملك السنين، ويصير ملك الشهور والأيام) ، أنهم كلما نصبوا بعده شخصاًً لايبقى سنة كاملة ، ولا تمضي شهور أو أيام حتى ينصبوا غيره ! حتى يظهر الإمام المهدي عليه السلام .
وتذكر بعض الروايات أن سبب قتل ذلك الملك قضية أخلاقية وأن الذي يقتله أحد خدمه ، وأنه يهرب إلى خارج الحجاز فيذهب بعض جماعة الملك في البحث عنه ، فيحدث الصراع على السلطة قبل أن يعودوا !
فعن الإمام الباقر عليه السلام : (يكون سبب موته أنه ينكح خصياً له فيقوم فيذبحه ويكتم موته أربعين يوماً ، فإذا سارت الركبان في طلب الخصي لم يرجع أول من يخرج حتى يذهب ملكهم) (كمال الدين ص 655) .
والأحاديث التي تصف الصراع على السلطة في الحجاز بعد قتل هذا الملك كثيرة ، وهذه نماذج منها:
عن البزنطي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: ( إن من علامات الفرج حدثا يكون بين الحرمين. قلت وأي شئ يكون الحدث ؟ قال عصبية تكون بين الحرمين ، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً ).(البحار:52/210) ، أي يقتل أحد الملوك أو الزعماء خمسة عشر شخصية من ذرية ملك أو زعيم معروف .
وعن أبي بصير قال: ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كان أبو جعفر عليه السلام يقول: لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الأخرى . فقال: نعم ، ولا يكون ذلك حتى يختلف سيف بني فلان وتضيق الحلقة ، ويظهر السفياني ، ويشتد البلاء ويشمل الناس موت وقتل يلجؤون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله) . (البحار:52 /157) ، وهذه الرواية تشير إلى أن أصل الصراع يكون بين القبيلة الحاكمة نفسها .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (ولذلك آيات وعلامات ، أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق ، وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتز ، القاتل والمقتول في النار). (البحار:52/273) ، والمقصود بالمسجد الأكبر المسجد الحرام ، وأن الرايات المتصارعة تتنازع حول مكة ، أو في الحجاز وتتقاتل ، وليس فيها راية حق .
وقد روى ابن حماد في مخطوطته ص59 أكثر من عشرين حديثاً عن الأزمة السياسية الحجازية، وصراع القبائل على السلطة في سنة ظهور المهدي عليه السلام ، منها عن سعيد بن المسيب قال: ( يأتي زمان على المسلمين يكون منه (فيه) صوت في رمضان ، وفي شوال تكون مهمهة ، وفي ذي القعدة تنحاز(فيها) القبائل إلى قبائلها . وذو الحجة ينهب فيه الحاج . والمحرم وما المحرم).
وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ( إذا كانت صيحة في رمضان فإنه تكون معمعة في شوال ، وتمييز القبائل في ذي القعدة ، وسفك الدماء في ذي الحجة ، والمحرم وما المحرم !! يقولها ثلاثاً) . (ص 62) .
وفي ص60 عن عبد الله بن عمر قال: ( يحج الناس معاً ويعرفون معاً على غير إمام ، فبينا هم نزول بمنى إذ أخذهم كالكَلَب فسارت القبائل إلى بعض فاقتتلوا حتى تسيل العقبة دماً) ، أي أخذتهم حالة مثل داء الكلب المعروف ، وجاشت حالة العداء فيهم بعد مناسك الحج دفعة واحدة ، فاقتتلوا حتى جرت دماؤهم عند جمرة العقبة !
وروايات ابن حماد هذه تتحدث عن الصراع السياسي في الحجاز بعد الصيحة والنداء السماوي ، لكن توجد روايات أخرى تدل على أمرين هامين في هذه الأزمة السياسية:
أولهما ، أنها تحدث قبل خروج السفياني ، وقد أشرنا إلى ذلك .
وثانيهما ، أنه يكون لها علاقة باختلاف أهل الشرق والغرب أي بالحرب العالمية الموعودة. فعن ابن أبي يعفور قال: قال لي أبو عبدالله(الإمام الصادق عليه السلام ): (أمسك بيدك: هلاك الفلاني ، وخروج السفياني ، وقتل النفس . إلى أن قال: الفرج كله عند هلاك الفلاني) . (البحار:52/234).
وقد يناقش في كون ترتيب هذه الأحداث زمنياً كما جاء في الرواية ، ولكن عدداً من الروايات ، منها ما تقدم ، تدل على أن هلاك الفلاني وصراعهم من بعده يكون قبل خروج السفياني .
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: ( يقوم القائم في سنة وتر من السنين: تسع ، واحدة ، ثلاث ، خمس . وقال: ثم يملك بنو العباس(بنو فلان) فلا يزالون في عنفوان من الملك وغضارة من العيش حتى يختلفوا فيما بينهم ، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم واختلف أهل الشرق وأهل الغرب ، نعم وأهل القبلة ، ويلقى الناس جهداً شديداً مما يمر بهم من الخوف ، فلا يزالون بتلك إلى الحال حتى ينادي المنادي من السماء فإذا نادى فالنفر النفر). (البحار:52/235) .
والملاحظ في هذه الرواية أنها تربط بين اختلاف آل فلان وذهاب ملكهم ، وبين اختلاف أهل الشرق وأهل الغرب ، وشمول خلافهم لأهل القبلة أي المسلمين ، وكأن هذا الصراع العالمي مرتبط أو مترتب على الأزمة السياسية التي تحدث في الحجاز .
والمقصود ببني العباس الذين يقع الخلاف بينهم قبيل ظهورالمهدي عليه السلام ، آل فلان الذين ذكرت عدة روايات أنهم آخر من يحكم الحجاز قبله عليه السلام .
والحاصل من مجموع الروايات أن تسلسل الأحداث التي هي مقدمات الظهور في الحجاز ، يبدأ بنار عظيمة صفراء حمراء تظهر في الحجاز أو في شرقية وتبقى أياماً، ثم يقتل آخر ملوك بني فلان ، ويختلفون على من يخلفه، ويمتد هذا الخلاف إلى القوى السياسية الحجازية ، وعمدتها القبائل ، الأمر الذي يسبب أزمة سياسية في الحكم ، يكون لها تأثير على الصراع العالمي بين أهل الشرق والغرب .
ثم يكون خروج السفياني ، والنداء السماوي ، ثم دخول الجيش السوري السفياني إلى الحجاز وأحداث المدينة ، ثم أحداث مكة . إلى حركة ظهوره المقدس عليه السلام .
ونار الحجاز هذه وردت فيها عدة أحاديث في مصادر السنة ، تذكر أنها من علامات الساعة ، منها ما في صحيح مسلم:8/180: ( لاتقوم الساعة حتى تخرج نار بالحجاز تضئ لها أعناق الإبل ببصرى) ، أي يصل نورها إلى مدينة بصرى في سورية .
ومنها عدة أحاديث في مستدرك الحاكم:4/442و443، تذكر أنها تخرج من جبل الوراق أو حبس سيل أو وادي حسيل. وحبس سيل مكان قرب المدينة المنورة ، وقد يكون تصحيفاً عن وادي حسيل .
ويذكر بعضها أنها تظهر من عدن بحضرموت ، وأنها تسوق الناس إلى المحشر أو إلى المغرب .
ورواية صحيح مسلم كما ترى لاتنص على أنهم من علامات الساعة ، بل تذكر حتمية وقوعها في المستقبل .
والمرجح عندي أن النار التي هي من علامات الساعة والقيامة هي نار عدن أو حضر موت ، الوارد ذكرها في مصادر السنة والشيعة .
أما نار الحجاز الوارد أنها في المدينة المنورة فقد تكون مجرد إخبار إعجازي من النبي صلى الله عليه وآله عن وقوعها دون أن تكون علامة لشئ . وقد حدث ذلك ونقل المؤرخون ظهور بركان ناري قرب المدينة ، بقي أياماً .
وهاتان الناران غير النار التي هي من علامات الظهور ، فقد ورد في الأحاديث تسميتها بنار المشرق ، وفي بعضها نار في شرقي الحجاز ، ففي مخطوطة ابن حماد ص61 عن ابن معدان قال: (إذا رأيتم عموداً من نار من قبل المشرق في شهررمضان في السماء فأعدوا مااستطعتم من الطعام ، فإنها سنة جوع) .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( إذا رأيتم ناراً عظيمة من قبل المشرق تطلع ليال فعندها فرج الناس . وهي قدام القائم بقليل) . (البحار:52/240) .
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: ( إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهردي العظيم ، تطلع ثلاثة أيام أو سبعة ، فتوقعوا فرج آل محمد صلى الله عليه وآله إن شاء الله عز وجل ، إن الله عزيز حكيم) . (البحار:52/230) ، والهردي: الثوب المصبوغ بالأخضر والأحمر .
ويحتمل أن تكون هذه النار بركاناً طبيعياً ، أو انفجاراً نفطياً كبيراً .
كما يحتمل أن تكون هي الآية الربانية التي تكون من علامات ظهور المهدي عليه السلام ، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء ، وحمرة تجلل السماء) . (البحار:52/221) ، وتكون هذه النار قبل الأزمة السياسية الحجازية ، أو أثنائها . والله العالم .
العلامة علي الكوراني
النهاية
الجوار
قال الامام الجواد(ع)=ان القائم من المیعاد ان الله لا یخلف المیعاد.
بنفسی و مالی و بابی انت و امی یااباالغیث یا اباصالح المهدی.