وبينما كان السوريون منشغلون في معركتهم ضد الإرهاب ويبحثون عن طرق جديدة للتكيف مع العقوبات الغربية التي طالت لقمة عيشهم اجتمع مرتزقة إسطنبول والناتو والبترودولار في الدوحة تحت جنح الظلام وادعوا أنهم يمثلون السوريين ودعوا بدم بارد إلى مد الإرهابيين الذين يقتلون الشعب السوري بالسلاح.
وامتثالا لأوامر واشنطن التي أعلنت وفاة مجلس إسطنبول بالقول على لسان وزير خارجيتها "إنه لم يعد بالإمكان أن يعتبر المجلس الوطني ممثلا وحيدا للمعارضة" احتشد مرتزقة الناتو على أعتاب الدوحة للحصول على دور في الفانتازيا الهزلية التي أعد السيناريو لها الكاتب الأمريكي وساعد في إخراجها العقل الاستعماري الفرنسي وتركت عملية التمويل وإدارة الإنتاج للصوص أبار النفط في الخليج وسمح لعائلة المتوفي الحضور من إسطنبول لتأبين فقيدهم في حين اكتفت جامعة الأعراب بدور المشاهد حتى تبرر عدم رؤيتها للقصف الإسرائيلي على غزة وسقوط الشهداء هناك.
وحسب مراقبين فإن حال الائتلاف الولد لن يكون أفضل من المجلس الوالد طالما أن جينات الخيانة والارتهان للخارج انتقلت بالوراثة بينهما فاجتمع ورثة المجلس الميت ليعلنوا تقاسم تركته التآمرية ضمن "ائتلاف قطر" الذي ستكون أولى مهامه تشكيل حكومة الدوحة وللمكان هنا دلالة كبرى إذ أن ضآلة الحجم السياسي والجغرافي لمشيخة قطر وتخلف تجربتها في مجال بناء الدولة بمعاييرها الحديثة واقتصار نظام الحكم فيها على الشكل العائلي في غياب أي شكل للدستور أو المؤسسات التمثيلية يجعل السؤال مفتوحا هل يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه.
الموقف الأمريكي من "ائتلاف قطر" أعلنه بوضوح مساعد المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر اليوم ملخصا بكلمات قليلة جوهر السياسة الأمريكية تجاه سورية والمنطقة القائمة على التخلص من أنظمة الحكم المعارضة لسياستها والمعرقلة لمشاريع هيمنتها في المنطقة ولا يهم إلى أين تصل الأمور في سورية بعد ذلك.
الولايات المتحدة التي تعلن رفضها الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة وتهدد الفلسطينيين والمنظمة على السواء سارعت لدعم ائتلاف قطر لكونها على عجلة من أمرها وكانت الدولة الأولى في العالم التي أعلنت أنها ستقدم دعمها للائتلاف وقالت خارجيتها في بيان "نحن على عجلة من أمرنا لدعم الائتلاف الذي يفتح الطريق أمام نهاية سورية" ليتضح أن الهدف النهائي لجهود واشنطن ومساعداتها للمعارضة السورية سواء كانت تقنية أو عسكرية هو التخلص من رافضي السياسة الأمريكية في المنطقة.
وكالعادة سارت باريس على خطى السيد الأمريكي والتقطت إشاراته السياسية لتعكسها في تصريحات وزير خارجيتها لوران فابيوس الذي أعلن "دعما كاملا للائتلاف" الذي وصفه بأنه خطوة مهمة مكررا الموقف الأمريكي ذاته بكلمات مختلفة عندما قال "إن فرنسا تقدم دعما كاملا لهذه العملية" مضيفا "إن فرنسا ستعمل من أجل اعتراف دولي بالائتلاف".
وهنا يتساءل مراقبون لماذا لا تعترف فرنسا بحق الدولة السورية في الدفاع عن سيادتها وأمن مواطنيها ولماذا لا تطلب ممن تسميهم حلفاءها في المعارضة الاحتكام للأصول الديمقراطية وصناديق الاقتراع لترى ماذا يريد الشعب السوري بالفعل ليأتي الجواب أن أحفاد الثورة الفرنسية لا يكترثون إلا بمصالح النظام الرأسمالي الاستعماري ولا تعنيهم حقوق الإنسان في شيء مقابل الحصول على ثروات المنطقة واستباحتها بعد تحييد القوى الوطنية عن ساحتها السياسية.
وكالعادة حضر حفيد العثمانيين الوليمة وأراد حصة تناسب شراهته وأحقاده الحضارية وتشبع عقده وأصوليته ليقول "زمن التبرير بأن المعارضة منقسمة قد ذهب وولى" ويوجه الدعوة بذلك لأعداء الشعب السوري لاستغلال الظرف والادعاء بأن هذا الشعب يريد التدخل الخارجي رغم أن من اجتمعوا في الدوحة لا يزيدون عن عشرات الفارين من خدمة وطنهم والذين يشكلون عبئا على السوريين فهم جميعا عبارة عن مدعي فكر ودعوة وتصوف لم ينتج أي واحد منهم رغيفا مما يأكل أو ثوبا مما يلبس بل جمعتهم واشنطن واستغلت تطفلهم على المجتمع السوري لتحاول النيل منه.
وبين تباكي رئيس مجلس إسطنبول ونشوة رئيس ائتلاف قطر وانتهازية شيوخها وقصر نظرهم وأصولية العثمانيين الجدد اختتم مؤتمر الدوحة دون أن يسمع به السوريون الذين يواصلون ما بدؤوه من حرب ضد الإرهاب وصمود في وجه الضغوط وإصرار على المضي نحو سورية سيدة نفسها تؤمن بالتعدد وتحترم الآخر وتفتح بابها للتائبين لتوصده في وجه لصوص السياسة.