عناوين مهمة حواها التحقيق :
1-الكلام على أئمة الجور وحكم الخروج عليهم.
2-تصويب الإمام الحسين )ع) في خروجه على يزيد لعنه الله.
3-الاجماع على تصويب أمير المؤمنين (ع) في قتال أهل الجمل وصفين.
4-ظلم أهل الجمل وصفين لأمير المؤمنين (ع).
5-تسمية أهل الجمل وصفين بـ "البغاة".
6-ترجمة يزيد بن معاوية لعنه الله، وكونه ناصبياً فظاً خمّيراً. .إلخ.
7-الأحاديث والآثار الواردة في ذم يزيد لعنه الله.
8-من خروم الإسلام قتل يزيد للحسين (ع).
9-ما فعله يزيد - يوم الحرة - بأهل المدينة وبالمسجد النبوي.
10-أخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة – من صحابة وتابعين – على أنهم عبيد وخول له.
11-رمي الكعبة المعظمة بالمنجنيق في حصاره لابن الزبير.
12-مكاتبة ابن عباس ليزيد بعد مقتل الحسين (ع) وإغلاظ ابن عباس له فيها.
13-جواب الكيا الهراسي الشافعي لما سئل عن يزيد وفسقه.
14-التقية قد تمنع من التصريح بالحق، مع أمثلة على ذلك.
15-العودة للحديث على أئمة الجور وحكم الخروج عليهم.
16-الرد على ابن مجاهد في ادّعائه الاجماع على تحريم الخروج على الظلمة.
17-الاحتجاج بخروج الإمام الحسين (ع) على شرعية الخروج على الظلمة.
18-الاحتجاج بخروج ابن الأشعث وأهل المدينة وابن الزبير على منع الاجماع على تحريم الخروج على الظلمة.
19-اتفاق الجمهور على تحسين ما فعله الإمام الحسين (ع) وأصحابه.
20-لا يوجد من بين المسلمين من حسَّنَ قتل الحسين (ع)، ومن صحَّ ذلك عنه فليس من الإسلام في شيء.
21-رد ابن الوزير اليماني على الفتوى المنسوبة للغزالي بخصوص يزيد ومقتل الحسين (ع).
22-قد يتعلّق بفتوى الغزالي المذكورة ثلاث طوائف : النواصب، والروافض، ومن يقول بتحريم لعن المعين.
23-ربما فرح النواصب بفتوى الغزالي، يتكثَّرون به !!.
24-إستدلال الروافض بهذه الفتوى على أن أهل الحديث والأشعرية يصوِّبون فعل يزيد ويحكمون بصحة إمامته. .
25-التحقيق حول (اللعن)، جوازه، ومستحقه.
26-التحقيق حول مسألة : هل ينسب قتل الحسين ليزيد، أم لا ؟ وهل تقع عليه مسؤولية قتله ؟ وهل أمَرَ به ؟ وهل رضي به ؟
قال ابن الوزير اليماني ( ت840هـ) في كتابه "العواصم والقواصم
في الذَّب عن سنة أبي القاسم" ج8 / ص 11 وما بعدها، طبع مؤسسة
الرسالة، ط1، سنة 1412هـ/1992م، تحقيق وتعليق الشيخ شعيب الأرنؤوط.
يرد على تشنيع شيخه السيد جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم - الذي
وضع ابن الوزير كتابه هذا للرد عليه – في الوهم (33) من أن فقهاء أهل
السنة والجماعة يجيزون إمامة الجائر، وقولهم أن طاعته خير من الخروج عليه
ما يدل على أنهم – أي فقهاء أهل السنة – من شيعة أئمة الجور، أمثال يزيد
والحجاج وهشام بن عبدالملك، لأنهم يعتقدون بغيَ من خرج عليهم. ..إلخ.
رد عليه ابن الوزير في فصول
فقال في الفصل الأول ص12 ما نصه :
(الفصل الأول : في بيان أن الفقهاء لا يقولون بأن الخارج على إمام
الجور باغ، ولا آثم، وهذا واضح من أقوالهم، ومعلوم عند أهل المعرفة
بمذاهبهم، ويدل عليه وجوه :. ... )
ثم قال في الوجه الثالث ما نصه :
(الوجه الثالث : أن ذلك جائز في مذهبهم وعند كثير من علمائهم، فإن
للشافعية في ذلك وجهين معروفين، ذكرهما في "الروضة"
النووي وغيرها من كتبهم، وقد اختلفوا في الأصح منهما، فمنهم من صحح منهما
لمذهبهم انعزال الإمام بالفسق.
قال الإمام العلامة صلاح الدين العلائي في "المجموع المذهب في
قواعد المذهب" ما لفظه : الإمام الأعظم إذا طرأ فسقه، فيه ثلاثة
أوجه :
أحدها : أنه ينعزل، وصححه في "البيان".
الثاني : أنه لا ينعزل، وصححه كثيرون، لما في إبطال ولايته من اضطراب الأحوال.
قلت : وسيأتي في الموضع الأول من الفصل الثالث من هذه المسألة أنه قول
أحمد بن عيسى بن زيد بن علي عليهم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المعروف
بأنه فقيه آل محمد صلى الله عليه وسلم.
قال العلائي : الثالث : إن أمكن استتابته، أو تقويم أوَدِهِ لم يُخلع، وإن لم يمكن ذلك، خُلِعَ.
قال القاضي عياض : لو طرأ عليه كفر، أو تغيير للشرع، أو بدعة، خرج عن
حكم الولاية وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه، ونصب إمام عادل
إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة، وجب عليهم القيام بخلع الكافر،
ولا يجب على المبتدع القيام، إلا إذا ظنوا القدرة عليه، فان تحققوا العجز
لم يجب القيام، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها، ويفر بدينه.
قال : وقال بعضهم : يجب خلعه إلا أن يترتب عليه فتنة وحرب. انتهى.
نقل ذلك عنهما النفيس العلوي. )
إلى أن يقول في ص (19) ما نصه :
(فإذا عرفتَ هذا، تبين لك أنهم لا يعيبون على من خرج على الظلمة، لأن
جوازه منصوص عليه في فقههم، ولو كان ذلك محرماً عندهم قطعاً، لم يختلفوا
فيه، ويجعلوه أحد الوجوه في مذهبهم الذي يحل للمفتي أن يُفتي به، وللمستفتي
أن يعمل به. ...
وهذا يعرفه المبتدئ في العلم، كيف المنتهي ؟!.
فبان بذلك بطلان قول السيد ؛ إنهم يقولون : الخارج على أئمة الجور باغ بذلك.
الوجه الرابع : ما يوجد في كلام علمائهم الكبار في مواضع متفرقة، لا
يجمعها معنى، مما يدل على ما ذكرته من تصويبهم لأهل البيت عليهم السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته وغيرهم في الخروج على الظلمة، بل تحريمهم لخروج
الظلمة على أهل البيت أئمة العدل، وهي عكس ما ذكره السيد، وزيادة على ما
يجب من الرد عليه.
ومن أحسن من ذكر ذلك وجوَّده الإمام أبو عبدالله محمد بن أبي بكر.
..القرطبي في كتابه "التذكرة بأحوال الآخرة" في مواضع
متفرقة من كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة، وقد ذكر فيها مقتل الحسين بن
علي عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بأبلغ كلام، وذكر حديث عمار
تقتلك الفئة الباغية، وقول ابن عبد البر إنه من اصح الأحاديث.
قلت : بل هو متواتر، كما قال الذهبي في ترجمة عمار من "النبلاء".
إلى قول القرطبي : وقال فقهاء الإسلام فيه ما حكاه الإمام عبدالقاهر في كتاب "الإمامة" تأليفه :
وأجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي، منهم : مالك
والشافعي والاوزاعي، والجمهور الأعظم من المتكلمين : أن علياً مصيب في
قتاله لأهل صفين، كما قالوا بإصابته في قتل أصحاب الجمل، وقالوا أيضاً :
بأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له !!، ولكن لا يجوز تكفيرهم ببغيهم.
قال الإمام أبو منصور التميمي في كتاب "الفرق"
تأليفه في بيان عقيدة أهل السنة : وأجمعوا أن علياً كان مصيباً في قتال أهل
الجمل وصفين، وذكر قبل ذلك عن أبي الخطاب دعوى الإجماع على ذلك.
ثم قال : وقال الإمام أبو المعالي في كتاب "الإرشاد"
في فضل علي رضي الله عنه : كان إماماً حقاً، ومقاتلوه بغاة، إلى آخر ما
ذكره، وهو آخر فصل ختم به كتابه.
ثم تكلم القرطبي في الحجة على ذلك، وأجاد رحمه الله.
ومن ذلك ما ذكره الحاكم أبو عبدالله في كتابه "علوم
الحديث" في النوع العشرين في آخر هذا النوع، في ذكر إمام الأئمة
ابن خزيمة ومناقبه، وقد ذكر حديث أم سلمة من طريقه، وهو قوله صلى الله عليه
وسلم "تقتلك يا عمار الفئة الباغية".
قال ابن خزيمة بعد روايته : فنشهد أن كل من نازع علي بن أبي طالب في
خلافته في باغ، على هذا عهدتُ مشايخنا، وبه قال ابن إدريس رضي الله عنه.
انتهى بحروفه. ) انتهى
ثم قال ابن الوزير في ص (34)، ما نصه :
(وقد صرّح السيد في رسالته بأنهم شيعة يزيد، وأنهم يصوبون قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس، لأنهم بغاة على قولهم.
فاسمع الآن نصوص هؤلاء الذين افتريتَ عليهم بأنهم شيعة يزيد.
قال الذهبي في "النبلاء" في ترجمة يزيد بن معاوية،
أو في ترجمة الحسين عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : كان يزيد
ناصبياً !! فظاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المُسكر !!، ويفعل المنكر، افتتح
دولته بقتل الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنه، واختتمها بوقعة الحرة،
فمقته الناس، ولم يبارك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين رضي الله
عنه، كأهل المدينة قاموا لله.
وذكر من خرج عليه، قال : وروى الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن مكحول،
عن أبي عبيدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يزال أمر أمتي
قائماً حتى يثلمه رجل من بني أمية يقال له : يزيد" أخرجه أبو يعلى
في "مسنده".
قلت : ورجاله متفق على الاحتجاج بهم في الصحيحين.
قال الذهبي : وروي عن صخر بن جويرية، عن نافع، قال : مشى عبدالله بن
مطيع إلى ابن الحنفية في خلع يزيد. وقال ابن مطيع : إنه يشرب الخمر، ويترك
الصلاة، ويتعدّى حكم الكتاب.
وعن عمر بن عبدالعزيز، قال رجل في حضرته : أمير المؤمنين يزيد، فأمر به، فضرب عشرين سوطاً. انتهى.
وقال ابن الأثير في "نهايته" ما لفظه : إنه ذكر
الخلفاء بعده، فقال : "أوَّه لفراخ آل محمد من خليفة يُستخلف،
عتريف مُترفٍ، يقتل خَلَفي، وخَلَفَ الخَلَف".
قال ابن الأثير : العتريف : الغاشم، الظالم وقيل : الدّاهي الخبيث، وقيل : هو قلب العفريت، الشيطان الخبيث.
قال الخطابي : قوله "خلفي" يُتأوَّلُ على ما كان من
يزيد بن معاوية إلى الحسين بن علي وأولاده الذين قُتلوا معه، وخلف الخلف :
ما كان يوم الحرة إلى أولاد المهاجرين والأنصار. انتهى بلفظه.
ولمّا ذكر ابن حزم خروم الإسلام التي لم يَجْرِ أفحش منها، عدّها
أربعة، وعدّ منها : قتل الحسين عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
علانية، ولم يعدّ منها قتل عمر بن الخطاب، ولا يوم الجمل، ولا أيام صفين،
تعظيماً لقتل الحسين عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأنه بلغ في
النكارة إلى شأو جاوزَ الحدّ في ارتكاب الكبائر، هذا مع أن ابن حزم موصوم
بالتعصّب لبني أمية، وهذا لفظ ابن حزم في آخر "السيرة
النبوية" التي صنفها، وذكر في آخرها أسماء الخلفاء، ونبذاً من
أخبارهم.
فقال في يزيد بن معاوية ما لفظه : بويع ليزيد بن معاوية، إذ مات أبوه،
وامتنع من بيعته الحسين بن علي بن أبي طالب وعبدالله بن الزبير بن العوام،
فأما الحسين رضي الله عنه، فنهض إلى الكوفة، فقتل قبل دخولها، وهي ثانية
مصائب الإسلام وخرومه، ولأن المسلمين استُضيموا في قتله ظلماً وعلانية.
وأما عبدالله بن الزبير بن العوام، فاستجار بمكة، فبقي هنالك إلى أن
أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة، حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى مكة
حرم الله عز وجل، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحرة، وهي ثالثة
مصائب الإسلام وخرومه، لأن أفاضل الصحابة، وبقية الصحابة رضي الله عنهم،
وخيار التابعين، قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً، وجالت الخيل في مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم !! وراثت !! وبالت !! في الروضة بين القبر
والمنبر !! ولم تصلَّ جماعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك
الأيام، ولا كان فيه أحد حاشا سعيد بن المسيب، فإنه لم يفارق المسجد، ولولا
شهادة عمر بن عثمان بن عفان ومروان بن الحكم له عند مسلم بن عقبة بأنه
مجنون !!! لقتله !!، وأكره الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية، على أنهم
عبيد له !! إن شاء باعَ !!، وإن شاء أعتق !!، وذكر له بعضهم البيعة على حكم
القرآن، فأمر بقتله، فضربت عنقه صبراً رحمه الله !.
وهتكَ يزيد بن معاوية الإسلام هتكاً، وأنهب المدينة ثلاثاً، واستخف
بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومُدَّت الأيدي إليهم، وانتُهبَتْ
دورهم، وحُوصرت مكة، ورمي البيت بحجارة المنجنيق !!، وأخذ الله يزيد !!،
فمات بعد الحرة بأقل من ثلاثة أشهر، وأزيد من شهرين، في نصف ربيه الأول سنة
أربع وستين، وله نيف وثلاثون سنة. انتهى كلام ابن حزم. ) انتهى
ثم قال ابن الوزير في ص (39)، ما نصه :
(وذكر الطبراني بعد ذلك مكاتبة جرت بين ابن عباس ويزيد، أغلظ ابن عباس
فيها ليزيد، وذكر من مساوئه ما لا مزيد عليه، اختصرته لطوله ومعرفة مكانه.
وقال الهيثمي بعد روايته : رواه الطبراني، وفيه جماعة لم أعرفهم.
وقد ذكر الذهبي في ترجمة ابن حزم في "التذكرة" أنه نقم عليه التعصب لبني أمية.
فإذا كان هذا كلامه، فكيف بغيره ؟!!، ولكن ابن حزم كان هاجر من مواضع
التقية إلى بادية في إشبيلة، وتكلم بأخباره، ولو أمِنَ عيره كما أمن، لتكلم
بأعظم من كلامه، ولكنهم اكتفوا بالإشارات والتلويح، كما حكى ابن خلكان في
تاريخه المسمى "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" في
المجلد الثالث في ترجمة أبي الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الملقب عماد
الدين، المعروف بالكيا الهراسي الفقيه الشافعي، تلميذ إمام الحرمين
الجويني، ما لفظه :
وسئل الكيا عن يزيد بن معاوية، فقال : إنه لم يكن من الصحابة، لأنه ولد
في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأما أقوال السلف، ففيه لأحمد قولان :
تلويح وتصريح، ولمالك قولان : تلويح وتصريح، ولأبي حنيفة قولان : تلويح
وتصريح، ولنا قول واحد : تصريح دون تلويح، كيف لا يكون كذلك وهو اللاعب
بالنرد، المتصيّد بالفهود، ومدمن الخمر، وشعره في الخمر معلوم، ومنه قوله :
أقول لصحب ضمَّت الكأس شملهم. .. وداعي صبابات الهوى يترنَّمُ
خُذوا بنصيبٍ من نعيمٍ ولذةٍ. .. فكلٌّ، وإن طال المدى يتصرَّمُ
وكتب فصلاً طويلاً، ثم قلب الورقة، وكتب : لو مُدِدْتُ ببياضٍ، لمدّدتُ العنان في مخازي هذا الرجل، وكتب فلان بن فلان.
انتهى كلام الكيا.
وفيه ما ترى من النقل الصريح عن أهل المذاهب الأربعة فيه، فأمّا الشافعية، فقد بيَّنَ أن قولهم فيه واحد، تصريح غير تلويح.
وأما سائر أهل المذاهب الأربعة، فلكل منهم قولان، تصريح وتلويح، وإنما
لوَّحوا بذمه وتضليله في بعض الأحوال، ولم يصرحوا في جميعها تقية من الظلمة
!!! ولهذا صرحوا كلهم بتضليله في بعض الأحوال، وفي هذا أكبر دليل على
فضلهم وورعهم، لأنهم حين خافوا لوَّحوا بتضليله، ولم يترخَّصوا بالخوف،
فيصرحوا بالثناء عليه تقية، ولا تجاسروا على ذلك، حتى مع الخوف المبيح
لكلمة الكفر تقية !!!.
وقد قال علي عليه السلام عند الإكراه : فأما السب فسبوني، فإنه لكم
نجاة، ولي زكاة، وأما البراءة، فلا تتبرؤوا مني، فإني ولدتُ على الفطرة.
وقد ذكر الذهبي في ترجمة عبدالصمد بن علي بن عبدالله بن العباس الهاشمي
الأمير : أنه ليس بحجة. قال : ولعل الحفاظ إنما سكتوا عنه مداراة للدولة.
انتهى.
وفيه ما يدل على أنه قد يمنعهم الخوف من التصريح ببعض الأمور حتى يخفى
مذهبهم فيها، وهذا نقل شيخ الشافعية الكيا، المفضل عندهم على الغزالي. )
انتهى كلام ابن الوزير
ثم نقل شطراً مما جاء في مقتل الحسين صلوات الله وسلامه عليه، نقله عن
كتاب "العلم المشهور" لابن دحية الكلبي، من ص 45 إلى ص
52.
ثم اتبعه بالنقل عن كتاب "مجمع الزوائد" للهيثمي مما جاء في مقتله صلوات الله وسلامه عليه. من ص 52 على ص 62.
فارجع إلى الموضعين لزاماً ترى العجب مما جاء في مقتله والعلائم التي
لحقت مصرعه بأبي هو وأمي، ما يدل على عظمه عن الله وعند رسوله صلى الله
عليه وآله.
ثم رجع ابن الوزير اليماني في الفصل الثاني ص 75، للحديث عن مسألة الخروج على أئمة الجور، فيقول ما نصه :
( الفصل الثاني : في بيان أن من منع الخروج على الظلمة استثنى من ذلك
من فحش ظلمه، وعظمت المفسدة بولايته، مثل يزيد بن معاوية، والحجاج بن يوسف،
وأنه لم يقل أحد ممن يعتد به بإمامة من هذا حاله، وإن ظن ذلك من لم يبحث
من ظاهر بعض إطلاقهم، فقد نصوا على بيان مرادهم، وخصوا عموم ألفاظهم ت
ويظهر ذلك بذكر ما أمكن من نصوصهم.
فمن ذلك ما نقله لي شيخي النفيس العلوي – أدام الله علوه – عن إمام
مذهب الشافعية الجويني، فإنه قال في كتابه "الغياثي"،
وقد ذكر أن الإمام لا ينعزل بالفسق ما لفظه : وهذا في نادر الفسق، فأما إذا
تواصل منه العصيان، وفشا منه العدوان، وظهر الفساد، وزال السداد، وتعطلت
الحقوق، وارتفعت الصيانة، ووضحت الخيانة، فلابد من استدراك هذا الأمر
المتفاقم، فإن أمكن كف يده، وتولية غيره بالصفات المعتبرة، فالبدار البدار،
وإن لم يُمكن ذلك، لاستظهاره بالشوكة إلا بإراقة الدماء، ومصادمة الأهوال،
فالوجه أن يقاس ما الناس مندفعون إليه، مُبتلون به بما يعرض وقوعه، فإن
كان الواقع الناجز أكثر مما يتوقع، فيجب احتمال المتوقَّع، وإلا فلا يسوغ
التشاغل بالدفع، بل يتعيَّنُ الصبر والابتهال إلى الله تعالى. انتهى
بحروفه.
ومما يدل على ذلك أنه لما ادّعى أبو عبدالله بن مجاهد الإجماع على
تحريم الخروج على الظلمة، ردوا ذلك عليه وقبَّحوه، وكان ابن حزم – على
تعصبه لبني أمية – ممن رد عليه فكيف بغيره ؟! واحتج عليه ابن حزم بخروج
الحسين بن علي عليهما السلام على يزيد بن معاوية !!، وبخروج ابن الأشعث ومن
معه من كبار التابعين على الحجَّاج !!، ذكره في كتاب
"الإجماع" له، ورواه عنه الريمي في آخر كتاب
"الإجماع" له في الترتيب الذي ألحقه به، فقال ابن حزم ما
لفظه : ورأيتُ من نصَبَ نفسه للإمامة والكلام في الدين فصولاً ذكر فيها
الإجماع، فأتى فيها بكم لو سكتَ عنه لكان أسلم له في أخراه !! بل لعل الخرس
كان اسلم له، وهو ابن مجاهد البصري المتكلم الطائي، لا المقريء، فإنه ذكر
فيما ادّعى في الإجماع : أنهم أجمعوا على أنه لا يُخرَجُ على أئمة الجور،
فاستعظمتُ ذلك، ولعمري إنه لعظيم أن يكون قد علمَ أن مُخالفَ الإجماعَ كافر
!!، فيُلْقي هذا إلى الناس، وقد علمَ أن أفاضل الصحابة وبقية السلف يوم
الحرّة خرجوا على يزيد بن معاوية !!، وأن ابن الزبير ومن تابعه من خيار
الناس خرجوا عليه، وأن الحسين بن علي ومن تابعه من خيار المسلمين خرجوا
عليه أيضاً !!، رضي الله عن الخارجين عليه !!، ولعنَ قَتَلَتَهُم، وأنَّ
الحسن البصري وأكابر التابعين خرجوا على الحجاج بسيوفهم. أترى هؤلاء كفروا
؟!!!!! بل والله من كفَّرهُم، فهو أحق بالكفر منهم !!، ولعمري لو كان
اختلافاً – يخفى – لعذرناه، ولكنه مشهور يعرفه أكثر من في الأسواق،
والمخدرات في خدورهنَّ لاشتهاره، ولكن يحق على المرء أن يخطم كلامه ويمّه
إلا بعد تحقيق ومَيْزٍ، ويعلم الله أن الله تعالى بالمرصاد، وأن كلام المرء
محسوب مكتوب مسؤول عنه يوم القيامة، مُقلَّداً أجرَ من اتَّبعه عليه !!،
أو وِزره !!. انتهى بحروفه.
وقرره الفقيه جمال الدين الرّيمي، ولم يعترضه.
فإذا كان هذا كلام من نصّوا على أنه يتعصب لبني أمية في يزيد بن
معاوية، والخارجين عليه، فكيف بمن لو يوصم بعصبية البتة !!، وليس يمكن أن
يزيدَ الشيعي المحتدّ على مثل هذا !.
وممن أنكرَ على ابن مجاهد دعوى الإجماع في هذه المسألة، القاضي العلامة
عياض المالكي، قال : وردَّ عليه بعضهم هذا بقيام الحسين بن علي رضي الله
عنه، وابن الزبير، وأهل المدينة على بني أمية، وقيام جماعة عظيمة من
التابعين، والصدر الأول على الحجَّاج مع ابن الأشعث.
وتأوَّلَ هذا القائل قوله : "ألاّ ننازع الأمر أهله" على أئمة العدل.
قال عياض : وحُجَّة الجمهور أن قيامهم على الحجَّاج ليس بمجرد الفسق، بل لما غيَّرَ من الشرع، وأظهرَ من الكفر !. انتهى كلامه.
وفيه بيان اتفاقهم على تحسين ما فعله الحسين بن علي عليه السلام
وأصحابه وابن الأشعث وأصحابه، وأن الجمهور قَصَروا جواز الخروج على من كان
على مثل تلك الصفة، وأن منهم من جوَّزَ الخروج على كل ظالم، وتأوَّلَ
الحديث الذي فيه "وألاَ ننازع الأمر أهله" على أئمة
العدل !!.
وفيه أنهم اتفقوا على الاحتجاج بفعل الحسين عليه السلام !!، ولكن منهم
من احتجَّ على جواز الخروج على الظلمة مطلقاً !!، ومنهم من قَصَره على من
فَحُشَ ظُلمُه وغيَّرَ الشرع، ولم يقل مسلمٌ منهم ولا من غيرهم : إنَّ
يزيدَ مُصيبٌ !!، والحسين باغٍ !!، إلاَّ ما ألقاه الشيطان على السيد، ولا
طَمَّعَ الشيطان بمثل هذه الجهالة أحداً قبل السَّيِّد. ) انتهى
ثم قال ابن الوزير في ص (78) :
( واعلم أني لا أعلمُ لأحدٍ من المسلمين كلاماً في تحسين قتل الحسين
عليه السلام، ومن ادَّعى ذلك على مسلم، لم يُصدَّق، ومن صحَّ ذلك عنه، فليس
من الإسلام في شيء !!. .) انتهى
ثم أضاف ابن الوزير في نفس الصفحة ما نصه :
(ونُسبَ إلى الغزالي كلام مضمونه أنه لم يصح عن يزيد بن معاوية الرِّضا
بقتل الحسين، وهذا يدلّ على استقباح قتل الحسين، بحيث لم يتجاسر الغزالي
على القطع بنسبة الرِّضا إلى يزيد !!. ذكر هذا ابن خلكان في
"تاريخه" في ترجمة علي بن محمد المعروف بإلكيا الهراسي،
ثم ذكر عن الهراسي صاحب الترجمة ما يخالف هذا، وأثنى عليه حتى نقل تفضيله
على الغزالي، كما هو معروف في التاريخ المذكور.
وقد رأيتُ أن أوردَ الكلام المنسوب إلى الغزالي، وأنقضُه على الإنصاف،
وهل صحَّ عنه أو لم يصح ؟، على أني أنزّه الغزالي عن صحة ذلك الكلام لما
فيه من الشُّبه الركيكة !!، ولما يؤدي إليه من الالزامات الشنيعة !! ولما
صح عنه مما يناقضه كما سيأتي، وأنا أبين من ذلك ما يظهر مع ذلك صحة ما
ذكرته.
فأقول : قال صاحب الكلام – وقد سُئِلَ عن لعن يزيد – ما لفظه : لا يجوز
لعن المسلم أصلا، ومن لعن مسلما فهو الملعون، وقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : (المسلم ليس بلعان )، وكيف يجوز لعن المسلم ولا يجوز لعن
البهائم وقد ورد النهي عن ذلك، وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي
صلى الله عليه وسلم، ويزيد صح إسلامه، وما صح قتله الحسين عليه السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته، ولا أمرُه ولا رضاه بذلك ومهما لم يصح ذلك منه،
فلا يجوز أن نظن به ذلك، فإن إساءة الظن أيضاً بالمسلم حرام، وقد قال تعالى
* ( اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ) * الحجرات : 12 وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظن به ظن السوء ).
ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين عليه السلام أو رضي به فينبغي أن يعلم
به غاية حماقة فإن من قتل من الأكابر والوزراء والسلاطين في عصره لو أراد
أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله ومن الذي رضي به ومن الذي كرهه لم يقدر
على ذلك وإن كان قد قتل في جواره وزمانه وهو يشاهده فكيف لو كان في بلد
بعيد، وفي زمن قديم، وقد انقضى ؟ فكيف يعلم ذلك فيما انقضى عليه قريب من
أربعمائة سنة في مكان بعيد ؟.
وقد تطرق التعصب في الواقعة فكثرت فيها الأحاديث من الجوانب فهذا أمر
لا تعرف حقيقته أصلا وإذا لم يعرف وجب اجتناب الظن بكل مسلم يمكن إحسان
الظن به ومع هذا فلو ثبت على مسلم أنه قتل مسلما فمذهب أهل الحق أنه ليس
بكافر والقتل ليس بكفر بل هو معصية وإذا مات القاتل فربما انه مات بعد
التوبة، والكافر لو تاب من كفره، لم يَجُزْ لعنه، فكيف من تاب عن قتل، ولم
يُعْرَف أن قاتل الحسين عليه السلام مات قبل التوبة وهو الذي يقبل التوبة
عن عباده فإذاً لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين ومن لعنه كان فاسقا
عاصيا لله تعالى ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصيا بالإجماع بل لو لم يلعن
إبليس طول عمره لا يقال له يوم القيامة لم لم تلعن إبليس ؟ويقال
للاعن لم لعنت ؟ ومن أين عرفت أنه مطرود ملعون ؟ والملعون : هو المبعد من
الله عز وجل وذلك غيب لا يعرف إلا فيمن مات كافرا فإن ذلك علم بالشرع، وأما
الترحم عليه فهو جائز بل هو مستحب بل هو داخل في قولنا في كل صلاة اللهم
اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإنَّهُ كان مؤمناً. والله أعلم. انتهى كلامه.
وقد يتعلَّق بهذا ثلاث طوائف : النواصب، والروافض، ومن يقول بتحريم لعن
المعيَّن، وإن كان كافراً محارباً مشركاً أو ذمياً يهودياً أو نصرانياً،
إلا من علمنا أنه مات كافراً، فليردّ على كل طائفةٍ :
أمّا النواصب !!، فربما فرحوا به، أو توهموا أن قائله منهم، فتكثَّروا
بالإمام أبي حامد الغزالي، وليس في كلام الرجل شيء من النصب أبداً، وقد
اشتهر عنه أن الله تعالى غضب على أهل الأرض لقتل الحسين عليه السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته، رواه عنه الثقات، كابن حجر في كتابه
"التلخيص"، وابن النَّحوي في كتابه "البدر
المنير"، بل أودعه الغزالي في كتابه الشهير بـ "كشف علوم
الآخرة"، وسيأتي ذكر ذلك قريباً. )
إلى أن يقول في ص 82 :
(وأمّا الروافض، فيقولون : هذا يدل على أن أهل الحديث والاشعرية
يصوِّبون يزيد بن معاوية في قتل الحسين عليه السلام، ويحكمون بصحة إمامته،
وببغيِ الحسين وأصحابه عليه.
والجواب على هؤلاء من وجهين من وجوه :
الوجه الأول : أن كلامه يدل على نقيض هذا، فانه صرح فيه بأن من ظن في
يزيد أنه أمر بقتل الحسين أو رضي به، فقد فعل ما لا يحل من ظن السوء، ومن
القطع في موضع الشك، وذكر بعد هذا أنه يجوز أن قاتل الحسين مات بعد التوبة،
وكل هذا يقتضي تحريم قتل الحسين عنده، ولو كان – حاشاه – باغياً، ويزيد
إماماً، لكان قتلُه – صانه الله – واجباً !! فدلَّ هذا أنه لا حجّة في هذا
الكلام لمن يُنسبُ إلى أهل الحديث والاشعرية إمامة يزيد وتصويبه في قتل
الحسين عليه السلام، فإن الرجل إنما تكلم في عدم صحة أمر يزيد ورضاه بذلك،
وقد تكررت منه الترضية على الحسين عليه السلام في كلامه، ولم يترحم على
يزيد مرّة واحدة في جميع كلامه، وهذا يدل على تعظيم الحسين وتمييزه له من
غيره.
الوجه الثاني : أنّا لو قدرنا صحة شيء من ذلك على الغزالي - والعياذ بالله – لم يلزم أهل الحديث والأشعرية.
الوجه الثالث : أنه قد روي عن الغزالي مذهب الروافض، ذكر الغزالي ما
يقتضي ذلك في كتابه "سر العالمين وكشف ما في الدارين"،
وحكاه عنه الذهبي في ترجمته من "النبلاء"، قال : ذكره
سبط ابن الجوزي، وقال : ما أدري ما عُذره فيه ؟!!.
فكما لم يلزم صحة ذلك الكلام على الغزالي والقطع على أنه معتقده، ولم
يلزم أيضاً ذلك إلى أهل الحديث والأشعرية، سواء صحّ، أو لم يصح.
الوجه الرابع : ما ذكره الغزالي في كتاب "كشف علوم
الآخرة" من أن الله تعالى غضب على أهل الأرض لقتل الحسين عليه
السلام، وقد مضى قريباً صحة ذلك عنه.
وأمّا الطائفة الثالثة، وهم الذين يقولون بتحريم لعن المعيَّن وإن كفَر، وارتكب الكبائر، ولهم حجتان :. ...إلخ )
ثم يضيف ابن الوزير في ص 84 ما نصه :
(وأمّا قوله : لا يجوز لعن المسلم أصلاً، ومن لعنه فهو الملعون.
فالجواب عليه من وجوه :
الوجه الأول : أن المتكلم بدأ بلعن نفسه، ولعنِ خيار المسلمين.
أما لعنهُ نفسه لنفسه، فلأنّه لعنَ مَنْ لعَنَ مسلماً، وحكمَ بأنه
ملعون، وقد قرَّرَ في كلامه أن قتل المسلم ليس بكفرٍ، فكيف لعنه ؟. .. إلخ )
إلى أن يقول في ص 90 :
(فإن قيل : إنما أرادَ صاحب الكلام أنه لا يجوز لعن أحد بعينه من العصاة، وإن جاز لعنه على الإطلاق من غير تعيين.
قلت : هذا لا يصح لوجوه :
الوجه الأول : أن المسألة ظنية خلافية، لا يستحق المخالف فيها التأثيم
ولا الإنكار، فضلا عن التفسيق واللعن، وقد ذكر الإمام النووي في
"الأذكار" أن الظاهر جواز ذلك، وقد صدر ذلك عن غير واحد
من السلف الصالح، ولو لم يصح فيه إلاَّ ما خرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر
أنه مرَّ بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، فقال : لعن الله من
فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح
غرضاً، فهذا الصاحب الجليل لعنَ جماعة معينين من فتيان قريش، أيكون عبدالله
بن عمر ملعوناً ؟!! حاشاه – رضي الله عنه – من ذلك.
ومن ذلك ما رواه البيهقي في "سننه الكبرى" في جماع
أبواب الكلام في الصلاة في أول باب منه، من حديث عبدالرحمن بن معقل أنه قال
: شهدتُ علياً يقنتُ بعد الركوع، ويدعو في قنوته على خمسة، وسمَّاهم، ولم
يسمِّهم البيهقي.
وروى محمد بن جرير الطبري مثل ذلك في "تاريخه" وزاد
تسميتهم، ومن ذلك ما روى شهر بن حوشب قال : سمعتُ أم سلمة حين جاء نعي
الحسين لعَنَتْ أهل العراق، وقالت : قتلوه قتلهم الله عز وجل، عزّوه وذلّوه
لعنهم الله. رواه الطبراني والهيثمي في "مجمع الزوائد"
وقال : رجاله موثقون. )
إلى أن يقول في ص 94 :
(الوجه العاشر : حديث : "لعنَ الله الراكب والقائد
والسائق". رواه الهيثمي مرفوعاً من حديث سفينة، وقال : رجاله
ثقات، وهو لعن لمعيَّن أيضاً. )
إلى أن يقول في ص 95 :
(فكيف يقال : أن من لعن مسلماً على الإطلاق، وإن كان فاسقاً، فهو الملعون ؟!!.
أفلا يخاف صاحب هذا الكلام أن يكون تناول باللعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيار الصحابة وخيار المؤمنين ؟!!.
فحاشا مقام الإمام الغزالي مِنْ مثل هذه الجهالة الشنيعة، والبدعة البديعة !!.
وأما احتجاج صاحب تلك الفتوى على ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمن ليس باللعان".
فالجواب من وجهين :
الوجه الأول : أنه لا يدل على تحريم لعن أحد بعينه، بل هو مطلق، وقد
فسره صاحب الشريعة، فأجاز لعن الظالمين والكافرين ونحوهم، فدل على أن
التحريم منصرف إلى المؤمنين القائمين بفرائض الإيمان، المحافظين لأنفسهم عن
انتهاك محارمه، وتعدّي حدوده.
الوجه الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون المؤمن
لعّاناً، وليس اللعان من لعن بعض العصاة غضباً لله تعالى، وزجراً لأهل
المعاصي في بعض الأحوال، كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير
واحد من فضلاء الصحابة. ... ) انتهى
ويضيف ابن الوزير في ص 96 – 105 ما نصه :
(وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – أحلم الخلق وأشفعهم – غضب
على من وسمَ حماراً في وجهه، فلعنَ من وَسَمَه، فكيف لا يغضب المسلم على من
قتلَ الحسين الشهيد ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرَّةَ عينه
؟!!.
أمَا يكون العصيان بقتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبحَ من
العصيان بوسم الحمار الذي غضب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!!، ويكون
قطع رأسه الكريم وتقويره وحمله على عودٍ أوجعَ للقلب وأقوى في إثارة الغضب
والكرب مِنْ وسمِ وجه ذلك الحمار ؟!!، على أن الذي وسمَ وجه الحمار لم يفعل
ذلك عداوة للحمار، ولا استهانة به، وإنما فعله لمنفعة ظنها في ذلك. !!
فاعجب كيف غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لوسم ذلك الحمار، واعجب من
قوم يدَّعون الإسلام الكامل، ولا يغضبون لولد رسول الله صلى الله عليه
وسلم !!، وقد ذُبِحَ عطشاناً !!، ومُثِّلَ به !!، وحُمِلَ رأسه الكريم على
رأس عودٍ مُغيَّراً مشوهاً، ولو فعل ذلك بعضُ أئمة العدل ببعضِ أولادِ
هؤلاء لذنبٍ اقتضى ذلك، لسبَّهُ، ولَعَنَهُ غالباً !!!!، واقل الأحوال أن
يقف الغضب العظيم على كون ولده مظلوماً، وكون الفاعل من أهل الجور، فالحسين
رضي الله عنه أعظم المظلومين، ومحاربوه أعظمُ الظالمين، ويزيد أعظمُهم
أجمعين، وهو وإن لم يباشر القتل، فهو أعظم إثماً من المباشر، لأن القاتل
إنما قتل برضاه وشوكته وقوّته !!.
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنَّ على
القاتل جزءاً من العقاب، وعلى الآمر تسعة وستين جزءاً". رواه ابن
كثير في "الإرشاد"، وقال : رواه أحمد بن حنبل، فإذا كان
الإنسان يغضبُ لولده لو فُعلَ معه دون ما فُعلَ مع الحسين عليه السلام، وإن
كان ولدُه في فضله دون الحسين عليه السلام، وظالم ولده في جُرأته دون يزيد
!!، فكيف لا يكون غضبه لله ورسوله أعظمَ ؟!.
وفي الصحيحين من حديث أنس، قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه سلم
يقول : "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس
أجمعين".
وفي صحيح البخاري مثل ذلك من حديث أبي هريرة.
فمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من والده وولده والناس
أجمعين، فليكن ولدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إليه من ولد صلبه،
وجميع أهله.
بل في "الصحيحين" من حديث أنس عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم : "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب
لنفسه"، وفي رواية : "لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب
لنفسه".
فليتصوَّر المسلم أنه مكان الحسين رضي الله عنه، وأنه فُعِلَ به ما
فُعلَ بالحسين عليه السلام، وليتصور كيف يكون غضبه على من فعل به ذلك، بل
يجبُ أن يكون أعظمَ من ذلك، فإن المسلم يُستحبُّ له أن لا يغضب لنفسه، ويجب
عليه أن يغضبَ لمعصية الله، ويُستحبُّ له أن لا ينتصر لنفسه، ويجب عليه أن
ينصر أخاه المسلم المظلوم، فإذا عرفتَ هذا، فاحذر أيُّها السُّنِّيُّ !!
أن يخدعكَ الشيطان بتحسين الكلام في يزيد والمجادلة !!.
فأمّا لعنُ من لَعَنَه، وتفسيق من سبَّهُ، فتهوُّرٌ في مهاوي الجهل
والفسوق إلى مرمى سحيق، ونزوع عن الإيمان والإسلام، لا عن التدقيق
والتحقيق.
وأمّا تعلقه بأن المسلم أفضل من البهيمة، وحرمته أعظم من حرمة الكعبة،
فذلك المسلم الكامل الإسلام بالإجماع، فإن مرتكب الكبائر يجب حدّه وإهانته،
ويستحق الغضبَ من الله تعالى والعذاب، ولا يجوز شيء من ذلك في حق البهائم
والكعبة المعظمة.
وأمّا قوله : إنه صحَّ إسلام يزيد، ولم يصح قتلُه الحسين، ولا أمرُه بذلك، ولا رضاه به.
وقوله : إنَّ من زعمَ أنه يعلمُ ذلك، فينبغي أن نعلمَ به غاية حمقه، إلى آخر ما ذكره في هذا المعنى.
فالجواب عليه من وجوه :
الوجه الأول : أنه أمّا أنَّ يزيد لم نطَّلعْ على ما في قلبه من ذلك،
فصحيح، لأنَّ أمر السرائر إلى الله تعالى، ولكن إذا كان المرجع إلى
السرائر، فلم يصح إسلام يزيد أيضاً، لأنَّا لم نطلع على ما في قلبه من ذلك،
فما بالُ إسلامه صحَّ، وإن لم نطلع على ما في قلبه، ورضاه بقتلِ الحسين لم
يصحَّ لسبب هذه العلة.
وإن أرادَ أنّه لم يظهر من يزيد الرضا بقتل الحسين عليه السلام في ظاهر
أحواله، فذلك عناد واضحٌ !!، أو جهل فاضح !!، فيزيدُ ناصبيٌّ عدوٌّ لعليٍّ
وأولاده عليهم السـلام، مُظهرٌ لعداوتهم، مُظهرٌ لسبِّهم ولعنهم من على
رؤوس المنابر، ناصبٌ للحرب بينه وبين من عاصره منهم، ومن جهل هذا، فهو
معدود من جملة العامة !! الذين لم يعرفوا أخبار الناس، ولا طالعوا تواريخ
الإسلام !!، وما أحسن البيت :
والشمس إن خفيتْ على ذي مُقلةٍ. .. نصفَ النهار فذاك محصول العمَى
فكيف يقال : إنه لم يظهر منه الرضا بذلك، وقد جاؤوا إلى حضرته برأس
الحسين عليه السلام على عودٍ مغبراً مُشوَّهاً مُقَوَّراً متقربين إليه
بذلك، مُظهرين للمسرة به، فتكلّم بأقبح الكلام في حق الحسين عليه السلام
كما نقل ذلك أشياخ أهل النقل كأبي عبدالله الحاكم والبيهقي وموفَّق الدين
ابن أحمد الخوارزمي وغيرهم، كما تقدّمت إليه الإشارة.
وكيف لا نعلمُ رضاه بذلك، وإن سكت، أتحسَبُ أن قاتليه قد اختلَّتْ
عقولهم حتى يفعلوا ذلك من غير أمره ولا رضاه !! ثم يأتوا به مظهرين للمسرة،
طالبين من لعظيم المثوبة على أمرٍ لم يتقدَّم منه إليهم فيه شيء، ولا
عرفوا رضاه ؟!!.
فكيف لا يقال : بأنَّ الظاهر منه الرضا بذلك، ولم يُحرِّج على
أحدٍ منهم في ذلك، ولا أظهرَ البراءة من ذلك ! ولا أمرَ بقبر رأسِ الحسين
عليه السـلام !، ولا نهى عن إظهار المسرة بقتل الحسين رضي الله عنه !،
فإنهم أظهروا المسرَّةَ بذلك في مملكته !!.
والنكتةُ في هذا الوجه الأول من الجواب : أنَّ رضا يزيد بذلك ظاهر
بالضرورة !!، لا يمكن إنكاره، ولا يمكن أبداً المستند فيه مثل ما نعلم
كراهة أهل الحسين رضي الله عنه لذلك في الظاهر، وهذا علمٌ ضروريٌ
مُتعلِّقُه ظواهر الأحوال، لا سرائر القلوب، ومن لم يحصل له هذا العلمُ
لقلّةِ معرفته بالتاريخ وأخبار الناس، فهو معذور بجهله إذا لزم تكليف
الجهَّال، وهو عدم الاعتراض على أهل العلم، والله أعلم.
الوجه الثاني : أن يقال لهذا الشأن في رضا يزيد بقتل الحسين عليه
السـلام : إمّا أن نقول : إن جميع ما صدر مِنْ أمراء الملوك مِنَ الحروب
والقتول والغزوات وعظائم الأمور غير منسوب إلى أمْرِ الملوك، ورضاهم، أو
لا.
إن قال : لا يُنسبُ إلى الملوك شيء من ذلك في الظاهر، ولا في الباطن،
وإن لم يُظهروا البراءة منه، ولا الشدة على مَنْ فَعَله، فهذا خروج مِن
زُمرة العقلاء !!، لأنه يلزم منه أنّ الحجاج بن يوسف ما صدرَ عنه إلاّ مثل
ما صدر عن عمر بن عبدالعزيز مِنَ الأمر بالعدل والرفق، ولكن أمراءَهُ
وجُندَه فعلوا ما لم يرضه !، وسكت !، وما نُقلَ أنه باشره من ذلك، وأمر به
لم يبلغ مبلغ التواتر !!.
وأمّا إن أقرَّ أن ظاهر أحوال الأمراء أنهم لا يفعلون في المهمات إلا
ما أمرهم به الملوك، فقتلُ أمراءِ يزيدَ للحسين عليه السـلام مِنْ ذلك، فإن
الظاهر من أمراءِ يزيد وغير يزيد أنهم لا يُقدمون على الأمور العظيمة إلا
من جهة الطاعة لمن فوقهم، والتقرب إليه، ولم يكن بين جند يزيد وبين الحسين
عداوة تُوجبُ السَّب، كيف القتل ؟!!!! وإنّما قتلوه طاعة ليزيد وتقرُّباً
إليه !!.
ولهذا روى أبو عبدالله الذهبي في كتاب "الميزان" عن
أبي إسحاق أنه قال : كان شمر يصلي معنا ويستغفر، فقلتُ : كيف يغفر الله لك
وقد أعنتَ على قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
قال : ويحكَ، كيف نصنع ؟! إنَّ أمراءَنا أمرونا، ولو خالفناهم كنّا شراً من الحمير السُّقاة.
قال الذهبي : إنّ هذا العذر قبيحٌ !، فإنما الطاعة في المعروف.
قلت : وإنما قال أبو إسحاق لشمر : كيف يغفر الله لك، لأنه فهم من حاله
أنه لم يتب من قتل الحسين، ويفعل ما يجب من تسليم نفسه قَوَداً إلى أولياء
الحسين عليه السـلام، وإنما قال ذلك على عادة المستغفرين من المُصرِّين، مع
تهاونه بعظيم ذنبه.
وجه آخر : وهو قول الله تعالى لمن عاصر النبي صلى الله عليه وسلم من
اليهود : (قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين. ولقد جاءكم
موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون) البقرة : 91 - 92
فنسبَ فعل البعض إلى الجميع على سبيل الذَّم لرضا الجميع به، أو تواليهم،
ورضا الجميع معلوم لغير الله تعالى بالقرائن، ولذلك حسُنت مناظرتهم به.
وما كان من أمور السرائر التي لا يعلمها إلا الله، لم تقعِ المناظرة في
دار التكليف عليها إلا على طريق التنكيت دون الحجة، ولذلك لم يكن للمشركين
حجة في القدر.
الوجه الثالث : إما أن يشكَّ هذا المتكلم في جميع ما نقله المؤرخون من
ثقات المحدثين وأهل معرفة الرجال، لزمه ألاَّ ينسبَ الرَّفض إلى الرَّافضة،
والنَّصبَ إلى النَّواصب، والبدع إلى أحدٍ من أهل المذاهب، ولا يجرح أحداً
من الرواة، ولا يميز العدل من سواه.
وإن أقرَّ بقبول أقوال الثقات من أهل التاريخ والكلام على الرجال، لزمه قبولُهم في يزيد.
الوجه الرابع : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أمرَ
أمَّته لا يزال مستقيماً حتى يثلمه يزيد !، وتأوَّه مِنْ قتله لسلفه من
الصحابة رضي الله عنهم وسلفِ سلفهم من التابعين رحمهم الله تعالى، كما
قدمنا ذكر ذلك، ورواية ثقات أئمة الحديث له، ومن أخبر عنه بذلك النبي صلى
الله عليه وسلم، لا ينبغي أن يُحسنَ به الظنٌّ، بل الواجبُ تحسين الظنُّ
برسول الله صلى الله عليه وسلم، بل اعتقاد القطع بوقوع ما أخبرَ به.
الوجه الخامس : إمّا أن نقول : تواتر الأخبار وكثرة القرائن يدلُّ على ما ذكرناه أولاً.
إن قلنا بذلك، لزم صحة ما ذكرناه، وإن لم نقل بذلك، لزم ألا يُنسبَ إلى
أحد من الملوك عداوة عدُوٍّ، ولا رضا بحربه حتى يُحضرَ الشهود العدولَ،
ويكتبَ على نفسه سِجلاَّ بأنه يُبغض عدوَّه، ويحب قتله ويرضى به !!.
ومن المعلوم لكل عاقل أنه قد ثبت العلم بأعداء الملوك ومحبة الملوك
لقتل أعدائهم من غير إقرار صحيح بذلك وكتابة شهادات العدول في السجلات
بذلك، ولا شكَّ أنَّ عداوة يزيد للحسين من أشهرِ العداوات، وأنَّ رضاه
بقتله من أوضَحِ الأمور الظاهرات، والله أعلم.
الوجه السادس : أنه ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كتبَ إلى هرقل ملك الروم أن عليه إثم الأريسيين، وهم أهل الجهل والخطأ
والجفاء من أهل دينه، مثل الحراثين، ومن المعلوم أنّه لو لم يأمرهم ويرضى
بدينهم ما كان عليه من إثمهم شيء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما
قال له بذلك لأن ظاهر حاله أنه راضٍ بذلك، لقدرته على التغيير، ولو كان
كارهاً لَغَيَّرَ، فكذلك سائر الملوك الجبابرة الظاهر منهم الرضا بكل قبيح
ظهر في ممالكهم ولم ينكروه، وكذلك يزيدُ، فإنَّ قَتَلَةَ الحُسين عليه
السلام جاؤوا برأسه الكريم مبشّرين له، وطالبين للثواب منه، ومُظهرين له
أنهم قد فعلوا له أحبَّ الأمور إليه، فأقرّهم على ذلك، ورضي عنهم، وقد
يُحكمُ بالرضا بأقلَّ من هذا، فقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم برضا البكر
بالتزويج لسكوتها !، وليس القصد القياس، وإنما القصد التنبيه على أن الرضا
قد يُعرف بغير نُطقٍ وإلاّ لزم فيمن تزوَّجت برجل وهي بكر بالغة وأقامت
معه، حتى وُلِدَ له منها أولادٌ أن يقبل منها إذا أنكرت الرضا بعد ذلك !!!،
وأمثال ذلك، بل أوضحُ من هذا صحَّةُ عقود الأخرسِ ! بالإشارة، والعلم
بكثير فما يرضى به ويُحبه.
الوجه السابع : أنَّ صاحب هذه الشبهة علَّقَ الحكم بالعلم بما في باطن
يزيد، وليس الحكم يتعلق بذلك شرعاً، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسرَ عمّه العباس يوم بدرٍ، ولمَّا ادَّعى العباس ذلك اليوم أنه كان
مُكرهاً، فقال له صلى الله عليه وسلم : "أمَّا ظاهركَ، فكان
علينا". وأخذَ منه الفداء.
وروى البخاري في " الصحيح " في كتاب الشهادات عن عمر
بن الخطاب أنه قال : إنّ أناساً كانوا يؤخذون بالوحي على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وإنّ الوحي قد انقطعَ، فمن أظهرَ لنا خيراً أمِنَّاه
وقرَّبناه، وليس لنا من سريرته شيء، ومن أظهرَ لنا سوءاً، لم نأمَنْهُ ولم
نُقرِّبهُ، ولم نُصدِّقه، وإن قال : سريرته حسنة. انتهى كلامه رضي الله
عنه.
والفرق بين هذا الوجه وبين الوجه الأول : أن الحُجَّة في هذا مِنَ السَّمع والأثر، والحُجَّة في الأول من النَّظر والجدل.
الوجه الثامن : أنَّا لو قدرنا ما لم يكن من عدم رضا يزيد بقتل الحسين
عليه السلام، فإنه فاسق متواترُ الفسق والظلم، شِرِّيبُ الخمر، كما قال أبو
عبدالله الذهبي في حقه : كان ناصبياً !!، جلفاً !!، فظّاً !!، غليظاً !!،
يتناول المُسكر !!، ويفعل المنكر !!.
وهذا يُبيحُ سبَّه، ويُغضبُ ربه، ولو لم يكن له إلاّ بُغضُ أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، لكفاه فسوقاً !! ومقتاً عند الله !!
وعند الصالحين من عباده !!.
ففي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنه لا يبغض علياً إلا منافق".
وأمّا قوله : إنَّ إساءة الظنّ بالمسلم حرام.
فإنما ذلك في المسلم الكامل الإسلام الذي لم تظهر عليه قرائن الريبة،
ودليل الجواز في غير ذلك قول الله تعالى حاكياً عن نبيه يعقوب عليه السـلام
: (بل سوَّلتْ لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميل) يوسف : 18، وفي الحديث
المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الملاعَنَة :
"لعلها تجيء به اسود جعداً"، وقال : "إن جاءت
به اسود أعين ذا أليتين، فلا أراه إلا قد صدق عليها".
وأما قوله في الاستدلال على حماقة من زعمَ أن يزيد رضي بذلك.
إن مَنْ قتل مِنَ الأكابر في عصره لو أراد أن يعلم حقيقة مَنِ الذي
أمرَ بقتله ورضي به، لم يقدر على ذلك، وإن كان قد قُتِلَ في جواره وزمانه
وهو يشاهده، فإن أراد لم يقدر على معرفة الرضا، فكذلك لو أقرَّ بالرضا، لم
يعلم أنه صادقٌ في إقراره، وإن أراد لم يقدر على معرفة الآمر أيضاً، كما هو
ظاهر كلامه، فهذا قلة عقل من قائله، لا قلة علم، فإن من المعلوم أنها لو
قامت الشهادة بذلك إلى الإمام أو نحوه، لقُبلت ووجَبَ في ذلك من العقوبة ما
يراه الإمام، ولو كان كما قال، لم تُقبل الشهادة بذلك، بل لوَجَبَ جرح
الشُّهود، لأنّهم شهدوا بما لا طريق إلى معرفته، وهذا خلاف العقل والشرع،
وأيُّ مانعٍ يمنعُ من الشهادة على من أمَرَ بقتلِ رجلٍ ؟!. هذا ما لا يقوى
في عقل مُميز أنَّ الغزالي يتكلَّم به. ) انتهى المراد من كلام ابن الوزير
اليماني.