SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز:
بعد عهد ما يسمى بالإصلاح مع بداية الألفية الجديدة، هرب الجلاّد "عادل فليفل” إلى استراليا خشية محاكمته، خصوصاً مع ارتفاع أصوات ضحاياه بالمطالبة بالاقتصاص لهم، لكنه عاد مرة أخرى مع صدور قانون 56 في العام 2002 الذي يحمي الجلادين، والذي قال عنه حقوقيون بأنه قانون يعترف ضمنياً بوجود "التعذيب” في البلاد بعدما ظلّت هذه القضية تواجه نكران السلطات الرسمية.
ليس خافياً إن قلنا أن سياط "فليفل” جرى على ظهور آلاف البحرينيين الذين ظلّوا يناضلون لعقود مطالبين بالكرامة والحرية والإصلاح، فالعقيد في جهاز أمن الدولة سيء الصيت كان أشهر الجلادين ضمن قائمة للجلادين يعرفها كل الشباب البحريني عن ظهر قلب، ولا زالوا يستذكرون فظاعات ووحشية أولائك الذين نزعوا الرحمة من قلوبهم، في تاريخٍ أسود لم يُسدل الستار عليه حتى الآن، بعد أن قرر الحكم في البحرين التمترس مع الجلادين والمُعذّبين.
يقول أحد ضحايا فليفل، الكاتب والشاعر البحريني علي الجلاوي في روايته "الله بعد العاشرة” متحدثاً عن قصته مع فليفل: "أخذ القلم وكتب على ورقة صغيرة كلمة الله، رفعها ليريني إياها، قائلاً ما هذا؟ تحرك رأسي إشارة إلى فهم الكلمة، ثم وضعها في الدرج وهو يقول: أين الله الآن؟… الله في الدرج وأنا هنا الآن. ثم سألني: هل تعرف من أنا؟ لم أجد جواباً أيضاً، لم أعرف إن كان هو الله، أو أحد آخر في دوره”.
"فليفل” الذي كان يضع (الله) في درج مكتبه في مبنى المخابرات، والذي أثقلت ظهره القضايا الأخلاقية والمالية، أسدل لحيته مؤخراً ليتحدث باسم الدين، ثم ليُكفّر ويُخرج المسلمين من اسلامهم، وقد أصبح بين ليلة وضحاها بوّاباً لجنان الله وحامياً لبيضة الإسلام، مستغبياً في ذلك الكثيرين من الذين ما عادوا يتذكرون أنه يمتلك مجموعة من أبرز المراقص في البلاد، منها "بار بيجيز” الشهير في منطقة العدلية.
شهادات ضحاياه.. موسوعة للتعذيب
يؤكد ضحايا فليفل بأنه رجل مبتكر، يتفنن في طريقة تعذيب ضحاياه، في كل يوم تلمع في ذهنه فكرة جديدة فيطبقها على الفور، ذات يوم غطى عيون المتهمين، ورماهم من السلّم، وكان يعلقهم على الأبواب ويأمر بجلدهم من دون رحمة.
يقول أحد ضحاياه في حديث مع الوسط: «في بداية الثمانينات أعتقل أخوتي جميعهم مع الثورة الإيرانية، كان عمري حينها 13 عاما، وفي نهاية العقد نفسه أعتقل أخي بحيث تعرفنا على فنون فليفل أكثر (…) استدعاني للتحقيق الذي لا يمتّ إلى التحقيق بصلة، فالتحقيق المتعارف عليه يكون على هيئة سؤال وجواب، في حين أن تحقيق «العقيد» يأتي على هيئة سؤال ولكمات من دون أدنى مساحة للجواب في حدود ما تعارف عليه البشر».
ويؤكد: «اعتقلوني وربطوني لمدة خمسة أيام ربطوا عينيّ ليلطمنى كل ضابط يطوف بي من دون أن يعلم من أكون أو ما سبب وجودي في ضيافتهم (…) وبعد ما جربت كل فنون التعذيب ابتداء من الفلقة مرورا بالتعليق وانتهاء بالحبس الانفرادي أقررت ووقعت بأن أمي وأبي (المتوفى) وكل عشيرتي يخططون لتنظيم مسيرة، عوضا عن أن ألقي أناسا آخرين في التهلكة وهم لا ذنب لهم، وفي غضون ذلك اعتقل أخي بتهمة التفكير في تنظيم مسيرة، إذ أن حتى مجرد التفكير جريمة في قانون «العقيد»!
ويضيف: «كان دائما يكرر سؤاله: «متى ستصبح عاقلا؟»، والعقل من منظوره أن يتخلى الفرد عن دينه وعقيدته وأخلاقه ويصبح نجسا حتى يرضى عنه ويعتقه».
أتهمني أيضا بتشكيل خلية سياسية داخل مدرسة مدينة عيسى للبنين فقط لأنني كنت أدرب الطلاب هناك على رياضة الجمباز (…) خسرت الكثير من الوظائف فقط لأنه يضعني في القائمة السوداء، وفصلت عن الجامعة بسببه. كثيرة كانت الجرائم التي ارتكبها هذا الرجل بحق شعب البحرين، وهذه التفصيلات التي يسوقها من عاشوا تحت وطأته سنوات وسنوات، ما هي إلا قطرات في بحر متلاطم يكتم الكثير من أسرار البطش والتنكيل.
من جانبه يقول ضحية آخر: "بقيت هناك إلى العام 1986، ليعاد اعتقالي في حوادث التسعينات من دون تهمة محددة، كان يقلب أوراقه القديمة فوجد اسمي بين القوائم الطويلة، كان عمر ابنتي حينها أربعة أيام، حكم عليّ بعشر سنوات بتهمة ملفّقة وخرجت مع العفو الشامل”.
ويشير: خلال تلك الفترة كان فليفل الذي يناديه رجاله بـ«أبو حسن» يحضر ولدي الذي لا يتجاوز الست سنوات وأمي ذات الـ60 عاما ليهددني بالاعتداء عليهما إذا لم أقر بالاتهام الذي ينسبه لي، كان يعلقني فوق الباب وأنا منهوك القوى تماما ويجعل ابني ينظر إليّ حتى أصيب بأزمة قلبية، كان يجعل أمي تمر بالقرب مني من دون أن تراني ليجعلني أرتعب عليها وأعترف بجرم لم أرتكبه، ويهددني دوما بالاعتداء على زوجتي.
ويواصل: «عندما ننكر التهم التي كان ينسبها إلينا أمام قاضي التحقيق، نعود إلى المربع رقم واحد من جديد وتبدأ رحلة التعذيب مضاعفة (…) لا أزال أتذكر كلمته الأخيرة عندما صدر العفو الشامل، قال لي بالحرف الواحد: "عذبتك قبل 20 عاماً، وأعذبك اليوم وبعد 20 عاما سأعذب أولادك”.
هذا غيض من فيض كان ضحايا فليفل يتعرضون له ويدفعون زهرة أعمارهم تحت سياطه الذي لم يبقي ولم يذر، ولا زالوا يطالبون بالانتصاف لهم ومحاكمة الرجل، إلا أن غياب العدالة وتمترس الحكم يحول دون ذلك.
حقبة لم تنتهي، لا زالت حاضرة في ذاكرة البحرينيين، واليوم بعد مضي عشرات السنوات، تحضر "البحرين عاصمة التعذيب” في واقع المواطنين مجدداً، لتكون شاهدة على منهجية لازمت مسيرة الحكم، وبقيت لحد الآن.
النهاية