SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز :
شیعةنیوز: ویعزز هذه المخاوف استمرار حملات التحریض المذهبی والطائفی المكثفة التی تقوم بها قیادات حزبیة من فریق '14 آذار' وشخصیات سلفیة وتكفیریة لاستثارة الغرائز، وأولدت حالة احتقان مترافقة مع شائعات لا تتوقف عن استعدادات لجولات جدیدة من الاشتباكات والاقتتال الداخلی وعن عملیات خطف فی مناطق سبق أن شهدت ولا تزال توترات مذهبیة واشتباكات عنیفة، وارتفعت حدة هذه التوترات أخیراً فی أعقاب الإعلان عن مصرع 21 مقاتلاً من أبناء مدینة طرابلس وجوارها ینتمون للجماعات السلفیة المتشددة وحزب 'المستقبل' برئاسة النائب سعد الحریری، إثر وقوعهم فی كمین للجیش السوری النظامی فی بلدة تلكلغ بمحافظة حمص بعد تسللهم إلي داخل سوریا للقتال إلي جانب الجماعات الإرهابیة المسلحة.
ولعل ردات الفعل التی قامت بها الجماعات والتیارات السلفیة والمتشددة عبر فتح النار وإطلاق القذائف وإلقاء القنابل الیدویة علي الأحیاء السكنیة التابعة للطائفة العلویة فی منطقة جبل محسن بمدینة طرابلس بعد انتشار خبر مقتل الشبان فی كمین تلكلغ بمحافظة حمص، قدمت صورة واضحة عما أثمرته حملات التحریض والمستوي الذی بلغته حالة الاحتقان، وهو ما دفع إلي التساؤل عن السبب أو الحجة لدي هؤلاء المسلحین ودوافعهم لاستهداف منازل العلویین فی طرابلس، إذ أن قتلي كمین تلكلخ، قد انتهكوا السیادة السوریة وتسللوا إلي الداخل السوری عبر معابر غیر شرعیة ومسالك یعتمدها المهربون، وتوغلوا فی الأراضی السوریة وصولاً إلي محافظة حمص، وهم مدججون بالأسلحة والذخائر، وهدفهم مساندة الجماعات الإرهابیة المسلحة فی الجرائم التی ترتكبها ومشاركتها فی القتال ضد النظام السوری بهدف إسقاطه، وهم بذلك یخالفون سیاسة النأی بالنفس عن الأزمة السوریة والتی أعلنها رئیس الحكومة اللبنانیة نجیب میقاتی لتجنیب لبنان تداعیات هذه الأزمة.
وهنا یصبح السؤال مشروعاً عن القضیة التی حملها هؤلاء المسلحون معهم إلي سوریا وعن دوافعهم لإسقاط النظام السوری ولمصلحة من؟ وعن علاقتهم بما یجری فی الداخل السوری، ودخولهم طرفاً فی الأزمة.. ألیسوا أصبحوا بذلك مرتزقة یقاتلون علي أراضی الغیر ولمصالح الغیر ولأجندات خارجیة لا علاقة لهم ولا لوطنهم بها؟ لقد تسبب فعل هؤلاء المغرر بهم بإحراج السلطات اللبنانیة الرسمیة وعلي مختلف المستویات خصوصاً أن لبنان تربطه علي المستوي الرسمی والشعبی علاقات متمیزة نص علیها الدستور اللبنانی الذی أكد فی نسخته الثانیة 'الوثیقة الوطنیة' لاتفاق الطائف 1989، علي وجوب 'عدم جعل لبنان مصدر تهدید لأمن سوریا، وسوریا لأمن لبنان فی أی حال من الأحوال. وعلیه فإن لبنان لا یسمح بأن یكون ممراً أو مستقراً لأی قوة أو دولة أو تنظیم یستهدف المساس بأمنه أو أمن سوریا...'.
وربما هذا السبب الذی دفع الرئیس میقاتی اللیلة الماضیة للاتصال باللجنة الدولیة للصلیب الأحمر للمساعدة علي استعادة جثث القتلي الذین سقطوا علي الأراضی السوریة بدلاً أن التواصل مع الجانب السوری واستخدام القنوات الرسمیة بین البلدین لهذه الغایة، خصوصاً أن میقاتی هو الذی ابتدع 'سیاسة النأی بالنفس' حیال الأزمة فی سوریا، فكیف یطلب من الجانب السوری استعادة جثث هؤلاء الذین خرقوا هذه السیاسة قبل أن ینتهكوا السیادة السوریة؟.
وبالرغم من أنها لیس عملیة التسلل الأولي التی یرتكبها هؤلاء عبر المعابر غیر الشرعیة إلا أنها المرة الأولي التی تفتضح فیها بهذا الوضوح، الذی تعذر علي قیادات قوي المعارضة والجماعات السلفیة إخفاء ما جري وتبریره، الأمر الذی أدي إلي افتضاح دورها فی دعم وتسلیح الجماعات الإرهابیة فی سوریا وتأجیج الصراع ضد النظام، فأحرج السلطات اللبنانیة من جهة، وأربك قادة هذه الجماعات من جهة ثانیة، حتي أمام حلفائها الآخرین بعدما كانت تدعی أن مساعداتها للجماعات الإرهابیة السوریة تقتصر علي الجانب 'الإنسانی'. وزاد هذا الإرباك اعتراف عضو كتلة 'المستقبل' النیابیة النائب عقاب صقر بصحة التسجیلات الصوتیة التی نشرتها وسائل إعلام لبنانیة وتكشف دوره فی عملیات تسلیح وتمویل الجماعات الإرهابیة فی سوریا بتكلیف من رئیس حزب 'المستقبل' النائب سعد الحریری.
وكشفت الوقائع أیضاً عن أن أهالی العدید من القتلي الذین سقطوا فی الداخل السوری لم یكونوا علي اطلاع أو معرفة بما یقوم به أبناؤهم الذین وقعوا علي ما یبدو ضحیة عمل مخابراتی أو عملیة تضلیل وتغریر بهم، وهو ما یكشف عنه موقف عائلات قتلي كمین تلكلخ، حیث أعلن والد القتیل 'خضر علم الدین' الذی ظهرت صورة جثته علي التلفزیون السوری، أنه یحمل 'الجهات المضللة المنتشرة فی الشمال' مسؤولیة التضحیة بابنه، مؤكداً أنه لم یكن یعلم أن ابنه فی سوریا، وطالب بمحاسبة الجهات التی عبثت بعقل ابنه ورفاقه.
وقال علم الدین فی تصریح عبر شاشات التلفزة: 'لو أراد ابنی الذهاب إلي إسرائیل لمقاتلة الإسرائیلیین كنت أرسلته بنفسی.. أما أن یأخذوه للمشاركة فی فتنة ضد دولنا فهذا لا یجوز'. هذا الموقف دفع بعض المسؤولین فی التیارات السلفیة وحزب 'المستقبل' إلي التنصل من مسؤولیتهم فی تجنید وإرسال هؤلاء الشبان إلي القتال فی سوریا.
وفی محاولة تبدو للتغطیة علي هذه الإرباكات عمدت الجماعات السلفیة اللیلة الماضیة إلي إطلاق عدد من قذائف الـ'إینرغا' وإلقاء قنابل یدویة وإطلاق رشقات ناریة باتجاه الأحیاء السكنیة فی منطقة جبل محسن لاستدراج أبناء الطائفة العلویة إلي اشتباك یعید خلط الأوراق فی منطقة الشمال ویصرف الأنظار عن جریمة التغریر بالشبان الذین قتلوا فی سوریا.
وترافقت هذه الارتكابات مع إطلاق مجموعة شائعات تحدثت عن عملیات خطف لشبان من الطائفة العلویة علي أیدی آخرین من الطائفة السنیة، فیما أقدمت جهات غیر معروفة علي زیادة حدة الشحن والتحریض من خلال نشر صور للقتلي الذین سقطوا فی سوریا مذیلة بتوقیع 'أهالی جبل محسن' العلویین لتظهر علي أنها شماتة بالقتلي، وهو ما نفاه الأهالی، مؤكدین أن 'طابوراً خامساً' دخل علي الخط لاستثارة الغرائز وتفجیر الوضع الأمنی فی كبري مدن الشمال وتعمیم الفوضي فیها خدمةً لجهات خارجیة سبق أن عملت من أجل إفراغ المنطقة الحدودیة مع سوریا وإنشاء معسكرات للتدریب وجعلها منطلقاً لشن عملیات إرهابیة ضد سوریا ونظامها.
واضطر الجیش اللبنانی لتعزز تواجده فی مدینة طرابلس وتوابعها وأقام الحواجز العسكریة والأمنیة وسیر دوریات مؤللة وراجلة فی المناطق الساخنة، ونصب أسلاكاً شائكة تفصل بین منطقتی باب التبانة ذات الأكثریة السنیة و'جبل محسن' ذات الأكثریة العلویة، وذلك بهدف 'بث الطمأنینة فی نفوس أبناء المنطقتین'، ومنعاً لأی احتكاك قد یؤدی إلي انفجار الوضع بین هاتین المنطقتین اللتین شهدتا علي مدي السنوات الأخیرة جولات متكررة من العنف والاشتباكات راح ضحیتها العشرات من أبناء المنطقتین.
وتحدث آخر التقاریر الواردة الیوم من شمال لبنان عن حالة توتر وترقب تسودان مدینة طرابلس، أدت إلي شل الحركة العامة فی المدینة، فیما امتنع أهالی 'جبل محسن' عن الخروج من منازلهم خشیة تعرضهم لعملیات خطف من قبل أهالی القتلي، فی ظل شائعات عن عملیات خطف تعرض لها شبان علویون لاستخدامهم فی عملیات تبادل مقابل استعادة جثث القتلي فی كمین تلكلخ السوریة.
وانعكست هذه الأجواء علي المؤسسات التربویة والمدارس الرسمیة والخاصة فی مدینة طرابلس وتوابعها فتعطلت الدراسة فی عدد كبیر من هذه المدارس بعد ان امتنع الأهالی عن إرسال أولادهم إلي مدارسهم خشیة تعرضهم لأی أذي. وتحسباً لأی طارئ.
فی غضون ذلك، أجري رئیس الحكومة نجیب میقاتی اتصالاً هاتفیاً بممثل اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر فی لبنان وطلب منه العمل لدي السلطات السوریة لاستعادة جثث قتلي كمین تلكلخ، فیما أجري وزیر الخارجیة عدنان منصور اتصالاً بالسفیر السوری لدي لبنان علی عبد الكریم علی طالباً من السلطات السوریة إعادة جثث القتلي والكشف عن مصیر بقیة أفراد المجموعة التی تسللت إلي الأراضی السوریة وفقدوا هناك.
المصدر: ایرنا