شیعه نیوز/ بداية، الذين يتحدثون عن التقارب الاميركي ـ الايراني بعد الاتفاق النووي وان الولايات المتحدة سوف تعتمد على ايران في ضبط ايقاع سياستها في المنطقة، اما جاهلون بالحقيقة الاميركية والايرانية على السواء او من المطلبين الذين يكسبون اجر ما يقولون ويكتبون.. لان الخلاف بين ايران الجمهورية الاسلامية واميركا (الشيطان الاكبر) خلاف وجودي وماهوي وليس اختلافا سياسيا، لذلك يراهن كل منهما على تغيير منهجية الآخر.
أعود إلى الأصل البحت.. بعد سقوط صدام حسين وانشغال سوريا بازمتها والالهاء الذي يجري لمصر.. من يستطيع من منظور الاميركان والصهاينة ملء الفراغ في مواجهة القوة الايرانية الصاعدة؟.
كان هناك أكثر من سيناريو، لكن محور المقاومة الممتد من طهران حتى بيروت اسقطتها واحدة تلو الاخرى.. ولان الاميركي يريد الرحيل من المنطقة هو الان يجرب آخر اوراقه التي نأمل ان يسقطها محور المقاومة باسرع ما يمكن، اما السيناريوهات الاميركية ـ الصهيونية، فهي:
1 – الكيان الصهيوني ومشروع الشرق الاوسط الجديد: شخصيا اميل ـ وفق الكثير من المعطيات ان مشاريع مثل الفوضى الخلاقة والشرق الاوسط الجديد واسقاط بعض الانظمة ـ قديم وان تعددت سيناريوهاته بسبب الظروف والعوائق الي واجهتها، فقد كان مؤملا ان توسع دائرة كامب ديفيد الخيانية لتشمل جميع الدول العربية وليتمدد الصهاينة في كل المنطقة مقابل اعادة بعض المناطق المحتلة في فلسطين ومصر ولو شكليا.. هذا المشروع اجهض بسبب قيام الجمهورية الاسلامية والمقاومة في كل من فلسطين ولبنان بمباركة سوريا.
ولذلك يتم تفتيت قوى المنطقة حاليا وازالة العوائق التي تقف بوجه المشروع لارجاعه من الشباك (الخليجي) بعد ان اخرجته المقاومة من الباب.
2 – خلق قوة عربية يمكنها التعويض عن غياب القوة الاميركية المباشرة ومواجهة القوة الايرانية الصاعدة، وفي هذا المجال لم يكن امام الغرب خيارات كثيرة رغم تعدد الاسماء.. فالعراق ومصر بسبب نسيجهما السكاني وتاريخها الديني والروحي لا يمكن ان يشكلا خيارا للاميركي.. نعم قد يجري استغلالهما لفترة معينة لكن من الصعب على الاميركي ان يستثمر فيهما، لان العراق سيشكل تهديدا لمحميات الغرب الخليجية (كما حصل في غزو صدام للكويت) ومصر تبقى تهديدا كامنا للكيان العبري، يظهر مع اي تغيير في النظام السياسي.
لربما كان الخيار سوريا بسبب نسيجها السكاني، لكن سوريا الاسد رفضت الانخراط في هذا المشروع، بالعكس تحولت من خلال محور المقاومة الى واحدة من الحلقات الرئيسية في مواجهته.. وعلى هذا الاساس يجري الانتقام منها.
ولما كان الاردن، الحليف القديم للمستعمر البريطاني وخط الدفاع الاول عن شرق الكيان الغاصب للقدس، اضعف من ان يقود العرب، تم اللجوء الى اكبر الحلفاء التقليديين المرتبطين حتى النخاع بالمشروع الاميركي ـ الصهيوني.. اي السعودية وشقيقاتها الخليجيات.
لكن مشكلة السعودية هي انها لا تمتلك مقومات القيادة الا من خلال عاملين، وهما: الايديولوجيا والمال، فقد جرى تهيئة الاسباب لفتنة طائفية تجعل من آل سعود الغارقين في تبعيتهم للاميركي حماة العالم الاسلامي "السني" في وجه الروافض المجوس (الايرانيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين.. ولربما لاحقا الغزاويين والمصريين والجزائريين!).. كما جرى تهيئة الظروف لوضعها في مقدمة المنتجين النفطيين وتحكمها فيه بدعم غربي.
وبما ان كل ذلك لا يعطي للسعودية القوة اللازمة في مواجهة الجمهورية الاسلامية ومحور المقاومة ومن اجل تنفيذ المشروع الاميركي ـ الصهيوني كان لا بد من:
1- إضعاف ايران ومحاصرتها وهو ما حصل في العقوبات الذكية والحظر المالي والاقتصادي والتقني ضد إيران بذريعة برنامجها النووي، لكن هذا ايضا فشل وخرجت ايران قوية تخيف مرتزقة اميركا وأذنابها اكثر.
2 – خلق كتلة في مواجهة محور المقاومة او بالاحرى كتلتين متناسقتين، احدهما باسم العرب وتجمع كل عملاء امريكا واذنابها اضافة الى الجائعين والباحثين عن فتاة المائدة السعودية والخليجية.. والثانية باسم المسلمين لا تختلف عن الاولى..
لكن وجود دول محورية في العالم الاسلامية لها حساباتها الخاصة جعل المشروع الثاني وهو الاخطر يفشل منذ البداية.. اما التحالف العربي فهو حبر على ورق ولا يمثل وزنا لا في السياسة ولا في العسكر، يكفي أنه فشل في مواجهة أبطال اليمن رغم ضعف إمكانياتهم العسكرية والاقتصادية.
ومما أفشل هذا المشروع حتى الآن، هو الجهود الدبلوماسية الإيرانية الجبارة التي أسقطت العديد من المشاريع الدعائية والسياسية ضد محور المقاومة.. وأيضا عدم إنخراط دول لها مكانتها في العالمين العربي والإسلامي في هذه المشاريع وفي مقدمتها عربيا الجزائر.
3- التحول داخل الهيكلية السعودية والخليجية، واضح من كلام سيدهم باراك أوباما أن التحديات الداخلية التي يواجهها أذناب اميركا هي أكبر خطر يتهدد وجود وكيان هذه الأنظمة.. رغم كل سياسات التخدير التي تعتمدها في مواجهة شعوبها ومواطنيها.. وقد ظهر لكل المراقبين هشاشة الوضع الداخلي في هذه الانظمة في اكثر من أزمة سياسية وامنية واقتصادية.. لذلك تسعى الدوائر الغربية إلى ترتيب أوضاعها وانقاذها من خلال:
أولا: الاتيان بقيادات شابة تعوض الغياب الديمقراطي والطبقية السياسية والاجتماعية التي تعيشها هذه البلدان.
ثانيا: ايجاد تحول في اقتصادياتها الريعية المتخلفة التي تهتز في أبسط أزمة تواجهها اقتصاديا وسياسيا، وتنويع مصادر دخلها من خلال ايجاد بعض الصناعات فيها، على غرار ما قامت به الإمارات العربية المتحدة، رغم صعوبة ذلك بالنسبة للسعوديين الذين لا يمكنهم استيراد العمالة بالحجم الذي تستورده الامارات، وصعوبة ضبط الاوضاع حينها، وعلى هذا الاساس جاء مشروع (2030) الذي يؤكد كثيرون ان السعودية عاجزة عن تطبيقه، وأنه مجرد أضغاث أحلام راودت محمد بن سلمان وفريقه!.
لان هذا المشروع الذي يقوم على تدوير رؤوس الامول وتنويع مصادر الدخل من خلال نهضة صناعية وخدمية يفتقد لارضية تنمية بشرية وثقافة انتاجية ويواجه افكارا لا تستطيع السلة التخلي عنها والانفكاك مع المؤسسة الدينية.. وتغيير ذلك يحتاج الى اجيال.
ثالثا: تجميع الكوادر المناوئة لمحور المقاومة في هذه البلدان والاستفادة منها في المجالات الاعلامية والامنية والعسكرية وايضا التنموية. لذلك تم استيعاب اعداد كبيرة ن البعثيين الصداميين في العراق والمنشقين عن الحكومة السورية، والمعارضين المصريين وخاصة الاخوان والسلفيين الذين توزعوا حسب حاجة البلد الخليجي (والاردن).. وهؤلاء أغلبهم عناصر أمن ومخابرات ودبلوماسيين وبينهم تجار واعلاميين واطباء ومهندسين وغيرهم..
ولأن الفكر السلفي وحتى الاخوان المعتدل لا يشكل اضافة في البلدان الخليجية التي تعتبر مصدر ومنبت الفكر السلفي الوهابي التكفيري، كما انها على ارتباط بالاخوانيين منذ عدائها للنظام الاشتراكي العروبي الناصري في مصر.. إلا أن دخول أعداد كبيرة من البعثيين الصداميين الى اجهزتها خلق حالة غريبة من الهجومية لم تكن السياسات الخليجية معتادة عليها، هذه الهجومية تجدها اليوم حتى في مفردات مسؤوليها الذين أصبح بعض "فتيانهم" يتحدثون بنكهة المعدومين، "عدي وقصي".
وهذا الاستكلاب الخليجي مرغوب أمريكيا رغم خطورته على هذه الانظمة، فكما جعل النظام العراقي البائد (إذا أحسنا الظن به!) يعود الى بيت الطاعة الاميركي الصهيوني بمجرد فشل عدوانه على إيران، بعد أن أصمّت شعاراته ضد الرجعية والصهيونية والامبريالية الاميركية الأسماع وتحول الى آلة تحركه المعلومات الاستخباراتية الاميركية والمستشارين العسكريين لنظام كامب ديفيد واموال المساعدات السعودية والكويتية... سيجعلها اي فشل ترتمي بحضن الصهاينة دون وجل او خجل وعلانية، كما حصل للنظام السعودي بعد فشله في "عاصفة الفشل" وفي محاولاته المستميتة بإسقاط النظام في سوريا.
إن حالة الاستكلاب الخليجي التي نشهدها اليوم هي نتاج هذا السفاح بين الفكرين الدموي والمنافق والانتهازي البعثي والتكفير والتحجر والبداوة الخليجية.. لكن وبعبارة واحدة، لو كانت الحالة البعثية نافعة لحمت صدام حسين من السقوط، فهل ستحمي عروش آل سعود وآل نهيان وآل ثاني؟!.
الوکالة الشیعية للأنباء