SHIA-NEWS.COM شیعةنیوز:
فى الفيلم الإيطالى "الأب والغريب" الذى يعرض فى قسم "ليالى عربية" بمهرجان دبى السينمائى الدولى ــ كان المشهد الافتتاحى مؤلما، وبقدر شفافيته وواقعيته بقدر نجاح شخوصه فى بث روح من المشاعر الجميلة التى شكلت منهجا نفسيا لمشاهدة باقى أحداث الفيلم والدخول فى أعماق شخوصه.
فيشاهد البعض فناء أحد المستشفيات فى أحد جوانبها يجلس الإيطالى ديجو منتظرا انتهاء ابنه من جلسة العلاج حيث ينتمى للأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة، ديجو بدى كونه سلبى المشاعر من كثرة روتين المشوار، وفى الصورة نفسها يظهر وليد الغريب الذى يأتى أيضا إلى المستشفى لنفس السبب المرضى، ويتقابل الاثنان وليد يحنو على ابنه يداعبه ويجعله يبتسم فى مشهد إنسانى رائع، وينصح ديجو بأن يتعامل مع ابنه المعاق بنفس الطريقة، ويشعره بأنه كل حياته.
المهم اخترق وليد عقل ديجو، وسرعان ما أصبحا صديقين، حاول وليد الثرى السورى أن يلقن ديجو فى كل مرة درسا فى الحياة، وأن يتقبل كل منهما الآخر.. يكملان بعضهما البعض كفكر وروح.. إنه هكذا يكون العالم. وفى مشاهد متتالية رائعة يكشف ديجو أو الفنان الإيطالى "اليساندرو جاسمان" عن هوية أخرى لشخصيته وعواطفه حيث تتغير نظرته لابنه ومرضه، ويتقبل حالته ويمارس أبوته ويحتوى زوجته التى سعدت كثيرا بهذا التحول، فقد كان موظفا بيروقراطيا عصبيا، الآن عاد بالأسرة إلى دفء الحياة، لدرجة أنه وقف أمام وليد يحكى حكايته وفى مشهد رائع من الاثنين قال ديجو "وجعلنى أبكى بدلا منه" وهو يقصد الطفل طبعا الذى يخفى آلامه، وقال وليد وماتت أمه وأريد أن يشعر بأمان فى المستقبل ذهبت حلما لكن ابنى يوسف الآن أصبح حلمى ومستقبلي.
وبعد لقاءات متعددة بين الاثنين ذهبا فيها إلى مشكلة حيث جزء من العالم الغامض والمثير لوليد، وفى صحراء دمشق يخبر وليد ديجو أنه اشترى هذه الأرض ليوسف، الأرض ترى منها أجمل لحظة غروب، وبعد العودة من سوريا ينقلب الفيلم وتتبدل مشاعر الاستكشاف الإنسانى والصورة الدافئة الرائعة عبر كادرات عالم صغير وأداء يخترق قلبك وتكون جزءا منه ينقلب الحال وتتسع دائرة طموح المخرج والحالة السينمائية إلى لغة الأكشن والمطاردات وهى اللغة التى ربما لو تجاوزها الفيلم لأصبحت له مكانة أخرى لكن يبدو أن المخرج أراد أن تضم التوليفة كل شىء، يختفى وليد فى لحظة غامضة ويستدعى ضابط المخابرات ديجو ويخبره أن وليد مطلوب من السلطات لاشتباه فى تورطه فى عمليات إرهابية أو بتهمة أنه كانت له عمليات خاصة بين العرب وإيطاليا تسهل كثيرا من الاتفاقات وأخل بها.
ويجد ديجو نفسه ملاحقا من قبل المخابرات عسى أن يظهر وليد، وتنمو غريزة الصداقة حيث يقرر ديجو البحث عن وليد وحمايته، وبعد أن تقتنع المخابرات بأن وليد قتل يظهر مرة أخرى فى سوريا ومعه ديجو فى مشهد رائع للغاية قدمه عمرو واكد، الذى بدا أداؤه طموحا وناضجا للغاية فى طريقه نحو سينما يغامر بها وتغامر به لكن الإحساس الأخير هو شعورى بأننى شاهدت فيلما إيطاليا رائعا بنكهة مصرية.. شاهدت عمرو واكد وهو ينطق بالإيطالية لكن تعبيراته تجاوزت منطق اللغة والعرق والجنسية. ليبقى الممثل هو الأهم.
الفيلم مأخوذ عن رواية بوليسية لجيانكارلو ديكاتالدو وإخراج ريكى تويناتزى الذى نجح بحق فى مزج علاقة سلام وحرب، قلق وطمأنينة تحت شعار عالم واحد.. وكانت فى الكادر الزوجة الإيطالية نادين لبكى التى قدمت بعض المشاهد الرومانسية الخالصة والممزوجة بكل نبضات الحياة.
الرحيل من بغداد أو البقاء مصير واحد
فى مشهد مسرحى رائع على شاشة السينما جاء الفيلم العراقى «المغنى» الذى يعيد إلى الأذهان من جديد ديكتاتورية وسطوة وقسوة الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، والسؤال المطروح لماذا الآن تحاول السينما العراقية ترسيخ مفهوم الظالم والديكتاتور واللإنسانية كصفات أصيلة لصدام حسين حتى بعد أن انتهى هذا العصر بكل مفرداته، وأصبحت هناك عراق أخرى أكثر من عراق لها مواجعها وهمومها وواقعها، لماذا الحنين لمحاكمة صدام، هل هناك إشارات سينمائية للأجيال الجديدة بكراهية الماضى وتقبل المستقبل رغم ما يشوبه من هوان وغموض وعدم استقرار أم هى مجرد تجارب ذاتية عانى أصحابها من نظام الرئيس الراحل ورفاقه مر الأيام أم هى رؤية ثالثة ربما يحركها الغرب حتى يقنع ما تبقى من جيل أن صدام حسين كان يستحق ما حدث له وما حدث من خسائر للمجتمع كان لابد منه فى سبيل الخلاص من نظام لا يعرف سوى الدموية والخلاص من كل معارضيه فالفيلم إنتاج عراقى فرنسى.
وفيلم «المغنى يأخذك فى صورة بصرية ثابتة يتحرك بداخلها الأشخاص وفى كل حركة وجملة تنكشف الرؤية شيئا فشيئا عن نظام فاسد وقائد أفسد.. فهو هنا يسلط الضوء على الحقبة الديكتاتوررية من خلال قصة المغنى الشهير بشير الذى أدى دوره باقتدار عامر علوان، حيث يتم استدعاؤه ليغنى أمام الحاكم فى القصر الملكى فى عيد ميلاده لكنه فى الطريق تتعطل سيارته وهو ما يجعله يتأخر عن الموعد المحدد لفقرته، وفى مشاهد تعبيرية يكاد يموت رعبا لأن التأخير معناه إهانة الملك، ولا يجرؤ أحد على فعل ذلك.
وخلال رحلة بشير ومحاولاته للوصول إلى الحفل، يأخذنا المخرج إلى الحفل ذاته، وأجوائه القاسية حيث يأتى الرئيس وقد بدا أكثر قوة وثقة ورعب لكل المحيطين حتى من سفراء الدول الأجنبية الكبرى الذين جاملوه ببعض الهدايا وفى المشهد المسرحى للحفل الرئاسى نرى بعض النماذج لفئات مختلفة من البشر من المدعوين، وتنتقل بينهم الكاميرا ليتحدثوا عن شعورهم تجاه الرئيس ونظامه بصراحة دون أن يعرفوا أنهم مراقبون صوتا وصورة من خلال غرفة للمخابرات، فنرى ضابط جيش وزوجته الجميلة يأتى ليقدم التهنئة ويشكر الرئيس على الترقية، فيقول له الرئيس إن زوجتك أكدت حبك لنا.
وهنا يساور الضابط الشك فى أن زوجته قدمت تنازلات، وعلى مائدته يطلب منها أن تخبره الحقيقة، لكنها تحاول أن تهدئه، وينتحر فى مشهد مفجع، أو ربما تم قتله، وفى مشهد ثان آخر يجمع شاعر وزوجته، الزوجة تؤنبه على قصيدته التى يمدح فيها الرئيس، وهوى يقول لها هذا رئيس وزعيم وكلنا نعيش فى حماه وهى تسخر من الرئيس، وبعد أن يلقى الشاعر بالقصيدة أمام الرئيس يتم منحه سيارة مرسيدس شأنه شأن من منحهم الرئيس من عطاياه فى ليلة عيد الميلاد، بينما يتم القبض على الزوجة أو خطفها إلى المجهول وتقول المخابرات للشاعر بلغ أهلك أن زوجتك اختفت عبر إعلان فى الجرائد وأنك لا تعرف عنها شيئا.
ويأتى المغنى المتأخر ويتم ضربه ثم يأمره الرئيس بأن يغنى وعيناه أمام الحائط وظهره لهم هو والفرقة وألا يظهر فى التليفزيون مرة أخرى فقط يغنى فى الإذاعة عقابا له وفى مشهد رائع يتم استمراره والتقطع عليه عبر باقى أحداث الفيلم حيث يظل المغنى للنهاية يواصل حتى رغم رحيل الرئيس المهم وقف المغنى وعينه على الحائط الذى يحمل لوحة للزعيم صدام حسين وكأنه يغنى حتى للرمز والصورة بالأمر.. كان المشهد سينمائيا إنسانيا رائعا وما زاد من روعته صوت ذلك المغنى والموسيقى الموجعة، وفى اللحظة التى فيها إحدى المدعوات التى تريد أن تصبح مذيعة وكشفت عن صدرها للرئيس وقالت له هذا جسدى وشغلنى مذيعة.. اطلق عليها النار وفر غاضبا يحيطه رجاله من الأمن ليظل المغنى يطرب ويشجن لعصر امتزجت فيه كل عناصر الديكتاتورية ولكن الشىء الذى نجح فيه المؤلف والمخرج قاسم هو المولود فى البصرة عام 1940 هو هذا الطيب من الكوميديا السوداء التى انطلقت معها الضحكات طوال أحداث الفيلم لتخرج سعيدا بهذه المأساة التى قد لا تصدقها جيدا من كثرة هذا الافتعال والمبالغة، ويبقى الممثل طارق هاشم الذى جسد شخصية صدام أهم من لعب هذا الدور باقتدار ووعى.
فيلم عراقى آخر قدمته شاشة مهرجان دبى السينمائى فى دورته السابعة عن حقبة صدام حسين هو "الرحيل من بغداد" وهو هنا يدين الرجل والمرحلة ولكن بشكل آخر، أكثر وعيا ونضجا وعبر صورة سينمائية شفافة ولغة مرهفة امتزج فيها المشهد التسجيلى مع المشهد الحى.
الفيلم قدمه المخرج قتيبة الجناحى كعمله الأول الذى استوحاه من تجربته فى المنفى بعيدا عن العراق التى هاجرها منذ ثلاثين عاما ليعيش فى العراق المصير نفسه الذى عاشه العديد من العراقيين وربما كان لهذا تأثير على روح عمله، حيث أدان العصر الذى اتسم بالجبروت والرعب والقتل والتعذيب البشع ربما تكون الرؤية سمعية عبر شهادات حقيقية لا أعلم كيف فكر المغترب لربما يكون غير دقيق بعض الشىء رغم أنه يكشف الصورة التى يراها بهدوء.
فيلم «الرحيل من بغداد» إنتاج العراق، الإمارات العربية، إنجلترا، يروى قصة صادق الذى كان يعمل كمصور خاص للرئيس وعائلته، وظل يعيش فى أمان لفترة طويلة، حتى علمت المخابرات أن ابنه الوحيد انضم لمجموعة من الشيوعيين، وهنا ينقلب الحال ويتركون الأب لحاله لما له من علاقة طيبة، لكنهم يقبضون على الابن ويعدمونه أمام عينيه.
ولكى لا نحرق القصة سريعا.. صادق يظهر طوال الأحداث وهوى يكتب خطابا لابنه الوحيد الذى كان جنديا فى الحرب الإيرانية العراقية، وهو يعاتبه لانضمامه لجماعة ضد الرئيس ويخبره فيه بالسفر إلى لندن حيث تعيش زوجته ويبدأ رحلة السفر أو المعاناة وكيف تلاعب بأمن نظام الديكتاتور الذى حوله من مصور للحفلات والأفراج والمناسبات السعيدة إلى مصور للمجازر والتعذيب التى يرتكبها جنود صدام، قرر أن يغير، لكن عانى الأمرين خلال الرحلة لعدم وجود أموال، وظل يتنقل من شارع إلى شارع ومن رصيف إلى رصيف ولم يستطع الوصول إلى زوجته، وخلال الرحلة وجد أيضا من يطارده من رجال صدام لأنه رجل شهد على أحداث مهمة وعرف الكثير.. حتى رحلة الهروب والهجرة فيها معاناة كبيرة.. شأنها شأن البقاء فى العراق.. انها رحلة الخوف والمستقبل المجهول وعبر الفيلم كانت هناك لقطات حية لمشاهد صورها عن كيف يقتل فيها الشباب داخل وخارج أسوار المعتقلات.
ويبقى السؤال مطروحا ..كيف أن الهروب اسوأ من البقاء فى العراق.
النهاية
النخیل