الاخ بدر المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أجمع علماء الشيعة على إسلام أبي طالب(عليه السلام) تبعاً لأئمّتهم(عليهم السلام).
والأحاديث
الدالّة على إيمانه الواردة عن أهل بيت العصمة كثيرة، قد جمعها العلماء في
كتب مفردة، وكان من الكتب الأخيرة: (منية الراغب في إيمان أبي طالب) للشيخ
محمّدرضا الطبسي.
وقد أُلّف في إثبات إيمانه كثير من الكتب، من
السُنّة والشيعة على حدّ سواء، وأنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً، ومنها:
كتاب (أبو طالب مؤمن قريش) للأُستاذ عبد الله الخنيزي.
هذا عدا البحوث
المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات، ونخصّ بالذكر هنا ما جاء في
كتاب (الغدير) للعلاّمة الأميني في الجزء السابع والثامن منه.
وقد نقل
عن مفتي الشافعية أحمد زيني دحلان في (أسنى المطالب) عن جماعة من علماء أهل
السُنّة: أنّهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك،
كالبرزنجي، والأجهوري، وابن وحشي في شرحه لكتاب (شهاب الأخبار)، والتلمساني
ـفي (حاشية الشفاء)، والشعراني، وسبط ابن الجوزي، والقرطبي، والسبكي، وأبي
طاهر، وغيرهم.
بل لقد حكم عدد منهم - كابن وحشي، والأجهوري، والتلمساني - بأنّ من أبغض أبا طالب فقد كفر، أو من يذكره بمكروه فهو كافر(1).
ونقل ابن أبي الحديد في شرحه للنهج عن بعض شيوخ المعتزلة، كابن قائم، والبلخي، وأبي جعفر الاسكافي، قولهم بذلك(2).
وهذه بعض الأدلّة على إيمان أبي طالب:
1- ما روي عن الأئمّة(عليهم السلام) والنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ممّا يدلّ على إيمانه، وهم أعرف بأمر كهذا من كلّ أحد.
2-
نصرته للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتحمّله تلك المشاق والصعاب
العظيمة، وتضحيته بمكانته في قومه، وحتّى بولده، أكبر دليل على إيمانه.
3- إنّه لو كان كافراً، لشنّع على عليّ(عليه السلام) بذلك معاوية وحزبه، والزبيريون وأعوانهم، وسائر أعداء الإمام عليّ(عليه السلام).
4-
تصريحاته وأقواله الكثيرة جدّاً؛ فإنّها كلّها ناطقة بإيمانه وإسلامه،
ومنها أشعاره التي عبّر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله: ((قالوا: فكلّ
هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر؛ لأنّه إن لم تكن آحادها متواترة،
فمجموعها يدلّ على أمر واحد مشترك، وهو تصديق محمّد(صلّى الله عليه وآله
وسلّم)، ومجموعها متواتر))(3).
5- قد صرّح أبو طالب في
وصيّته بأنّه كان قد اتّخذ سبيل التقية في شأن رسول الله(صلّى الله عليه
وآله وسلّم)، وأنّ ما جاء به الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد قَبِلَه
الجَنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن.
وأوصى قريشاً بقبول دعوة الرسول، ومتابعته على أمره، ففي ذلك الرشاد والسعادة(4).
6-
ترحّم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليه، واستغفاره له باستمرار،
وحزنه عليه عند موته، وواضح أنّه لا يصحّ الترحم إلاّ على المسلم(5).
7- وبعد كلّ ما تقدّم نقول: إنّ إسلام أيّ شخص أو عدمه، إنّما يستفاد من أُمور أربعة:
أ
- من مواقفه العملية، ومواقف أبي طالب قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية
في الوضوح والدلالة على إخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين.
ب - من إقراراته اللسانية بالشهادتين، ويكفي أن نشير إلى ذلك القدر الكثير منها في شعره في المناسبات المختلفة.
ج
- من موقف النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) منه، فالموقف المرضي
ثابت منه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تجاه أبي طالب على أكمل وجه.
د - من إخبار المطّلعين على أحواله عن قرب وعن حسّ، كأهل بيته، ومن يعيشون معه، وقد قلنا: إنّهم مجمعون على ذلك.
بل
إنّ القائلين بكفره نفسهم لمّا لم يستطيعوا إنكار مواقفه العملية، ولا
الطعن بتصريحاته اللسانية حاولوا: أن يشبّهوا على العامّة بكلام مبهم لا
معنى له؛ فقالوا: إنّه لم يكن منقاداً!!
ومن أجل أن نوفّي أبا طالب بعض حقّه، نذكر بعض ما يدلّ على إيمانه،
ونترك سائره، وهو يعدّ بالعشرات؛ لأنّ المقام لا يتّسع لأكثر من أمثلة
قليلة معدودة، وهي:
1- قال العبّاس: يا رسول الله! ما ترجو لأبي طالب؟ قال: (كلّ الخير أرجوه من ربّي)(6).
2-
قال ابن أبي الحديد: ((روي بأسانيد كثيرة، بعضها عن العبّاس بن عبد
المطّلب، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة: أنّ أبا طالب ما مات حتّى قال:
لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله))(7).
3- كتب أمير
المؤمنين(عليه السلام) رسالة مطوّلة لمعاوية جاء فيها: (ليس أُميّة كهاشم،
ولا حرب كعبد المطّلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا
الصريح كاللصيق)(8).
فإذا كان أبو طالب كافراً، وأبو سفيان مسلماً، فكيف يفضّل الكافر على المسلم، ثمّ لا يردّ عليه ذلك معاوية بن أبي سفيان؟!
4-
ورد عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قوله: (إذا كان يوم القيامة
شفعت لأبي وأُمّي، وعمّي أبي طالب، وأخ لي كان في الجاهلية)(9).
5-
وعنه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً: (إنّ الله عزّ وجلّ قال له على
لسان جبرائيل: حرّمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك).
أمّا الصلب فعبد الله، وأمّا البطن فآمنة، وأمّا الحجر فعمّه - يعني أبا طالب، وفاطمة بنت أسد - وبمعناه غيره مع اختلاف يسير(10).
ودمتم في رعاية الله