هل يعلم الملك عبد الله الثاني ماذا يعني سقوط دمشق؟
لن ننظر الى ما قاله سفر اشعيا عن المدينة، بل ننظر الى خارطة الشرق الاوسط، ولعله قرأ ما كتبه ديفيد اغناثيوس» لكأنها حجارة الجليد على قطعة الشطرنج».دول وتذوب، وتتلاشى ، كما الجليد…
حتماً، لن نستعيد تلك المصطلحات القبلية « ملك للايجار»، و«مملكة للايجار». ربما لان السبب ان التاريخ عندنا، او الزمن عندنا، يباع كما الامتعة الرثة، على الارصفة. اغلبنا للايجار. قليلة جدا القامات و المقامات في هذا العالم العربي…
ولكن هل يصدق الملك ما قاله له صديقه بنيامين نتنياهو « يا صاحب الجلالة، لا حل، ولا تسوية، الا بأن تكون ملكا على سوريا». لم نأت بهذا الكلام من عندنا. لا بد ان عيون البلاط وآذانه المنتشرة في كل مكان قد علمت، واعلمته، بما يقال داخل مطابخ الصحف، وحيث ذهول الكثيرين من وضع المملكة هذه المرة في قبضة تل ابيب بعدما استنتج سليل الاسرة الهاشمية التي طالما تحدث الملك حسين عن قدرها التراجيدي، وعن كونه البطل التراجيدي، ان اسرائيل وحدها الثابتة في المنطقة، وانها هي التي تعد وتبر بوعدها(وبوعيدها) بعدما راح الاميركيون يتراقصون،وبعدما لم يعد من الانكليز سوى اللغة الانكليزية. لا تنسوا قبعات صاحبة الجلالة الملكة..
غريب كيف يتقيأ التاريخ نفسه. جده، اي الملك حسين، وعد ايضا بأن يكون ملك العراق، وملك سوريا والعراق، كما لو ان احدا لا يريد ان يأخذ الامثولة من تجربة الشريف حسين ولا من تجربة الملك فيصل الذي توّج ملكاً على سوريا ثم ازيح عن هذا المنصب برفة جفن..
وراء الضوء يحكى الكثير عن ذلك الطرح الاسرائيلي، فالسوريون يعانون من زمان من الحساسية حيال تركيا التي اذ وضعت يدها على لواء الاسكندرون، لا تزال تحكم بوضع اليد على حلب بل و على دمشق. هي التي زجت سوريا، وبكل حيويتها، بتلك الغيبوبة الكبرى التي دامت اربعة قرون..
لا يبدل في المشهد ان يكون المجلس الوطني، وبعده الائتلاف الوطني، قد اتخذ من اسطنبول مقرا له، وفي سياق خطة كانت ترمي الى ما ترمي اليه، وان كان رجب طيب اردوغان، وهو الذي يتنقل من مأزق الى مأزق، لا يزال يراهن على تغيّر دراماتيكي في المعادلات الدولية يتيح له التجول على الحصان العثماني إياه في حواري دمشق، مستعيداً، ربما ، صورة المشانق في ساحة المرجة.
بطبيعة الحال، لا احد يتصور ان يطلب من نوري المالكي، بأزماته التي تنؤ بها الجبال (والاودية ايضا)، ان يقبض على سوريا، وهو الذي لا يستطيع ان يقبض ولو على المنطقة الخضراء في بغداد. لبنان وحال لبنان الا اذا تمت ترقية هيفاء وهبي ، مثلا، الى رتبة ماريشال…
نتنياهو هو من يسعى الان، وعبر اللوبي اليهودي بل و عبر المؤسسة اليهودية، في الغرب، الى تسويق طرحه حول الحل الاردني للقضية السورية. يتردد ان ثمة قوى عربية تدرس المسألة بجدية، في اطار خارطة استراتيجية جديدة للمنطقة، بل وربما خارطة لاهوتية، بعدما لاحظ آرون ميلر القرابة « الابراهيمية» بين الكعبة وهيكل سليمان.
مثل الملك عبد الله الثاني، ثمة حكام عرب يعتبرون ان بنيامين نتنياهو اكثر صدقية( وفاعلية) بكثير من باراك اوباما الذي قرر، على كل حال، تزويد المعارضة بالاسلحة النوعية، من اجل تدمير ما تبقى من سوريا. و اذ يجري الحديث عن غرفة عمليات في الاردن، فالثابت ان غرفة العمليات الاساسية، او الحقيقية، في اسرائيل التي اكدت انها جاهزة لتأمين التغطية للجيش الاردني اذا ما شارك في الزحف الى دمشق او اذا ما امن المؤازرة اللوجيستية والعملانية لقوى المعارضة التي تجري على قدم و ساق عملية اعادة تركيبها…
ليست معركة درعا بل معركة دمشق. الاسرائيليون سيزودون المقاتلين بصواريخ مضادة للطائرات ، وهناك من يعتبر ان الحديث عن تزويدهم بصواريخ من صنع باكستاني ( انزا) هو للتمويه فقط، حتى ليحكى عن 40 ضابطا و عنصرا من «الجيش السوري الحر» على وشك انهاء تدريبهم في احد معسكرات الجيش الاسرائيلي.
لا بل ان بعض المعارضين في درعا يؤكدون انه طلب من القيادات التزام الصمت حيال طبيعة المعركة ومراميها «الكبيرة» لان ما سيحصل سيكون بمثابة مفاجأة هائلة للجميع…
المسألة ليست مستغربة الآن، ان في ضوء اللقاء الاستخباراتي الذي عقد في واشنطن، او في ضؤ اللقاءات التي تعقد حاليا ويشارك فيها ضباط عرب و اسرائيليون وباكساتنيون، اضافة الى ضباط اتراك بعدما ترددت معلومات حول دور لانقرة في بعض المناطق السورية يتزامن مع «عملية الجنوب».
ولعل المثير هو ما تشيعه اوساط المعارضة من ان الازمة في اوكرانيا ستؤدي حتما الى شل «العقل الاستراتيجي» لدى فلاديمير بوتين الذي يعرف ان امير كييف(فلاديمير ) هو من اقام روسيا المقدسة. و على هذا الاساس، لا بد ان يشيح بظله عن سوريا، كما لو ان موسكو لم تبلغ واشنطن بأن تزويد المعارضة بأسلحة نوعية يستتبع، فورا، الافراج عن صفقة طائرات الـ«ميغ-29» المتطورة، وتزويد الجيش السوري بطراز بالغ الفاعلية من الدبابات، فيما الايرانيون يتكفلون بنشر «العمى الالكتروني» في صفوف الزاحفين الى دمشق…
تزامنا مع الاستعدادات العسكرية اتصالات ديبلوماسية في غاية الحساسية. ثمة من اخذ علما بأن الاصرار على «معركة دمشق» يعني ان المنطقة عادت الى اجواء الحرب الكبرى. اكثر من رسالة وصلت لاصحابها. الايام العشرة المقبلة شديدة الاهمية في هذا المجال..
النهاية