ذهب علي المعيل الاول لعائلته بعد ان فقد اباه في الحرب الامريكية على العراق في عام 2003، الى مثواة الاخير تاركا خلفة المئات من علامات الاستفهام، وأمه وأخواته الاربع في مواجهة المجهول وخطر العوز.
رمز الخبر: 12510
13:51 - 07 July 2015
ثير قضية تصاعد معدلات الموت المجهول "الانتحار" في ذي قار، جنوبي العراق، على وجه الخصوص قلقاً بين الاوساط الشعبية في المحافظة، داعين الجهات المعنية إلى التدخل لمعالجة أسباب ودوافع الانتحار والحد من هذه الظاهرة التي تزايدت معدلاتها.
لم يخرج علي ذو الخامس عشر ربيعا من غرفته ليلقي تحية الصباح في يوم 23 حزيران من العام الحالي، على ذوي كعادته ومن ثم يذهب لمزاولة عمله كعامل في احد مطاعم قضاء سوق الشيوخ جنوب مركز محافظة الناصرية (365كم عن العاصمة بغداد)، ام علي التي تنظر لمستقبل ابنها كالطير الصغير ادركت تأخر ابنها عن العمل فذهبت متكئة على عكازتها الخاوية لتوقضه من سباته الطويل.
ام علي لم تكن بوضع صحي يسمح لها ان ترى ابنها جثة هامدة معلق في سقف غرفته وهو غارق بالنوم، فطرقت الباب ثلاثة مرات دون رد، فقررت ان تقتحم غرفته ابنها الوحيد، لتجده معلق بحبل ملتف على عنقه الناعم، لتقف موقف الاندهاش والصدمة قبل ان يغمى عليها.
وتتنوع طرق ووسائل الانتحار في محافظة ذي قار ما بين استخدام الشنق بالحبال، والرمي بالرصاص، والصعق بالكهرباء والغرق في مياه الأنهر وتناول السموم والعقاقير الطبية، فضلا عن الحرق ويعد الأسلوب الأخير هو المفضل لدى الفتيات عند إقدامهن على الانتحار.
بعد الفحوصات الطبية التي اجراءها الكادر الطبي في مستشفى سوق الشيوخ العام في ذات الوقت تبين ان ام علي أصيبت بجلطة في المخ أدت إلى شلل في الجانب الأيسر من جسدها اثر الصدمة التي تركها لها علي قبل ان يدفن في مقبرة وادي السلام بمحافظة النجف، وتغلق قضيته دون البحث عن الاسباب التي دفعته للانتحار حالها حال عشرات الحالات التي تحدث في ذي قار.
وبلغ عدد الذين اقدموا على الانتحار في ذي قار 43 حالة في عام 2014، و33 شخصا في عام 2013، فيما بلغ عددهم 34 شخصا في عام 2012، وسجلت 15 حالة انتحار في عام 2011، فيما سجلت تسع حالات انتحار في عام 2010، وهو يمثل تزايدا في حالات الانتحار عاما تلو الآخر.
قاسم حسين صالح رئيس الجمعية النفسية العراقية، قال في حديث لوسائل اعلام محلية وتابعته "المسلة"، إن "ابرز دوافع الانتحار مرتبطة بالشعور باليأس، فعندما يجد الشاب او الشابة أن الواقع لا يقدم له حلا لمشكلته ويصل إلى مرحلة اليأس والعجز، يلجأ لانهاء حياته".
وتابع صالح أن "العد التنازلي للأمل يصل إلى درجة الصفر عند بعض الشباب، ويكون من السهل قتل النفس بسبب الحروب والقتل اليومي في العراق"، لافتا إلى أن "الجهات المعينة لم تستطع معالجة جذور المشكلة خصوصا في ظل البطالة والفقر".
وتقدر معدلات الفقر والبطالة في محافظة ذي قار بحسب تقرير نشرته وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية في نيسان 2010 بـ 34% وهي أعلى من معدلات الفقر في عموم العراق بنحو 11%، حيث يبلغ معدل الفقر في عموم العراق وفق التقرير الذي أعده الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات 23%.
الباحث الاجتماعي هاشم خلف الحميداوي يرى في حديث لوسائل اعلام محلية تابعتها "المسلة"، ان نسبة الانتحار ترتفع لدى الشباب والمراهقين وتقل عند كبار السن والمتزوجين ومن لهم أطفال، ويرجع سبب ارتفاع نسبة الانتحار لدى المراهقين إلى جملة عوامل منها ظرفية تتعلق بعلاقة الفرد مع عائلته مثل رفض الأهل تحقيق بعض متطلباته نتيجة للبخل أو القصور المادي للأهل أو الفشل الدراسي أو انهيار وضع الأسرة الاجتماعي والاقتصادي او فقداًن شخص عزيز، وخصوصاً الأب أو أحد المقربين، او التفكك الأسري وتعاطي الأب الكحول، اضافة الى المشاحنات بين الزوجين وغياب أحد الوالدين او موتهما أو احدهما او سوء معاملة الأهل للأبناء.. جميعها اسباب غالباً ما تكون عاملاً مشجعاً للاقدام على الانتحار".
في خضم ذلك اوضح رجل الدين الشيخ علي السهلاني ان "جميع الفقهاء في جميع الاديان السماوية يحرمون قتل الانسان لنفسه، فالانتحار لا يجوز تحت أي ظرف كان، وهو محرم لدى جميع المذاهب والاديان، ومهما كانت الظروف التي تحيط بالانسان، عليه ان يرحم نفسه مثلما رحمها الله تعالى بقوله ... إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا".
"المسلة" كان لها حديث خاص مع عددا من المواطنين في ذي قار، الشاب غزوان نعيم تحدث لـ"المسلة"، وهو يستعرض جانبا من تفاصيل حالتي انتحار شهدتها محافظة ذي قار، الأسبوع الماضي، إن "حالات الانتحار أصبحت ظاهرة تستدعي المزيد من الاهتمام والدراسات للوقوف على أسبابها ودوافعها ووضع الحلول لمعالجتها من قبل الجهات الصحية والبحثية".
وأشار نعيم إلى أن "حالات الانتحار بين الشباب والفتيات باتت حديث الشارع في الآونة الأخيرة حيث لم يمر أسبوع واحد من دون أن تحصل حالة أو حالتا انتحار في المحافظة".
في حديث اخر يرى المواطن حيدر فاضل أن "دوافع الانتحار تعود إلى جملة من الأسباب، بينها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية غير المستقرة التي أشاعت أجواء قاتمة من اليأس في نفوس الشباب، إذ تتفشى البطالة وترتفع معدلات الفقر وتتضاءل فرص التعيين أمام الشباب عموما والخريجين بشكل خاص".
ولفت إلى أن "ضعف أداء المؤسسات الصحية والبحثية التي من شأنها أن تعالج حالات ودوافع الانتحار بين شريحة الشباب قد أسهم الى حد ما باستفحال ظاهرة الانتحار حيث لجأ العديد من الشباب والمراهقين ونتيجة لغياب الوعي وحالات اليأس والتهميش التي يمرون بها، الى تعاطي الحبوب والمواد المخدرة في محاولة منهم للهروب من قسوة الواقع".