SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز:
نظرة في الكتاب ومنهجيته:
صدر الكتاب باللغة الإنجليزية عام 1999م لمؤلفيه «غراهام فولر» الذي يتمتع بخبرة 25 عامًا وسط دوائر السياسة الأمريكية، و الباحثة الأميركية العراقية ذات الخلفية السنية – الشيعية المختلطة «رند رحيم فرانكي»، و يتكون الكتاب من أحد عشر فصلاً تتوزع أسطرها في 290 صفحة من الحجم المتوسط ناقش فيها بشكل أساس «مشكلة» الشيعة في البلدان العربية من النواحي السياسية و القانونية و الاجتماعية حيث عمدت الحكومات على ممارسة الظلم «الممنهج» لهم على مدى القرون المتعاقبة.
يتمحور الكتاب حول أوضاع الفرقة الإثني عشرية «الجعفرية» من بين الفرق المصنفة ضمن المذهب الشيعي – بمعناه المتداول الواسع – دون غيرها لكونها الفرقة «الأكبر، و الأهم، و الأنشط سياسيًّا». كما يركز على دول عربية محددة كالعراق، البحرين، السعودية، الكويت، و لبنان دون غيرها كعمان و الإمارات و قطر، و ذلك حسب تمثيل الشيعة لجزء مهم من السكان «الأصليين» فيها – و ليس الجاليات المهاجرة فقط – و تشكيل أوضاعهم لقضية تسترعي الانتباه الجدي، إضافة للأهمية الكبرى لمناطق تواجدهم و خصوصًا تسويرهم لقلب الطاقة العالمي في منطقة الخليج العربي حيث يتواجد أكثر من 13 مليون شيعي في دوله العربية إضافة للعملاق الإيراني، و كذلك للمواجهة العسكرية القاسية بين شيعة لبنان – حيث يتواجد قرابة المليون شيعي – و القوات الأمريكية و الإسرائيلية و غيرها من القوى الغربية التي حاولت إلتهام لبنان و تغيير موازينه في غفلة من الزمن و زخم هائل من الأحداث و المعادلات الإقليمية و العالمية الكارثية أنذاك.
و نلاحظ أنه لم يتطرق المؤلفان لسبب استثناء بلدان أخرى من هذه الدراسة مع وجود مجتمعات شيعية ضخمة فيها و مع انطباق ذات العناصر التي جعلتهما يهمتان بالبلدان المذكورة عليها، فالتشيع لا ينحصر في إيران والدول العربية فقط، بل تتواجد مجتمعاته في دول أخرى عديدة مثل: أذربيجان التي يشكل الشيعة فيها الغالبية العظمى من السكان، و أفغانستان، و باكستان، و الهند، و غيرها، وكذلك تكونت مؤخرًا مجتمعات شيعية كبيرة في العشرات من الدول الأفريقية – من سكانها الأصليين إلى جانب المهاجرين – و الغربية – من المهاجرين في الغالب-.
و مما يثير إعجاب النقَّاد، الدقة العالية في معلومات الكتاب و تحليلاته رغم كون مؤلفيه يعيشان خارج المنطقة التي هي موضع البحث، و كذلك مستوى الاتزان و الحيادية الكبيرة الذي تمتعا بها، و ربما يرجع ذلك إلى اعتماد المؤلفين بشكل محوري على حوالي 200 مقابلة أجرياها في كل من: لبنان، الكويت، البحرين، بريطانيا، و أمريكا مع شيعة و سنة و مسيحيين عرب من مسؤوليين حكوميين و برلمانيين و باحثين و نشطاء و رجال أعمال و رجال دين و محامين و غير ذلك، إلى جانب المقابلات مع الدبلوماسيين و الباحثين و الطلاب الغربيين المتخصصين في دراسات الشرق الأوسطية.
يهدف الكتاب كما هو واضح في متنه إلى تقديم دراسة «عملية» و توصيات واقعية بناءة إلى صُنَّاع القرار العرب و الغربيين حول ضرورة و كيفية احتواء الشيعة العرب لصالح التوازن و الاستقرار طويل الأمد الذي يكون في صالح جميع المكونات – شيعة و سنة و أنظمة – بدل الوصول للنتيجة الطبيعية للوضع الحالي و هو خسارة الجميع نافيًا بذلك أن تكون له مصلحة في التحيز إلى الشيعة أو السنة أو ضدهما، و حول بناء الدول الناجحة في المنطقة العربية التي تعتبر « العملية الديمقراطية فيها أكثر تخلفًا من أي منطقة أخرى في العالم»، و إبعاد الشيعة العرب عن العنف المحتمل و معاداة الغرب – على غرار النموذج الإيراني – إذا ما استمر في التعامل معهم حسب حالة التخوف و التحسس من الشيعة «الشيعة فوبيا» بناء على التعميمات السطحية الخاطئة – التي لم يسلم منها الإسلام بشكل عام – و حسب سياساته القديمة المراعية للمصالح و الأهداف قصيرة المدى و إهمال حقوق و مصالح شعوب الشرق الأوسط مما أدى لأن تكون علاقة أمريكا بالجمهور العام فيه الأكثر توترًا من أي منطقة أخرى في العالم إذ أنه لا يوجد سبب يجعل هذا التوتر «وراثيًا» مما يعطي أملاً في تحسين العلاقة بالتغيير الشجاع لبعض السياسات الخاطئة و المكلفة جدًا على المدى البعيد.
المشكلة ليست مذهبية و لا مشكلة أقليات:
إن التعبير عن الوضع بكلمة «مشكلة» ليس تعبيرًا سلبيًا – في نظري – بل لإبراز الطابع العلمي و العملي من تعريف «المشكلة»، فكل مشكلة تحتاج إلى فهم عميق أولاً و حلول واقعية ثانيا و تطبيق لهذه الحلول ثالثُا. و هذا التعبير لا يعني مطلقًا أن وجود الشيعة في هذه البلدان هو المشكلة بحد ذاتها، و بالتالي لا يكون الحل بتهميشهم بل و لا حتى باجتثاثهم – كما حاول نظام صدام في العراق – فهو أمر مستحيل بالطبع لتجذر الوجود الشيعي في بلدان شكَّل الشيعة أغلبية سكانها الأصليين أو كانوا مكونًا مهمًا من مجتمعاتها.
و من أدق تحليلات الكتاب، تحليله لطبيعة «مشكلة» الشيعة العرب حيث أنها ليست كسائر مشاكل «الأقليات» الأخرى المنتمية حتى لديانات خارج منظومة الإسلام و لقوميات غير عربية من مسيحيين و يهود و أكراد و غيرهم من الذين حظوا بحماية قانونية و حفظت حقوقهم بدرجة أكبر بكثير من الشيعة عبر تاريخ الحكومات في العالم الإسلامي و العربي، «فالشيعة لم يمنحوا حتى مرتبة الأقلية! مما يجعل وضعهم معقدًا أكثر و مشحونًا عاطفيًا»(1).
علمًا بأن الشيعة لا يشكلون الأقلية دائمًا في جميع دول تواجدهم، فهم يشكلون الأكثرية في العراق و البحرين و هم أكبر مكون من مكونات المجتمع اللبناني، و مع ذلك فقد كانوا عرضة للتمييز و الاضطهاد «الممنهج» عبر التاريخ، و هذا يوجه أنظارنا إلى أن القضية الشيعية أعمق من كونها قضية أكثرية و أقلية.
و بناء على ذلك، يذهب الكتاب إلى أن «جوهر» المشكلة ليس «مذهبيًّا» بل «سياسيًّا» و ما الجوانب الاجتماعية و الاقتصادية و الدينية فيها إلا «عوارض» لذلك الجوهر المرتبط بـ «مشكلة معقدة أكبر.. المشاركة السياسية، و الدمقرطة، و تكوين هوية وطنية جامعة» (2). و مع ذلك فإن الديمقراطية بمفردها قد لا تمثل الحل الكامل حيث ينبغي الحرص على أن لا يتحول حكم الأغلبية – سنية كانت أم شيعية – إلى «طغيان الأكثرية» و اضطهاد حقوق الأقلية، و لا يكون ذلك إلا بخلق أجواء التعايش الاجتماعي بين الشيعة و السنة إلى جانب وضع ضوابط قانونية تحفظ حقوق الأقلية من طغيان حكم الأكثرية.
و نوّه الكتاب إلى أن «وضع الشيعة في المنطقة يعتمد على موقف السنة بنفس مقدار اعتماده على موقف الشيعة أنفسهم – على أقل التقادير – »! (3)، و ذلك لكون السنة يسيطرون على مقاليد الحكم في أغلب البلدان العربية مع أنهم قد لا يشكلون إلا أقليات حاكمة في بعضها، و بالتالي فإن التخلي عن طغيان الأكثرية و تفرّد الأقلية بالحكم يعتمد على موقف السنة بشكل كبير خصوصًا مع استغلال الأنظمة المستبدة لفزاعات تثير مخاوف السنة من مواطنيهم الشيعة، كما يعتمد على موقف الشيعة لا سميا في البلدان التي يمثلون الغالبية فيها.
مخاطر الحل العلماني:
و كما لفت الكتاب إلى أن الديمقراطية بمفردها قد لا تشكل حلاًّ كاملاً للمشكلة بل تحتاج إلى أجواء تعايش اجتماعي، فإنه كذلك لفت إلى مخاطر اعتماد الحل العلماني للمسألة بفصل الدين – قانونيًا – عن السياسة بشكل كامل في مجتمعات يمثّل الدين فيها جزء لا يتجزأ من الهوية الذاتية للفرد و تعبيرًا عن وحدة المجتمع و هويته، و العلمانية بطبيعتها يجب أن لا تتدخل في تعبير هذه المجتمعات عن نفسها، و أن لا تطبق بشكل يدمر الهوية الدينية للمجتمع.
و يضيف المؤلفان أنه من الضروري وضع تعريف واضح للعلمانية، فهي من جهة قد تمنح الحريات الدينية للجميع دون تدخل، و من جهة أخرى قد تعيق – أو حتى تقمع – حرية التعبير الديني و بالتالي تعني تحكُّم الدولة بالدين بشكل سافر محذرَين من تبني النموذج التركي للعلمانية التي تحولت إلى «علمانية راديكالية» متطرفة محاربة للمظاهر الدينية حتى في نطاق الحريات الشخصية مما يهدد وحدة و انسجام المجتمع(4).
سر قمع و تهميش الشيعة:
مما يلفت النظر أن الكاتبان عندما تطرقا لمصطلح «الرافضة» الذي يطلقه مناوؤوا الشيعة عليهم، فإنهما فسَّرا أسباب قمع و تهميش الأنظمة المستبدة للشيعة طوال التاريخ بما يلي:
«إن وضع الشيعة في الدول و المجتمعات التي يعيشون فيها هو الإرث التاريخي لرفضهم لشرعية الحكومة، و الرفض المتبادل من السلطات السنية للشيعة و ما ترتب على ذلك من الشعور بالعزلة و الحرمان. إن مفهومي » العدل « و» الظلم « المضاد له يحتلان مكانًا بارزًا في الفكر الديني و الاجتماعي و السياسي الشيعي»(5).
كانت هذه بعض الوقفات المختصرة في محطات كتاب «الشيعة العرب.. المسلمون المنسيون»، و لنا وقفات حول نقاط أكثر جدلاً و سخونة في قضية الشيعة العرب في الحلقة القادمة بإذن الله.
انتهی
المصدر:احرار الحجاز