SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز:
يذكّرني هذا الحرّ الشديد بشيء من نار آب التي هبّت مرّتين في ذلك اليوم المشؤوم، قنبلة فجّرها والي الولاة وزعيم القارّة السوداء، بإخفائه إمام شيعيّ مُعتَمّ، جاء من بلاد احتلّتها إسرائيل وقتلت فيها أطفالاً ونساءاً ورجالاً وشباباً في عزّ ربيع العمر، وارتكبت بحقّ الشعب هناك أبشع المجازر، وأدخلت البلاد في حال الفوضى وصادرت الأرض والماء والمؤن.. وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى، حيث كانت مدينة صور المدينة التي خرج منها من يطلب الثورة في وجه الطغاة، ويدعو للجهاد ضد الغطرسة الصهيونية العبريّة العنصريّة.
ينام إمامٌ شيعيّ -وعذراً لتحديد المذهب والإنتماء- تحت رمل الصحراء الليبيّة، ما من أحد استطاع تحديد المدينة الليبية التي تضاء كلّ ليلة من شعاع نوره الوضّاح، أكانت طرابلس الغرب أم بنغازي، أم البيضاء، أم سرت، أم الزاوية.. ولا أعلم أيضاً أيّ حبّة رمل تنال كلّ يوم شرف أن يضع رأسه الشريف عليها وسادةً.. ولا أحد يعلم سوى مالك السماوات إذا كان قد نام موسى النوم الأزلي منذ العام 1978 شهيداً على الأرض الليبية وفي كَنَف نظامها.
جلّ ما أتأسّف عليه، هو موت القذّافي، الذي دَفَن معه كلّ ما يتعلّق بهذه القضيّة الإنسانية، التي لم تعد قضيّة طائفة بحالها، ولا قضية جماعة معيّنة من البشر، بل قضية أمّة أضاعت إمامها، الذي رسم لها خريطة الإنتصارات المتتالية، وانتصرت وهو بعيداً يجلس عند حافّة الزّمن، تدمع عينه لبعد السفر وطول المسافة واستحالة الرّجوع.. لقد شكّل موت القذافي نقطة زادت الأمور تعقيداً في كلّ الملفات الإجرامية التي وقعت تحت يديه، وبقِيَت سرّاً مكتوماً بينه وبين روحه في الدرك السّفلي من جهنّم.
لقد حملت المقاومة في لبنان لواء السيد موسى الصدر الذي صار نموذجاً في قتال العدو الإسرائيلي، الذي بدء من المساجد والحسينيات بدءاً بزرع العقيدة في النفوس والقلوب قبل حمل السّلاح، السلاح مهما كان وَضيعاً.. فيقابل المقاوم العاري الصدر رتلاً من الدبابات الإسرائيلية، مسلّما ً أمره لله، ليس جهلاً، بل على يقينٍ واطمئنان وتسليم.
مرّ على ذلك السّفر 35 عاماً، كلّ أيامها، وساعاتها ودقائقها وثوانيها، ولياليها وأيامها، ولا زلتُ أراهُ في قلب الجنوب، في قلب صور، وفي قلب التلال مرابضاً مع أصحاب القبضات الحسينيّة، ولا زالت عبائته تلّون الشّمس بلون الأمجاد، وخيط عمامته يرسم بين الصخر نهراً من فيض الحبّ، وينشد مع النسمات: مجدي اجتماعكم… ولا زالت كلماته الأخيرة تؤرقني: ” ساكون قريباً بينكم إن شاء الله”.
عميد المعتقلين المقاومين، بل إمام المعتقلين لا يزال مسجوناً ظلماً، أكان على قيد الحياة، أم شهيداً وقد ارتحل، فمن واجب الأمة البحث عنه وإعادته رغم مرور ثلث قرن على اختفائه، وإن السكوت عن هذه القضية لهو العار بذاته، فالشعارات والأناشيد لا تجدي نفعاً، وتذكير الناس على طيلة الـ 35 عاماً لم يأتي بنتيجة، إنّ جل ما نريده فعلاً هو التوقّف عن المهزلة التي تسمّى "السّكوت” عن هذه القضية.. فالتقصير لم يعد يُحتَمَل، والمطالبة بهذا الحقّ ليس جريمة ولا انتقاص من كرامة أحد.. إنّه إمام الجميع وللجميع وعلى الجميع تحمّل المسؤوليّة.
كما بدأ العدّاد عام 1978، سيستمرّ بالعدّ إلى أن تصبح عظام القضيّة .. مكاحل ! وكفى.
النهاية
النخیل