SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز:
لم تكن فرضية إسقاط النظام السوري في حلب عبثية، ولم يكن تقدير المجموعات المسلحة ومن خلفها الدول الداعمة لها، تقديراً خاطئاً، بل هو من المرات القليلة التي نجحوا فيها بمقاربة الأمور. فالعاصمة الإقتصادية لسوريا، والمدينة التجارية الأولى في محيطها، تملك من الوزن المعنوي والقيمة الإقتصادية ما يكفي لإسقاط نظام مع سقوطها، فيما لو كان نظاماً عادياً، كالأنظمة الأوروبية والخليجية والأمريكية، بنى عرشه على تلة إقتصادية من نفط وذهب ومال. أما وأن النظام السوري قائم على تأييد شعبي وإحتضان جماهيري، وقضية محقة مع رؤية سياسية واضحة، فإن سقوط هكذا مدينة قد يؤلم لكنه لا يشكل الضربة القاضية.
خصوصية هذه المدينة، وطريقة سقوطها مع ريفها بدعم من خلف الحدود الشمالية لسوريا، كذلك ما تحويه من ثقل للمسلحين من كافة الفصائل، وتوسطها للشمال السوري إضافة الى إتصالها بريفها ومحيطه من أرياف المحافظات المجاورة، جعل منها إستثناءً خارج عن باقي القواعد والمبادئ التي عمل بها الجيش السوري، في غيرها من المناطق، لا يصلح مع هذا الإستثناء أي سيناريو تم تطبيقه في مدن ومحافظات أخرى من سوريا.
حاول الجيش تطبيق السيناريوهين الدمشقي والحمصي في حلب، فحاصرها وحاول تقسيمها الى مربعات يجري العمل عليها واحداً تلو الآخر، لكن حصارها لم يكن مجدياً كما في حمص مثلاً، ففي الوقت الذي يراد من الحصار أن يضيق على المسلحين في تنقلاتهم وإمداداتهم، بدا للجيش أن ما يملكه المسلحون من ذخائر و مؤن عسكرية في المدينة كافٍ لدفعهم نحو الصمود لوقت طويل، وبالتالي فإن الخاسر الوحيد سيكون العدد الكبير لسكان المدينة الذين لم ينزحوا منها.
كذلك فإن عملية "القضم" التي تم استخدامها في ريف دمشق ستكون مكلفة في حلب، حيث الإمدادات من الأرياف المحيطة وحدودها مع تركيا سيضاعف من قدرات المسلحين ويدفع الجيش نحو خوض حرب إستنزاف لقواته بين أحياء المدينة وشوارعها، وهذا ما يتجنبه الجيش للحدّ من الخسائر وحرصاً على عدم فقدان ما تم إنجازه. بالإضافة الى القوة التي ما زالت تمتلكها المجموعات المسلحة هناك والتي لن تدفعهم نحو التسليم كما جرى في حمص القديمة.
المواجهات السابقة التي خاضها الجيش على كافة محاور حلب، حققت له عدد من الإنجازات وكشفت أمامه عدد آخر من الحقائق التي وردت سابقاً، ما أوجب خلق سيناريو خاص بمدينة حلب قادر على منح الجيش المكتسبات التي يريدها من المدينة، دون خوض غمار معركة كبرى فيها، ستكون كلفتها باهظة. سيناريو جامع ما بين الدمشقي والحمصي، ملائم للمرحلة الحالية من الأزمة السورية، ومناسب للوقائع المفروضة في حلب في الوقت نفسه.
بحسب معلومات من مصادر ميدانية، فإن السيناريو يقوم على تشتيت الجبهات و تنفيذ هجمات مستمرة على أكثر من محور دون محاصرة المدينة كاملة، وذلك تفادياً لفقدان المسلحين الأمل بالهروب او الإستسلام، ما قد يدفعهم الى خيار المواجهة حتى النهاية. وفي الوقت نفسه جعل المدينة مصيدة لجذب المسلحين اليها من مناطق سورية أخرى كالأرياف والمحافظات المجاورة، كل ذلك دون ان يتم فتح جبهة واحدة والتركيز عليها، بل إشعال بطيء لكافة الجبهات ومن مختلف الإتجاهات، ما يفوّت على المسلحين فرصة الحشد على جبهة واحدة ويوزع عديدهم وإمكانياتهم على كافة الجبهات. إضافة إلى ذلك، تقول المصادر، يسعى الجيش السوري على الجبهات المتنوعة الى تحقيق خروقات في كافة الإتجاهات وعلى كامل الجبهات، عبر سيطرته على النقاط الإستراتيجية من تلك المناطق وتدعيم وجوده فيها، وإفقاد تلك المناطق حيثيتها العسكرية والإستراتيجية لتسهيل ضرب دفاعات المسلحين ونقاطهم الإستراتيجية.
تصف المصادر هذا السيناريو بالـ"خردقة" لجبهة حلب، حيث سيؤدي الى خلق الثغرات عبر فتح الجبهات مداورة، في حين يستغل الجيش السوري تلك الثغرات للتقدم وتحقيق الإنجازات. فيتم فتح الجبهة الجنوبية الغربية تارةً إنطلاقاً من الريف الجنوبي، ثم جبهة الليرمون و جمعية الزهراء من الغرب، وما تلبث أن تهدأ حتى يتم إشعال الجبهة في الشمال والشمال الشرقي للمدينة لناحية المدينة الصناعية، لتنتهي الدورة شرقاً في هنانو وكرم الجزماتي.
تلك الدورة أثبتت قدرتها على تشتيت دفاعات المسلحين وتركيزهم، ومنحت الجيش السوري عدة ثغرات إستطاع التقدم منها. خاصة في اليومين الماضيين و بالأمس، حيث كان قبل يومين قد سيطر على قرية الشيخ زيات في ريف حلب الشرقي بالقرب من المدينة الصناعية، ثم تبعها بالأمس فرض سيطرة وتقدم في مقلع بيت جنيد ومحطة الكهرباء الفئة الثالثة في المنطقة الصناعية شمال شرق المدينة، الجبهة التي كانت هادئة نسبياً لأسابيع مضت كانت تتجه الأنظار فيها نحو الجبهة الغربية للمدينة (الليرمون وجمعية الزهراء).
ينتهي هذا السيناريو عند وصوله الى الإقتباس الحمصي فيه، حيث يقول المصادر، هذا السيناريو سيسهل عملية استسلام المسلحين وإقامة المصالحات التي ستكون الحل الأخير في حلب. وتضيف المصادر، أن عدداً كبيراً من مسلحي حلب وقادتهم قد وصلوا الى حالةٍ من اليأس النابعة من عدم قدرتهم على تغيير أيٍ من المعطيات الميدانية، وعدم فعالية ما حققوه في إسقاط النظام السوري، في وقت تزداد إنجازات الجيش وتقدمه، ومع "خردقة" الجبهات في حلب إضافة الى الخلافات المستشرية بين الفصائل والنقمة الشعبية على المسلحين في المدينة بسبب ممارساتهم، والقصف المستمر على مراكزهم وتجمعاتهم بشكل كثيف ودقيق، ستزداد هذه الحالة تطوراً، ومع فتح الجيش السوري لباب المصالحة والتسويات، أو حتى الفرار، سيدفعهم ذلك الى مجاراة مسلحي حمص والتسليم أو الفرار او الخوض في المصالحات والتسويات.
النهاية