SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز:
تصف الإعلامية الألمانية كريستيانه باكر لموقع قنطرة صيام شهر رمضان بأنه ليس مجرَّد تمرين على التخلي عن الطعام والشراب فحسب بل عملية تطهير جسدية وروحانية أيضاً. الألمانية كريستيانه باكر المعتنقة للإسلام، التي عملت في السابق مقدِّمة برامج لدى قناتي إم تي في وإن بي سي، ترى أيضاً أن الصائمين يشعرون من خلال الصوم بتقرُّبهم إلى الله.
عندما حاولتُ الصيام أوَّل مرة قبل ثمانية عشر عامًا انتهت تلك المحاولة بكارثة صغيرة. كنت في تلك الليلة التي سبقت هذه المحاولة خارج البيت وقد شربتُ بضعة كؤوس من الشمبانيا. وفي اليوم التالي مكثت في السرير تنتابني حالة من الصداع بسبب السُّكْر وشعور بالجفاف والخفقان. وفي الساعة الثالثة بعد الظهر أنهيت صيامي وذلك لأنَّني اعتقدت أنَّ صيام رمضان لا يعنيني بأي شيء. والآن يُخجلني أن أقول إنَّ شهر رمضان في تلك الأيَّام قد صادف فصل الشتاء ولذلك فقد كانت فترة الصيام حينها بالمقارنة مع الصيام في أيامنا هذه قصيرة جدًا.
وفي العام التالي أقلعتُ عن شرب الكحول وقد عملتُ من جديد في تقديم برنامج ترفيهي بشكل يومي في قناة إن بي سي أوروبا. وكان رمضان من جديد على الأبواب، وعلى الرغم من أنَّنا كنا قد بدأنا تصوير هذا البرنامج قبل بضعة أشهر سابقة فقط، إلاَّ أنَّني كنتُ عازمة على الصيام هذه المرة. ومن ناحيتي بذلتُ قصارى جهدي من أجل إعداد نفسي على الصيام كما أنَّني حشدتُ كلَّ قواي.
كانت كريستيانه باكر طيلة أعوام أحد الوجوه الأكثر شهرة في ثقافة موسيقى البوب الألمانية. وبعد اعتناقها الإسلام بدأت تعمل على نحو متزايد من أجل الحوار بين الأديان. وتصف في كتابها الذي صدر عام 2009 بعنوان "من قناة إم تي في إلى مكة" كيف اهتدت إلى الإسلام.
لقد كان ذلك تحديًا من نوع خاص جدًا وذلك لأنَّ شهر رمضان تزامن مع الفترة التي تسبق أعياد الميلاد. وفي هذه الفترة كنا ننتج ضعفي البرامج التي ننتجها في العادة، لكي نستطيع أخذ إجازة لأسبوعين. وكنت كلَّ يوم أقف منذ الصباح وحتى الليل أمام الكاميرا وكان يجب علي أيضًا تقديم تعليقات لا حصر لها.
وفي العادة كنت أقِّوي نفسي بوجبة خفيفة وبجرعة ماء بين اللقطات التي نصوِّرها كي أُبقي فمي وأوتاري الصوتية رطبة. ولكن أصبح من المستحيل بالنسبة لي طيلة شهر كامل تناول الطعام والشراب من شروق الشمس حتى غروبها. وعلى الرغم من حسن نواياي إلاَّ أنَّني لم أكن في الحقيقة متأكدة من أنني كنت سوف أنجح في ذلك.
مبدأ مهم في الإسلام
في الأيَّام الأولى شعرتُ بصداع ولكن بعد ذلك صار يبدو أنَّ جسدي اعتاد على ذلك وفي الواقع لم يكن هذا صعبًا إلى ذلك الحدّ مثلما كنت أعتقد. وبعد أسبوع بات الصيام يسعدني ويصنع لي السعادة. وأثناء الصيام كنتُ أشعر بعد الظهر بقليل من الدوار وكأنَّني في واقع آخر - وكنت أشعر بالصحوة ولكن على مستوى وعي مختلف.
وكان يبدو أنَّ الصيام كان يزيد الإحساس في قلبي وروحي أكثر. وبالإضافة إلى ذلك زادت لديّ حساسَّتي التذوّق والشم أثناء تناول الطعام. وكذلك كانت مواظبتي على الصيام تمنحني بصورة منتظمة شعورًا بتحقيق نجاح؛ إذ كنت أشعر عند كلِّ إفطار بتحقيق انتصار صغير.
ومن خلال ذلك اكتشفت مبدأً مهمًا في الإسلام. لقد أوحى الله بذلك للمرة الأولى على لسان نبيه في الحديث القدسي: "مَنْ تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا ومَنْ تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبت إليه باعًا ومَنْ أتاني يمشي أتيته هرولة". والسر يكمن في أنَّه يجب علينا أن نقوم بالخطوة الأولى ومن ثم سوف يساعدنا الله.
الصيام لا يعدّ فقط مجرَّد اختبار لقوة الإرادة. كنت أقول لنفسي دائمًا حين كنت أشعر بالإعياء والضعف إنَّني أستطيع بعد غروب الشمس أن آكل مثلما أريد. ولكن الغريب في ذلك أنَّني وبعد يوم كامل من الصيام كنت أميل إلى الشبع بعد تناول وجبه خفيفة.
وبحسب التقاليد فإنَّ المسلمين يفطرون على بضع حبات من التمر مثلما كان يفعل النبي. وأنا كنت أفضِّل تناول حبة تمر أو حبتين كبيرتين ورطبتين مع كوب من الحليب. وأحيانًا كنت أحضر معي بعض حبات من التمر إلى العمل.
وكان زملائي في قناة إن بي سي لطفاء جدًا وكانوا يساندونني. وذات مرة عرض عليَّ أحد المنتجين إحضار طعام الغداء لي، وذلك لأنَّه كان يتعيَّن عليَّ العمل طيلة النهار من دون انقطاع. ولكنه بعد ذلك تذكَّر أنَّني كنت صائمةً وقد اعتذر مني كثيرًا.
كان زملائي معجبون كثيرًا بقدرتي على التحمّل وحتى أنَّ بعضهم كانوا يجاملونني على منظري المتألق - وربما يعود ذلك إلى أنَّ الصيام هو عملية تطهير على عدة مستويات، أي من الناحية الجسدية وكذلك الروحية.
لم أكن امتنع فقط عن تناول الطعام والشراب أثناء النهار، بل كنت أحاول أيضًا تجنّب النميمة والرغي وعدم المقدرة على الصبر والغضب. وفي المقابل كنت أفعل أحسن ما لدي لكي أكون مهذبة ولطيفة مع الجميع؛ ومع أنَّني لست متأكدة من أنَّني كنت دائمًا أنجح في ذلك، ولكنني كنت أسعى كثيرًا وعن وعي من أجل تحقيق هذا الهدف.
الصيام ركن من أركان الإسلام الخمسة - في شهر رمضان المبارك أنزل الله حسب الروايات الإسلامية أوَّل جزء من القرآن الكريم. ولذلك ينال الصائمون أجرًا عظيمًا على قراءة القرآن في هذا الشهر.
وكنت أقرأ كلَّ يوم القليل من القرآن كما أنَّني كنت أذهب مع إحدى صديقاتي لأداء صلاة التراويح في مسجد جنوب لندن. وعلى الأرجح أنَّ هذه الأشياء هي التي تخلق هذه الجاذبية الخاصة في رمضان. وعلى العموم لقد سار صيامي في رمضان الثاني من دون صعوبات وبصورة رائعة على الرغم من عملي الشاق - وبفضل الله ونعمته أصبح يسير كلّ رمضان على هذا النحو.
وفي شهر رمضان المبارك أستطيع دائمًا الثبات والصبر، وذلك لأنَّ الله عز وجل قد أنزل القرآن الكريم في هذا الشهر على النبي محمد. إذ يقول النبي: "إذا جاء رمضان فُتِحَتْ أبواب الجنة وغُلِّقَتْ أبواب النار وصُفِّدت الشياطين". وبهذا المعنى فإنَّ الصيام يشبه الدرع الروحي. وهذه المعرفة تمنحني المزيد من القوةً والثقة بالنفس.
ومع نهاية شهر رمضان يصبح الصيام مرهقًا، ولكن بمجرد مرور الثلاثين يوماً يبدأ لدينا الفرح والسرور بالإفطار. ولذلك أشعر بأنَّ نفسي قد تطهَّرت وامتلأت وأصبحت أقرب إلى الله. إنَّه شعور رائع أتمنى أن يستمر دائمًا.
وبمناسبة نهاية شهر رمضان، هذا الشهر المكرَّس لعبادة الله - نحتفل بعيد الفطر. وعلى الرغم من ذلك فقد كنت كثيرًا ما أواجه، باعتباري مسلمة جديدة ليس لي أسرة مسلمة، صعوبات في إيجاد أشخاص أحتفل معهم في العيد.
وأنا معجبة بالعلاقة بين مفردتي الفطر والفطرة التي تعني "الطبيعة الأولى"، أي الحالة النقية التي نولد فيها ونسعى إلى العودة إليها من خلال الانضباط الروحي الذي نواظب عليه في صيام شهر رمضان. وكلما اقتربنا أكثر من هذا الهدف يزداد ويكبر نجاحنا وفلاحنا عند الله.
عرفت كريستيانه باكر في السابق كمقدِّمة برامج لدى قناة إم تي في أوروبا الموسيقية وتعمل كصحفية تلفزيونية ومقدِّمة برامج لصالح قنوات تلفزيونية عالمية. صدر لها في عام 2009 كتاب تحت عنوان "من قناة إم تي في إلى مكة المكرمة - كيف غيَّر الإسلام حياتي".
كريستيانه باكر
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013
النهایة
شفقنا