SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز:
خرجتُ من السجن أنا والدكتور الكتاتني وذهبنا مباشرة إلى ميدان التحرير ظهر الأحد 30 كانون الثاني. دخلنا معسكر قوات الأمن في مدينة الشيخ زايد فجر الجمعة، وبقينا منتظرين. في اليوم ذاته، ونحن في السجن أرسلنا نطلب طعاماً، قالوا لا يوجد في الحجز، قلنا نشتري من الخارج. لم يمانعوا وكان معنا مال، فأرسلنا جنوداً ليشتروا طعاماً، عادوا قبل العصر وقالوا إن البلد «خربانة»، «هايبر مول»، متجر كبير على الطريق الصحراوي، مدمر. سألناهم، لماذا لم يُحضِروا منه أي طعام، ما دام مخرَّباً؟ قالوا: كنا خائفين. ظللنا نضرب أخماساً في أسداس، لا نعرف ماذا سيحدث، ولم يقل لنا أحد سبب توقيفنا وهل سنحال على النيابة. قررنا يوم السبت أن نتمرد، وفعلاً بدأ الاحتجاج ورفضنا دخول الزنازين، بعد الصلاة. جاءنا السيد مساعد وزير الداخلية اللواء عمر الفرماوي، وهو صديق قديم لي، يُحاكَم الآن، وتفاوض معنا. قال، أتعهد لكم ألا تبيتوا ليلة أخرى، لا بد من نقلكم إلى مكان آخر، لأننا خائفون على حياتكم، لا يوجد طعام ولا ماء ولا حراسة، وفي البلد إضراب واسع، ومَنْ يقتحم المكان سيقتلنا. قلنا له انقلنا إلى سجن عمومي أو أعرضنا على النيابة، فتعهد وقال، بيتوا الليلة وإن شاء الله غداً قبل العصر، سيحسم أمركم. صلّى معنا الظهر يوم السبت وقال جهزوا أشياءكم، ستذهبون. يوم السبت 29 كانون الثاني، أخذنا متعلقاتنا وذهبنا، ونحن في الطريق نتلمسه، لم يقل لنا أحد إلى أين أنتم ذاهبون، وليست معنا بطاقات هوية. فقلنا لو اتجه (السائق) إلى مصر الجديدة على المحور سنذهب إلى النيابة، لو ذهب في اتجاه الاسكندرية نكون في طريقنا إلى السجن معتقلين.
ونحن في الطريق بدا كل شيء صامتاً، ووجدنا سيارة نصف نقل محمّلة خضروات، وشخصاً ممن كانوا معنا، الدكتور أحمد دياب استاذ الأدب واللغة الصينية، وكان عضواً في مجلس الشعب السابق. السائق تعرّف إليه، فكتب ورقة صغيرة وألقاها له، تفيد بأننا إما في سجن وادي النطرون وإما في سجن اسكندرية الغربي في برج العرب. وقلنا له أمشِ وراءنا لتعرف أين سنذهب، ومشى على أمل إبلاغ أهلنا، ولم يبلّغوا، ودخلنا السجن.
قلت للمأمور ولمدير المباحث أين المستند الذي يثبت أننا هنا، أين أمر النيابة او أمر الاعتقال، فأقسم أنه لم يتلقَّ أي ورقة، بل تعليمات شفوية. قلنا له، لا يجوز أن ندخل السجن من دون أي مستند، فاحتدم السجال بينه وبين الأستاذ صبحي صالح، فتدخلتُ قائلاً إننا منذ يومين لم نأكل أو نشرب... على الأقل نريد طعاماً. دخلنا سجن وادي النطرون 2 القريب من مدينة السادات، وقدموا لكلٍّ منا بعض الرز وربع دجاجة.
شاء الله أن يكون شابان من «الإخوان» معتقلين في العنبر ذاته، كانا طالبين في جامعة الأزهر، يعرفان السجن. تم توزيع الأكل، وصلّينا المغرب والعشاء ونمنا. استيقظت كعادتي بعد 3 - 4 ساعات لأصلّي، فوجدت في الثانية أو الثالثة فجراً دخاناً، كانت بوابات الزنازين مفتوحة وباب العنبر الرئيسي مغلقاً، ووجدت المسؤول عن العنبر يصرخ: «أخرجوني سأموت معهم». واكتشفنا أن السجن شهد تمرداً طوال الليل، وكان بدأ قبل مجيئنا بليلة. بدأ الجمعة وتصاعد السبت، فشكلنا لجنة من أعضاء مكتب الإرشاد السبعة (أنا والدكتور مرسي والدكتور محيي حامد والدكتور الكتاتني والدكتور محمود أبو زيد والدكتور سعد الحسيني وعضو سابع) من بين الـ 34 سجيناً، لنتدبر أمرنا. خرج الحارس وأصبحنا وحدنا، صلّينا الفجر والأحوال في الخارج تتطور حتى سمعنا إطلاق نار، وكان معنا راديو، فسمعنا نشرة الأخبار، وخبر اغتيال مأمور سجن القطة اللواء محمد البطران. سمعنا الخبر مرتين، فقلت إن بثه عبر الإذاعة الحكومية يوحي لجميع الموقوفين في السجون المصرية بأن يتمردوا. هذا متعمّد، ومحمود وجدي وزير الداخلية السابق قال في شهادته إن أكثر من 35 ألف سجين خرجوا، أي نحو ثلث السجناء.
> كيف خرجتم أنتم؟
- قلنا للشباب اعتلوا الأسوار وفتشوا عن حل... سنموت في هذا المكان.
> مَنْ هؤلاء الشباب؟
- طلاب جامعيون معتقلون، من «الإخوان المسلمين» تحدثوا مع نزلاء العنبر الذي يجاورنا، ونحن فتحنا الباب وخرجنا وهم حطموا الحائط وأخرجوا شخصاً أحضر مفتاح أبواب السجن. كررنا مطالبتهم بإحضار المفتاح الخاص بعنبرنا، لكنهم رفضوا قبل هروبهم، وطالبناهم بإعطائنا هاتفاً، فأرسلوه لنا.
> «الإخوان»؟
- لا... هؤلاء كانوا من جهات تكفيرية ومعتقلين سياسيين، لديهم الاستعداد للمساعدة. كان بينهم أشخاص ظلوا في السجن 8 إلى 10 سنوات، ولديهم الاستعداد للمخاطرة بحياتهم بدلاً من البقاء في الزنزانة. ارسلوا لنا الهاتف، وبدأنا اتصالات بواسطته، لنفهم ماذا يحدث، فعلمنا أن في السجون تمرداً، وأن الشرطة انكسرت، والجيش نزل إلى الشارع، وهي اختفت من الشارع. طالبنا «الإخوان» بإنقاذنا لكنهم ردوا بأن ليس في إمكانهم فعل شيء، قالوا لنا، في محيط السجن أهالٍ استمروا في الصراخ عليهم لمطالبتهم بأن يفتحوا لكم السجن. وهذا ما حدث، الأهالي جاؤوا.
> أهالي السجناء؟
- نعم، فكل الإذاعات تناقلت أنباء عن اقتحام السجون وتعرّضها لإطلاق نار، لذلك، جاء الأهالي لإنقاذ أبنائهم.
> ولكن لماذا الحديث عن مجيء عناصر من «حماس» أفرجوا عنكم؟
- ما يقال من ان «حماس» جاءت لإطلاق المعتقلين من عناصرها وعناصر «حزب الله»، هو شيء كان متوقعاً. عندما يُعرف عصر 28 كانون الثاني (جمعة الغضب)، أن البلد انهار، والجيش استلمه، والشرطة انكسرت، والسجون واجهت تمرداً، ماذا ستفعل لو أنت من «حزب الله» أو من «حماس»، ولك زملاء في هذه السجون؟ ستأتي لإطلاق زملائك، ولن تطلق الآخرين، فلا شأن لك بالآخرين، ولم يكن أحد يعلم أننا في سجن وادي النطرون منذ البداية.
> يتردد أن الرئيس مرسي أُعطِيَ هاتف الثريا الذي تحدث عبره إلى قنوات فضائية؟
- عبر الهاتف حاولنا الاتصال بعائلاتنا، وبعدها بدأنا الاتصال بالسجناء الذين أُطلَقوا، وطالبناهم بالمساعدة. كنا جئنا إلى السجن مساء السبت، ونجحوا ظهر الأحد في جلب عتلات (قطع معدنية)، وتم كسر الباب. قبل أذان الظهر بعشر دقائق كنا مستعدين للخروج، وبالفعل خرجنا، عائلاتنا كانت نقلت إلينا عدم استطاعتها الوصول إلينا، وأنها ستُجري اتصالات بمعارف قريبين من السجن، في وادي النطرون أو مدينة السادات. بمجرد خروجنا من السجن وجدناهم وصلوا بسيارات، واصطحبونا.
> أين التقيتهم؟
- أمام أبواب السجن.
> ومَنْ هؤلاء؟
- الأهالي. أجريتُ اتصالاً مثلاًً بنجلي الذي أكد صعوبة الوصول إلى السجن، وأن الجيش يمنع المرور وأعلن حظر التجول. قلت له ابحث عن أحد، فقال إنه سيُجري اتصالات بأصدقائه وزملاء يقطنون قرب السجن كي يتمكنوا من المجيء إلينا.
> وماذا عن «حماس»؟
- «حماس» بريئة من هذا الموضوع.
> إذاً، «حماس» لم تلعب أي دور في الإفراج عنكم؟
- على الإطلاق.
> وماذا عن إجراء مرسي اتصالاً بقناة «الجزيرة»؟
- كان بعد خروجنا، واتفقنا أن الوحيد الذي سيتحدث هو الدكتور محمد مرسي، إذ كانت هناك إشاعة حول وفاتي، وكنا نريد توجيه رسالة إلى عائلاتنا فحواها أننا بخير، فأجرى اتصالاً بـ «الجزيرة».
> عبر هاتف الثريا؟
- لا، عبر هاتف عادي، تعريفته عشرة قروش، والاتصال من طريق مراسل قناة «الجزيرة» في القاهرة. أدّينا الرسالة، وذهبنا مع الإخوة الذين جاؤوا إلينا، وقالوا إن أقرب مكان إلى السجن والأكثر أمناً هو مدينة السادات.
> ولكن في هذا التوقيت كانت الاتصالات قُطعتْ؟
- لا يوجد هاتف ثريا، الاتصالات قطعت الجمعة، وخرجنا الأحد وكانت عادت. أجرينا اتصالات بمجرد وصولنا إلى منازل إخواننا لتناول الغداء. كنا سنعود إلى مقر مكتب الإرشاد لنعرف ما الذي يحصل في البلد. في المساء اتفقنا على المكان الذي سيذهب إليه كل شخص، أنا و (رئيس الحزب) الدكتور الكتاتني كان المخطط أن نذهب إلى المكتب ولكن، بعد نزولنا إلى ميدان التحرير. ذهبنا إلى مكتب الإرشاد واستبدلنا ملابسنا، ونزلنا إلى الميدان أنا والكتاتني لكي نُطمئن الناس، فالميدان كان بؤرة اهتمام العالم، ولم نعد إلى منازلنا إلا بعد أربعة أو خمسة أيام.
> ظللتم في ميدان التحرير؟
- نعم، ظللنا في ميدان التحرير حوالى 4 ساعات، وكان الاتفاق ألا ينزل إليه أحد من رموز «الإخوان المسلمين» لئلا تُصبغ الثورة بالطابع «الإخواني». وكان الاستثناء وجود شخص مثل محمد البلتاجي، ووجود آخرين في عمل ميداني على الأرض، لا أحد يعرفهم.
> تداعت الأحداث بعدها، ألم يحدث اتصال في تلك الأيام بين عمر سليمان و «الإخوان»؟
- قبل الاتصال الشهير، لم يحدث أي اتصال.
> وما فحوى هذا الاتصال الشهير؟
- في الجلسة التي حضرها شباب الثورة وغيرهم، لم نكن وحدنا على الإطلاق. الاتصال حصل مع عمر سليمان، إثر ضغوط كثيرة جداً، شارك فيها (رئيس المجلس العسكري السابق) المشير محمد حسين طنطاوي. السيد المشير نزل يتفقد الميدان أكثر من مرة، وفي إحدى المرات قال لشباب «الإخوان» يا شباب أبلغوا المرشد ضرورة لقاء عمر سليمان، فكانت هذه إحدى الرسائل. رسائل أخرى جاءت من الخارج: «يا إخوان، البلد تُحرق وأنتم ناس مسؤولون».
> مَنْ مِنْ داخل «الإخوان» قاد هذه الأيام الصعبة؟
- المرشد (محمد بديع)، لا يوجد أحد غيره. جماعة «الإخوان» اعتادت طوال تاريخها أن لها قائداً واحداً، وهو من يتحمل المسؤولية، والجميع يصب عنده ما لديه من معلومات أو اقتراحات. وتعوَّدَت الجماعة، على عكس ما يراه الناس، أن هذا المرشد لا يتصرف منفرداً، لا بد أن يأخذ قرارات عبر الأطر المؤسسية. لم يخفِ عنا شيئاً، يوم قررنا الذهاب إلى عمر سليمان، عقد (المرشد) اجتماعاً سرياً خارج المكان الذي كنا نجلس فيه، وعرض علينا الأمر.
> مَنْ حضر هذا الاجتماع؟
- أعضاء مكتب الإرشاد فقط، بعض الأشخاص اتصلوا بـ (القيادي الإخواني) محمد البلتاجي وأبلغوه، وآخرون اتصلوا بي وأبلغته. كان هدفنا من لقاء عمر سليمان شيئاً واحداً: أن يوقف القتل، وأن يُترك المتظاهرون.
النهاية
الجوار