SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز:
تحوّلت التكهنات الى حقائق بإعلان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني تسليم الحكم رسمياً لابنه وولي عهده الشيخ تميم. أهو انقلاب في القصر أم عملية انتقال للسلطة جرى الترتيب لها منذ مدة ليست بالقصيرة؟ في مشيخة حفل تأريخها بانقلابات وخيانات وغدر بالمحارم والأقارب.
وفي سياق تقديمه لمبررات التغيير السياسي المفاجئ الذي يعد حدثاً غريباً في منطقة الخليج العربي حيث تغيب الديمقراطية ويحدث في الغالب انتقال للسلطة على وفق ما تقرره القبيلة والعائلة المالكة، اعتبر الامير المتنحي ان ما حصل هو "لتمكين الشباب من أداء دورهم في بناء مستقبل البلاد والحاجة للتغيير" ولكن أي الشباب؟ بالطبع ليسوا خارج باحة القصر فهذا عرف الامارة التي تتحكم بمصائر الجمهوريات حولها.
هيمن الأمير حمد على السلطة في بلده لنحو عشرين سنة تقريباً، منذ العام 1995 بعد انقلابه الأبيض على أبيه الشيخ خليفة، الذي طُرد من الحكم بعدما اتُهِم بالسرقة والاختلاس، ليتركه يعتاش على الهبات السعودية ودول الخليج.
وفي كل ذلك، كان للزوجة الحريصة أشد الحرص على مظهرها و( لوكها) الغربي، الشيخة موزة، الدور المؤثر في سياسات الداخل والخارج، تجاوز تأثيرها دور الزوجة الثالثة لحمد الذي ارتبط من قبل بابنتي عميه.
ومنذ ذلك الحين وحتى تنازله عن الحكم لابنه تميم، في 25 يونيو 2013، طبع حمد مرحلة زمنية بأسلوبه في الحكم الى جانب ابن عمه الشيخ حمد بن جاسم.
وما يميّز الرجل البدين الذي فقد الكثير من وزنه في الفترة الاخيرة، علاقاته غير المستقرة مع دول الخليح، اذ ظلت علاقته متوترة مع حكام السعودية لمدة طويلة على الرغم من ان "أسرة آل ثاني " هي اسرة سعودية هربت من نجد الى قطر برئاسة الشيخ حمد آل ثاني الكبير الذي اسس مشيخة حاولت الاستقلال عن النفوذ السعودي.
وتشير إنجازات عهد الشيخ حمد بأن قطر أضحت اليوم اكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال وصاحبة اعلى دخل للفرد في العالم بأكثر 86 الف دولار، فيما يبلغ عدد مواطنيها ربع مليون نسمة بالكاد ومساحتها 11437 كيلومتراً مربعا. لكن السؤال: أين هي من دولة المؤسسات؟ وهل هي دولة أم شركة حوّلها حمد لماكينة اقتصادية ضخمة تحول احتياطي الغاز في الرمال ومياه البحر ثالث احتياطي بعد روسيا وايران، الى مال وفير؟
وعلى الرغم من ان مراقبين يرون ان دور قطر سيضمحل على المسرح الدولي بمغادرة ( الحَمَدَيْن )، إلا ان آخرين لايتوقعون ذلك طالما ظل القطبان المخضرمان يقدمان المشورة للأمير الشاب من خلف الكواليس.
ولم يكن حمد أميراً لإمارة صغيرة، بل سعى تحت وطأة الشعور بالنقص، الذي هو ديدن كل زعيم دولة صغيرة يسعى الى جعلها قطباً مؤثراً على الساحة الدولية، برغم ان الكثيرين لايرون فيها سوى الغاز والجزيرة، بل ان مسؤولاً روسياً رفيعا هو مندوب موسكو في مجلس الامن فيتالي تشوركين لوح بشطب قطر من خارطة العالم.
وعلى النطاق الخليجي، ولّدت سياسات الأمير المشاكسة ريبة وخشية البحرين والإمارات، حتى باتتا غير متفاعلتين مع تحالفات قطر ومبادرتها السياسية.. إذ وطّد حمد علاقات بلاده السياسية بحركة الإخوان المسلمين، ما أثار حفيظة الاماراتيين الذين عملوا على تقويض النفوذ القطري في كل المجالات.
يقول الكاتب أوليفييه دالاج صاحب كتاب "قطر، سادة اللعبة الجدد"، ان "الشيخ حمد عندما تسلم السلطة في 1995، كان لديه هدف وحيد هو وضع قطر على الخارطة، ولذلك استخدم موارد الغاز الذي كان والده يرفض تطويرها خوفاً من تغيير طبيعة المجتمع القطري". وبعد 18 سنة، قال دالاج ان الشيخ حمد حقق هدفه.
وعبر وجود قاعدة السيلية، مرّر حمد لدول الجوار والاقليم رسالة مفادها ان علاقته بالأمريكان مختلفة، حتى أعتُبِر مساهماً في الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان، بل وصرّح أنه "لو أصر على إخراج الأمريكيين من قطر فإن الأخوة العرب سيحتلونها".
وفي سيرته الذاتية، وبعيداً عن أعداد زوجاته وبناته وغرابة اسماء ابنائه ـ احدهم اسمه جوعان ـ فان ما يلفت الانتباه حصوله على 33 وساماً ووشاحاً! ليس ثمة غرابة في الامر، لكن الغريب ان واحداً منها هو وشاح المحرر سيمون بوليفار من فنزويلا عام 2010.
يبدو انه منذ ذلك الحين اغوى هذا الوشاح الامير، فحاول ان يغير من مجريات الامور في تونس وليبيا ومصر واخيراً سوريا، ناسياً انها جمهوريات وان جماهيرها لا غيرها من تشكل ربيعها، لكنه كان يرى في المرآة والوشاح بيده انه المحرر.
في ليبيا وتونس ومصر، كان لتدخل قطر في الشؤون الداخلية لتلك البلدان، رد فعل عكسي، فبينما انفق حمد المليارات على تقويض انظمة الحكم في تلك البلدان، انقلب الرأي العام ضده على الرغم من استمراره في دعم أنظمة "دينية" أمسكت بزمام الحكم في بلدان "الربيع العربي"، حتى ان انصاراً لخطواته ولدولته قدموه على انه "بطل الربيع العربي"، فراح يدعمه عسكرياً في ليبيا، وبالسلاح في سوريا، وبالطبع اعلامياً من خلال قناة الجزيرة التي اطلقها الشيخ حمد بُعيد وصوله الى الحكم مؤسساً لمرحلة جديدة من الاعلام الاخباري العابر للدول العربية.
ولم يكن حمد موفقاً في تقديم نفسه كزعيم يساند الثورات وحقوق الشعوب، ففي ميدان التحرير بالقاهرة، أحرق المتظاهرون صوره وأعلام بلاده، وصار الامير البدين وقتها مثار تندر واستخفاف وتهجم.
وتحولت قناة "الجزيرة" بيد حمد وسيلة مشاكسة دبلوماسية وابتزاز سياسي للكثير من الدول والشخصيات والمنظمات.
وكان لقطر مثل دول غير قليلة تحيط بها ثمة حاجة لمرجعية دينية، فاستورد الشيخ حمد الداعية الاسلامي القرضاوي، لساناً باسم الشريعة والدين يهاجم به منتقديه والدول التي سعى الى مهاجمتها.
وأفضى تدخل حمد المباشر في سياسات القناة الى افراغها بمرور الزمن من حياديتها وحرفيتها وصارت ذراعاً للحكومة القطرية بدل أن تكون هيئة إعلامية مستقلة.
وعلى الصعيد السوري، سعى حمد بكل ما أوتي من ثروة وعلاقات الى تغيير النظام، معتبراً نفسه دولة توازي في تأثيرها نفوذ الدول العظمى، لكن افكاره في هذا المجال لم يجانبها الصواب.
تقول سيرة حمد انه من مواليد بداية الخمسينيات، بدوي الثقافة، التي هذّبها تعليم غربي، منذ التحاقه بأكاديمية ساند هيرست العسكرية في المملكة المتحدة وتخرج منها في العام 1971، وإنضم بعدها إلى القوات المسلحة القطرية.
لكن داخلياً، لم تنجح الثقافة الغربية وبراجماتيتها، من لجم استبداد امير قبلي، ليقوم بسحب جنسيات ستة آلاف من افراد قبيلة آل مرة، بدعوى ازدواجية جنسيتهم.
وحمد بن خليفة الحريص على مظهره البدوي، وهو اللباس التقليدي للقطريين بدشداشة وكوفية وعقال، طبع شخصيته بأسلوب غربي عبر زوجته التي لم تفارقه في اغلب جولاته ورحلاته، وهي التي حرصت على الدوام الى الظهور بـ"لوك" غربي، لم تألفه عادات وتقاليد مجتمع الخليج.
وبين نساء زعماء خليجيين لا يظهرن امام الاعلام على الاطلاق، وإذا ظهرن فبالنقاب فحسب، بدا الفرق شاسعاً بين اسلوبين في الحياة في مجتمع النفط والصحراء في الخليج.
لكن، ما سر انخفاض الوزن المفاجئ لحمد بن خليفة؟ ثمة تكهنات ترجع الامر الى فشل كلوي جعل الامير يفقد وزنه تدريجياً، والبعض الآخر يرى فيه استجابة لمتطلبات شخصية، اذ أن وزنه الضخم جداً الى جانب زوجته الرشيقة موزة جعله يتحسس من المفارقة التي صارت موضع تندر كثيرين عبر وسائل الاعلام ليقرر فعلاً تخفيض وزنه.
وتزويج حمد بموزة المسند كان انقلاباً في حياة الامارة الصغيرة الثرية بعائدات النفط والغاز، لانه كان بمثابة صفقة سياسية بالدرجة الاولى بين آل خليفة وآل مسند.
وأدى الظهور الاعلامي لموزة الى شيوع اخبار راجت بين الناس كحقائق ومنها ان موزة هي الحاكمة الفعلية، ومن ذلك ما نشرته صحيفة "الزمان" في لندن، ليصدر القضاء البريطاني في العام 2005 حكماً على الصحيفة، يقضي باعتذارها لحرم أمير قطر الشيخة موزة عن الادعاءات التي وجهتها الصحيفة لها العام 2001، وتتعلق بمقالات بحق الشيخة موزة حول "تدخلها في الشؤون السياسية والقضائية والأمنية في قطر، وعقد اتفاقات سرية مع إسرائيل".
وفي كتابه "حكام ونسوان"، يرى أسامة فوزي ان موزة تتجاوز في دورها، نفوذ الزوجة التقليدية لأمير، لأنها سليلة عائلة طمعت في حكم قطر ايضا لتتداخل في شخصيتي حمد وموزة فضائح أخلاقية ومالية وجنسية وصراعات على النفوذ بين أفراد العائلة الواحدة وغدر بالمحارم.
لكن يبدو ان حمد وبعد تلك المسيرة الحافلة بما يحكمه البلاد من شروط تفرض واقعا لا يميل الى القلوب، تزحلق بقشر موزة، او علق بحبال الشيخة موزة، ليعتزل حياة السياسة ويغادر صوب جنوب فرنسا حيث يعشق قيادة الدراجة الهوائية وخلفه موزة بالطبع.
النهاية
النخیل