السؤال:
ارجو التفضل باعطائي بعض الادلة على العدل الالهي؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول الشيخ السبحاني في الالهيات ج1 ص231. ذهبت العدلية إلى هناك افعالاً يدرك العقل من صميم ذاته من دون استعانه من الشرع انها حسنة يجب القيام بها او قبيحة يجب التنزه عنها ولو امر الشارع بالأولى ونهى عن الثانية فهو كاشف عما يدركه العقل ومرشد إليه وليس للشرع ان يعكس القضية بأن يحسن ما قبحه العقل او يقبح ما حسنه...
ثم ان القائلين بالحسن والقبح العقليين يقسمون الأفعال من حيث الاتصاف بهما إلى أقسام ثلاثة منها: ما يكون الفعل بنفسه علة تامة للحسن والقبح وهذا ما يسمى بالحسن والقبح الذاتيين مثل العدل والظلم فالعدل بما هو عدل لا يكون إلا حسناً ابداً ومتى ما وجد لابد أن يمدح فاعله ويعد محسناً وكذلك الظلم بما هو ظلم لا يكون إلا قبيحاً ومتى ما وجد ففاعله مذموم ومسيء ويستحيل أن يكون العدل قبيحاً والظلم حسناً.
وقد بحث العدلية مع غيرهم في ملاك كون الشيء حسناً أو قبيحاً فقالوا أن ما استحق من الافعال مدح فاعله عد عند العقلاء حسناً وما استحق منها ذماً عد عندهم قبيحاً وذلك بملاحظة كونه مشتملاً على نفع شخصي أو نوعي فيستقل العقل بحسنه ووجوب فعله او قبحه ووجوب تركه. وان شئت قلت: إذا وقع الفعل في اطار العقل البشري من دون فرق بين الأفراد ومع غض النظر عن أي شيء آخر غير الفعل نفسه وجده العقل موصوفاً بالحسن وقابلاً للمدح أو على العكس, وهذا كما إذا لاحظ جزاء الاحسان بالإحسان. فيحكم بحسنه وجزاءه بالإساءة فيحكم بقبحه فالعقل في حكمه هذا لا يلاحظ سوى نفس الموضوع من دون ان يتصور كونه يتضمن صلاحاً أو فساداً في مبحيث الحسن والقبح الذاتيين لا يهدف إلا إلى هذا القسم.
ولاجل زيادة البيان في تعيين محل النزاع بين الأشاعرة والعدلية نأتي بالتوضيح الآتي:
ان كثيراً من الباحثين عن التحسين والتقبيح العقليين يعللون حسن العدل والاحسان وقبح الظلم والعدوان باشتمال الأول على مصلحة عامة وباشتمال الثاني على مفسدة كذلك ولأجل تلك النتائج عم الأعتراف بحسن الأول وقبح الثاني الجميع ولكنك عرفت أن ملاك البحث أوسع من ذلك وان المسألة مركزة على لحاظ نفس الفعل مع غض النظر عن تواليه وتوابعه هل يدرك العقل حسنه او قبحه أولا؟ وهل العقل يمدح احسان المحسن بالإحسان ويذم جزاء المحسن بالإساءة أولا؟ وهل العقل بقبح تكليف الإنسان بما لا يطيقه أولا؟ وهل العقل يحسن عمل العامل بالميثاق أولا؟ فالنقاش على هذا الصعيد لا بالنظر إلى الاغراض والمصالح فردية كانت أم اجتماعية.
فالقائلون بالتقبيح والتحسين العقليين يقولون: ان كل عاقل مميز يجد من صميم ذاته حسن بعض الأفعال وقبح بعضها الآخر وان هذه الأحكام نابعة من صميم القوة العاقلة والهوية الإنسانية المثالية وإذا كان محل النزاع ما ذكرنا من ادراك حسن الفعل أو قبحه بالنظر إلى ذاته مع غض النظر عما يترتب عليه من التوالي فيقع الكلام في أن العقل كيف يقضي بالحسن والقبح وما هو الملاك في قضائه: إن الملاك لقضاء العقل هو انه يجد بعض الأفعال موافقاً للجانب الأعلى من الإنسان والوجه المثالي في الوجود البشري وعدم موافقة بعضها الآخر لذلك.
وان شئت قلت: انه يدرك بعض الأفعال كمال للموجود الحسي المختار وبعضها الآخر نقص له فيحكم بحسن الأول ولزوم الاتصاف به وقبح الثاني ولزوم تركه.
... وان مقتضى التحسين والتقبيح العقليين هو ان العقل بما هو يدرك ان هذا الشيء بما هو هو حسن او قبيح وان احد هذين الوصفين ثابت للشيء بما هو هو من دون دخالة ظرف من الظروف او قيد من القيود ومن دون دخالة درك مدرك خاص.
وعلى ذلك فالعقل في تحسينه وتقبيحه يدرك واقعية عامة متساوية بالنسبة إلى جميع المدركين والفاعلين من غير فرق بين الممكن والواجب فالعدل حسن ويمدح فاعله عند الجميع والظلم قبيح يذم فاعله عند الجميع وعلى هذا الأساس فالله سبحانه مدرك للفعل ووصفه ـ اعني استحقاق الفاعل للمدح او الذم ـ من غير خصوصية للفاعل كيف يقوم بفعل ما يحكم بأن فاعله مستحق للذم او يقوم بفعل ما يحكم بانه يجب التنزه عنه؟ وعلى ذلك فالله سبحانه عادل لأن الظلم قبيح ومما يجب التنزه عنه ولا يصدر القبيح من الحكيم, والعدل حسن ومما ينبغي الاتصاف به فيكون الاتصاف بالعدل من شؤون كونه حكيماً منزهاً عما لا ينبغي .
وان شئت قلت: ان الإنسان يدرك ان القيام بالعدل كمال لكل احد وارتكاب الظلم نقص لكل احد وهو كذلك ـ حسب ادراك العقل ـ عنده سبحانه, ومعه كيف يجوّز ان يرتكب الواجب خلاف الكمال ويقوم بما يجر النقص إليه؟.
وربما يقال أن كون الشيء حسناً او قبيحاً عند الإنسان لا يدرك على كونه كذلك عند الله سبحانه فكيف يمكن استكشاف أنه لا يترك الواجب ولا يرتكب القبيح؟
والأجابة عنه واضحة: وذلك ان مغزى القاعدة السالفة هو ان الإنسان يدرك حسن العدل وقبح الظلم لكل مدرك شاعر ولكل عاقل حكيم من غير فرق بين الظروف والفواعل. وهذا نظير درك الزوجية للأربعة فالعقل يدرك كونها زوجاً عند الجميع، لا عند خصوص الممكن، فليس المقام من باب اسراء حكم الإنسان الممكن إلى الواجب تعالى، بل المقام من قبيل استكشاف قاعدة عامة ضرورية بديهية عند جميع المدركين من غير فرق بين خالقهم ومخلوقهم ولا يختص هذا الأمر بهذه القاعدة بل جميع القواعد العامة في الحكمة النظرية كذلك.
وعلى هذا يثبت تنزهه سبحانه عن كل قبيح واتصافه بكل كمال في مقام الفعل فيثبت كونه تعالى حكيماً لا يرتكب اللغو وما يجب التنزه عنه وبالتالي فهو عادل لا يجور ولا يظلم ولا يعتدي ويشهد لما قلناه من عدله تعالى الكثير من الآيات القرآنية والروايات عن المعصومين عليهم السلام.
ودمتم في رعاية الله