SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز:
تتأرجح العلاقات الإيرانية ـ التركية. إتفاق رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان مع القيادة الإيرانية في طهران، في الثلاثين من كانون الثاني 2014، يهتز هو الآخر. مغامرة أنقرة في كسَب لم ترُقْ طهران. الخيوط الدقيقة التي تشكّل منها اتفاق طهران الأخير لا تتحمّل مغامرات طائشة قد تؤدي الى نسفه. هذا ما أبلغه الإيرانيون الى من يعنيهم الأمر في تركيا.
الأجواء الإيجابية التي زُوِّدت بها العلاقات الإيرانية ـ التركية خلال زيارة أردوغان الأخيرة الى طهران، مرشّحة للزوال. كان أردوغان قد أكّد من طهران أن إيران وتركيا ستبذلان جهوداً مشتركة لإعادة الاستقرار إلى المنطقة خاصة في ما يتعلق بالأزمة السورية. شدّد على أن إيران وتركيا تتحمّلان مسؤولية كبيرة في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة. توقّع رئيس الحكومة التركية أن يشهد العام 2014 ميلاد علاقات جيّدة وبنّاءة بين البلدين الجارين. لفت الى أن بلاده تشترك وإيران في آلية العمل لمواجهة الإرهاب، ويمكنهما التعاون في ما بينهما بشكل بنّاء في هذا المجال.
عشية الانتخابات البلدية التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، فتحت السلطات التركية جبهة كَسَب القريبة من الحدود. قالت الخارجية السورية في حينه إن القوات التركية قصفت الأراضي السورية لتأمين التغطية لدخول المجموعات التكفيرية المسلّحة من الأراضي التركية إلى داخل سوريا. بعد ذلك، أسقطت الدفاعات التركية مقاتلة سورية أثناء ملاحقتها المجموعات التكفيرية المسلّحة داخل الأراضي السورية في منطقة كَسَب في ريف اللاذقية.
بعكس ما ساد من تحليلات، لم يعتبر الإيرانيون الخرق التركي في كَسَبْ، حاجة أردوغانية لِكَسْب الإنتخابات البلدية، فقط. في الأساس، تقول مصادر على اطلاع على ملف العلاقات الإيرانية ـ التركية، إن الإيرانيين قرأوا الإختراقات عبر الحدود التركية لمنطقة كَسَب، على أنها خطوة من مجمل خطوات مُحَضَّرة في سياق عملية عرقلة إجراء الإنتخابات الرئاسية السورية.
التقديرات الاستخباراتية الغربية والإقليمية تشير الى انهيار الجماعات التكفيرية المسلّحة على امتداد الجبهات في سوريا. الانهيار الكبير يثير قلق العواصم الداعمة لهذه المجموعات. ليس القلق على مصير آلاف المسلّحين، بل على ارتفاع أسهم إجراء الانتخابات الرئاسية السورية في موعدها. عمليات الجيش العربي السوري متسارعة، ومساحات شاسعة تعود تباعاً الى سيادة الدولة. تقديرات الأجهزة الغربية في أعلى درجاتها: الرئيس بشّار الأسد ذاهبٌ الى انتصار انتخابي، بعد الانتصار العسكري.
من هنا، فَهِم الإيرانيون أن التحرّك التركي من جهة كسَب، يشكّل باكورة سلسلة عمليات مشابهة. بالون اختبار قد يقود في حال نجاح التجربة، الى فتح جبهات جديدة في أكثر من منطقة سورية. مسلسل الهزائم الكبرى التي أصابت الجماعات التكفيرية المسلّحة، جعل المحور الغربي ـ الإقليمي الداعم لهم، تحت ضغط الحاجة الى تصرّف سريع، وإنْ لم تكن نتائجه مضمونة.
تقول المصادر ذاتها، إن طهران حذّرت أنقرة من مغبّة التورّط في لعبة تغيير الواقع العسكري الجديد في سوريا. التحذير الإيراني وصل الى حدّ التلويح بإلغاء كل اتفاق تمّ التوصّل إليه خلال زيارة أردوغان الأخيرة الى طهران. علماً أن الطرفين اتفقا ـ من ضمن ما اتفقا عليه ـ على تطوير العلاقات الإقتصادية بينهما، وعلى تعاون مشترك بينهما لتصدير الغاز الإيراني. أردوغان عبّر عن أمله من إيران "بيته الثاني” كما قال، أن يكون عام 2014 مقدّمة للوصول إلى هدف النهوض في التبادل التجاري بين طهران وأنقرة ليتجاوز الثلاثين مليار دولار أميركي.. هذا أيضاً شمله التحذير الإيراني.
سأل الإيرانيون الأتراك إنْ كانوا قد غيّروا موقفهم من الاتفاق الذي تم في طهران. تقول المصادر إن الإيرانيين طلبوا من الأتراك الإعلان صراحة عمّا إذا كانوا يعتبرون الاتفاق لاغياً. في هذا الحالة، ستبادر إيران بدورها الى تغيير سلوكها تجاه تركيا. أُعلم الأتراك أن الإيرانيين قادرون على تنفيذ أي قرار يتخذونه في هذا الصدد. علماً أن لروسيا الموقف نفسه الرافض للتدخّل التركي في سوريا.
يعمل الإيرانيون والروس وحلفاؤهم في سوريا ولبنان على أساس أن الإنتخابات الرئاسية السورية قائمة في موعدها المحدّد في حزيران المقبل. تقول المصادر إن تطوّرات الميدان المتسارعة جعلت سوريا في وضع يسمح بإجراء الإستحقاق الرئاسي بأريحية. أما شعبياً، حيث الأغلبية المطلقة من الشعب السوري لم تغادر البلاد، فإن الإستطلاعات تؤكد حصول الرئيس بشّار الأسد على نسبة لا تقل عن الـ70% من أصوات السوريين، إنْ اتخذ قرار المشاركة في السباق الرئاسي.
حادثة حصلت خلال الحملة الإنتخابية لحزب العدالة والتنمية، تشكّل دليلاً على دقّة العلاقة مع تركيا. هاجم أردوغان، خلال مقابلة تلفزيونية، جماعة فتح الله غولن، واتهمها بأنها "تمارس التقية والخداع”، معتبراً أن ما تمارسه هذه الجماعة "خصال تنطبق على الشيعة”.
على الأثر، حُمّل سفير تركي في إحدى الدول العربية المجاورة لسوريا، رسالة عاجلة وشديدة اللهجة، من إحدى الفعاليات الحزبية الفاعلة الى أردوغان شخصياً. طُلب من السفير التركي إبلاغ أردوغان، بأن تصريحاته تمثّل إساءة ليس للطائفة الإسلامية الشيعية فقط، بل الى العلاقات الإسلامية ـ الإسلامية بشكل أعم. أُبلغ أردوغان أن في الإسلام الغاية لا تبرّر الوسيلة بالمطلق. أُفهم أن استقرار سوريا ضرورة، وفي الإسلام: الضرورات تُبيح المحظورات.
النهاية