السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاستدلال على مشروعية اللطم يتم من خلال نقاط:
أولاً:
إنّ الأصل في الأشياء: الإباحة، أيّ: أنّ كلّ شيء مباح حتّى يرد فيه حرمة
ونهي، لا كما يظهر من كلام من يعترض على اللطم من أنّ الأصل في الأشياء
الحرمة. فإنّ أصالة الإباحة أصل أُصّل في علم أُصول الفقه، فيه بحوث علمية
لا يعرفها أبناء المذهب المخالف - ويمكنك اطّلاعهم عليها - .. وعليه فإنّ
مدّعي الحرمة والمنع يحتاج إلى دليل، وليس العكس.
ثانياً: بل إنّ اللطم على الإمام الحسين(عليه السلام) مستحبّ؛ لأنّه بعد الأصل يدخل في إحياء شعائر الله (( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ )) (الحج:32)، ومن المعلوم لدينا دخول الشعائر الحسينية في شعائر الله، فإنّ يوم الحسين يوم من أيام الله بلا جدال.
ثالثاً: ولكن مع كلّ هذا فإنّ للشيعة أدلّتهم من الروايات، التي فيها
إقرار اللطم على الحسين(عليه السلام) والمعصومين(عليهم السلام)، كما ورد في
زيارة الناحية المقدّسة من فعل الفواطم: (برزن من الخدور، ناشرات الشعور،
على الوجوه لاطمات)(1)؛ إذ جاءت هذه الزيارة على لسان معصوم، فضلاً عن سكوت الإمام زين العابدين(عليه السلام) زمن الحادثة الدال على تقريره.
وأيضاً ما رواه الصدوق من أنّ دعبل الخزاعي لمّا أنشد الإمام الرضا(عليه السلام):
إذاً للطمت الخدّ فاطم عنـده ***** وأجريت دمع العين في الوجنات
لطمت النساء وعلا الصراخ من وراء الستار، وبكى الإمام الرضا(عليه السلام) حتّى أُغمي عليه مرّتين(2)، وفيه من التقرير والرضا ما لا يخفى؛ إذ لو كان فيه خلاف الشرع لأنكره(عليه السلام).
وفي
(التهذيب) عن الإمام الصادق(عليه السلام): (وقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود
- الفاطميات - على الحسين بن عليّ(عليهما السلام)، وعلى مثله تلطم الخدود،
وتشقّ الجيوب)(3).
وقال في (الجواهر): ((إنّ ما يحكى من فعل الفاطميات... ربّما قيل: إنّه متواتر))(4).
وفي
(اللهوف) لابن طاووس: إنّه لمّا رجع السبايا إلى كربلاء: ((فوجدوا جابر بن
عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم، ورجالاً من آل الرسول(صلّى الله
عليه وآله وسلّم) قد وردوا لزيارة قبر الحسين(عليه السلام): فوافوا في وقت
واحد، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد،
إجتمع إليهم نساء ذلك السواد، فأقاموا على ذلك أيّاماً))(5).
ومن المعلوم أنّ الإمام السجّاد(عليه السلام) كان معهم.
وروي في أحاديث كثيرة استحباب الجزع على الإمام الحسين(عليه السلام)،
وفسّر الإمام الباقر(عليه السلام) الجزع بقوله: (أشدّ الجزع: الصراخ بالويل
والعويل، ولطم الوجه والصدر)(6).
وغيرها من الروايات. أفبعد هذا يقال بالمنع من اللطم!!!
نعم إنّ ذلك مختصّ بالإمام الحسين(عليه السلام)، كما ذكر الفقهاء.
ولكن المانعين المدّعين لحرمة اللطم حاولوا إيراد أدلّة تدلّ على حرمة اللطم بالعنوان الثانوي، منها:
1- أنّه إلقاء في التهلكة، وقد قال جلّ وعلا: (( وَلاَ تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلَى التَّهلُكَةِ ))
(البقرة:195)، مع أنّ الآية ناظرة إلى التهلكة في الآخرة، ولو سلّمنا
فإنّه ليس في ما يفعله اللاطم تهلكة في الدنيا. وإن حدث حادث في بعض
الحالات النادرة، أي: إن مات أحدهم مثلاً، فإنّ ذلك لا يوجب التحريم أصلاً؛
فهو كما يتّفق في كلّ شيء مباح، مثل: ركوب السيارة مثلاً.
2- أنّه
إضرار بالنفس، والإضرار حرام، مع أنّه لم يثبت حرمة كلّ إضرار بالنفس، بل
الثابت حرمة ما يؤدّي إلى هلاك النفس، أو ما يؤدّي إلى ضرر بالغ. والعقلاء
يُقدِمون على الضرر القليل من أجل هدف أسمى وأكبر، بل قد يُقدِمون على أمور
فيها هلاك النفس من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها.
3- أنّ هذه الممارسات ومنها: اللطم، فيها توهين للمذهب.
وجوابه:
إنّ ذلك يختلف باختلاف المواقف، وإنّ تشخيص الموضوع يعود للمكلّف من صدق
التوهين هنا أو لا؟ ولو أردنا مجاراة كلّ من خالفنا وشنّع علينا ممارساتنا
الدينية بمثل هذه الحجّة لما بقى لدينا شيء، حتّى الحجّ والصلاة.
4- قد يعترض المخالف من أهل العامّة بأنّه بدعة، ولكن تعريف البدعة هو: إدخال في الدين ما ليس من الدين (أو ليس منه)(7)، وهو قد يطلق على ما كان محرّماً، وقد عرفت ممّا سبق الأدلّة على جوازه وأنّه من الدين.
ودمتم في رعاية الله