بالنسبة
للبس السواد في مناسبات وفيات أهل البيت(عليهم السلام)، وبالخصوص في أيّام
عزاء الإمام الحسين(عليه السلام)، أحببت لو تزوّدوني بالأدلّة التي تجوّز
هذا الأمر، وبخاصّة من مصادر إخواننا العامّة.
وما هو الردّ على بعض الروايات الموجودة في الكافي وغيره، والتي تنهى عن لبس السواد؟
مثل
هذه الرواية: ((عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: (لمّا فتح رسول الله
مكّة بايع الرجال، ثمّ جاء النساء يبايعنه، فأنزل الله عزّ وجلّ... وقالت
أُمّ حكيم بنت الحارث بن هشام، وكانت عند عكرمة بن أبي جهل: يا رسول الله!
ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه؟
قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا تلطمن خدّاً، ولا تخمشن وجهاً، ولا تنتفن شعراً، ولا تشققن جيباً، ولا تسوّدن ثوباً...) ) ))(1).
علماً أنّ هذه الرواية وجدتها مع مصدرها في نشرة دأب الوهّابيون على نشرها في أيّام محرّم، أفيدونا جزاكم الله تعالى خيراً.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد
ناقش الفقهاء في أصل مشروعية لبس السواد، إلاّ أنّ هناك ما يشبه الاتّفاق
على جوازه، بل استحبابه في محرّم وعاشوراء حزناً على مصاب الإمام
الحسين(عليه السلام)، وإليك ما أورده بعضهم:
1- واستثنى بعضهم ما لبسه
للحسين(عليه السلام) فإنّه لا يكره، بل يرجّح لغلبة جانب تعظيم شعائر الله
على ذلك، مضافاً إلى روايات متضافرة في موارد مختلفة، يستفاد منها ذلك(1).
2- لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين(عليه السلام) من هذه الأخبار؛ لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان(2).
ولم
يبيّن المحقّق البحراني الوجه في عدم شمول هذه الروايات لذلك! والوجه في
عدم الشمول هو: إنّ في لبس المؤمنين الثياب السوداء في وفيات الأئمّة(عليهم
السلام)، وبالخصوص في أيّام محرّم الحرام، وشهر صفر إظهاراً لمودّتهم
وحبّهم لأهل البيت(عليهم السلام)، فيحزنون لحزنهم، وإنّ هذا العمل من
المؤمنين إحياء لأمر أهل البيت(عليهم السلام).
وقد روي عنهم(عليهم السلام): (رحم الله من أحيا أمرنا)(3)،
فإذا ارتدى عامّة الناس من الرجال والشباب والأطفال الثياب السود، كان ذلك
ظاهرة إجتماعية تلفت نظر الغريب، فيسأل: ماذا حدث؟ بالأمس كان الأمر
طبيعياً، وكانت ألوان ثياب الناس مختلفة، وأمّا اليوم فقد لبسوا كلّهم
السواد؟!
فعندما يوضّح له بأنّ اليوم يوم حزن ومصيبة على ريحانة
الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الإمام الحسين(عليه السلام)، كان هذا
الأمر في حدّ نفسه إحياء لأمره(عليه السلام)، ولهذا اشتهر أنّ: بقاء
الإسلام بشهري محرّم وصفر، وذلك لأنّ حقيقة الإسلام والإيمان قد أُحييا
بواقعة كربلاء، وهذا دليل لا بدّ من المحافظة عليه، لتراه الأجيال القادمة
ماثلاً أمامهم، فيحصل لهم اليقين به، فإنّ الإمام الحسين(عليه السلام) نفسه
قد أثبت أحقّية التشيّع، وأبطل ما عداه.
ثمّ من الروايات الواردة في استحباب لبس السواد على الإمام الحسين(عليه السلام):
1-
ما رواه ابن قولويه: (إنّ ملكاً من ملائكة الفردوس الأعلى، نزل على البحر،
فنشر أجنحته عليها، ثمّ صاح صيحة وقال: يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن،
فإنّ فرخ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مذبوح)(4).
وفهم
الشيخ النوري من هذه الرواية: عدم كراهة لبس السواد، أو رجحانه حزناً على
أبي عبد الله(عليه السلام)، كما عليه سيرة كثير من الناس في أيّام حزنه
ومأتمه(5).
2- ما رواه البرقي، بسنده عن عمر بن علي بن
الحسين، قال: (لمّا قتل الحسين بن عليّ(عليه السلام)، لبسن نساء بني هاشم
السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان علي بن الحسين(عليه
السلام) يعمل لهنّ الطعام للمأتم)(6).
وهذه الرواية إضافة
إلى دلالتها على مشروعية لبس السواد، بل استحبابه في عاشوراء، تدلّ على
أُمور أُخرى، منها: استحباب إقامة المأتم، والإطعام، والقيام بخدمة مقيمي
مأتم عزاء الإمام الحسين(عليه السلام)، حيث كان الإمام السجّاد(عليه
السلام) شخصيّاً يقوم بهذه الخدمة، وكفى بذلك مقاماً لمقيمي المآتم.
وفي
الفتاوى نرى ما يلي: إنّ من الثابت استحباب مواساة أهل البيت(عليهم
السلام) مطلقاً، بحزنهم وفرحهم؛ لعموم ما دلّ على ذلك، ولاستحباب التأسّي
بهم، فقد جاء في الروايات ما دلّ بالخصوص على ذلك في شهر محرّم..
فقد ورد أنّ بعض الأئمّة(عليهم السلام) كانت أيّام محرّم أيّام حزنه، وعزائه ومصابه، ونحن مأمورون باتّخاذهم أُسوة مطلقاً.
وأمّا بالنسبة إلى الرواية المانعة التي ذكرتموها عن الكافي - إن صحّت
سنداً - فإنّها تدلّ على المنع على نحو الإطلاق، فيخصّص ذلك الإطلاق
بالروايات المجوّزة، كالرواية التي يرويها الشيخ الطوسي عن الإمام
الصادق(عليه السلام)، أنّه قال: (وقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود -
الفاطميات - على الحسين بن عليّ(عليه السلام)، وعلى مثله تلطم الخدود،
وتشقّ الجيوب)(7).
وما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام):
(إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على
الحسين بن عليّ(عليهما السلام)؛ فإنّه فيه مأجور)(8).
فلبس السواد، ولطم الخدود، وخمش الوجوه، وغيرها، وإن كانت مكروهة إلاّ أنّ كراهيتها ترتفع إذا كانت للإمام الحسين(عليه السلام).
ودمتم في رعاية الله