SHIA-NEWS.COM شیعه نیوز: أكد «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (03/08/2012) في مسجد الإمام الصادق (ع) بـ"الدراز" على أنَّ ما يجري هو استهدافٌ طائفيّ واضطهاد طائفيّ ترتكبه السّلطة، والطائفةٌ السنيّةُ بما هي طائفةٌ سنيّة بريئةٌ منه كلّ البراءة ولا ينبغي أبداً أن تتأثّر الأخوّة الإسلاميّة بين الطائفتين الكريمتين في هذا الوطن سلباً بمثل هذه السياسة العدوانيّة الخبيثة المفسدة.
وفي مايلي نص هذا الخطبة:
أُمَّةٌ مَجِيدَةٌ فِي مَهَبِّ الرِّيح:
الأمّة الإسلاميّة بما لها من كتابٍ إلهيٍّ لم يَمْسَسْهُ ما تعرّضت له الكتب الإلهيّة من قبله من تحريف، وبما بقي لها من حديثٍ ثابتٍ عن رسولٍ نبيٍّ أمين، وبما تمتلكه من مقوّمات الأمّة النّاجحة، أمّةٌ مجيدة وهي الأمّة المؤمَّلة لإنقاذ العالم الغارق في الجاهليّة من طغيان المأساة والأخذ به إلى شاطىء الأمان.
هذه الأمّة المؤمَّلة تضعها النّزاعات السياسيّة الدنيويّة والأطماع التسلطيّة الجاهليّة للعديد من الكيانات واستخدامها لورقة الدين في صراعاتها الدنيويّة واستفادتها من التعدديّة المذهبيّة وتأجيجها للرّوح الطائفيّةِ في مهبّ الرّيح وطريق التمزّق والتشظّي والذوبان.
تُقْدِمُ الأمّة في ظلّ هذا الواقع المرير على أخطر منزلقٍ يمكن أن تخسر فيه كامل قوّتها وهيبتها ومكانتها ووحدتها إلى أمدٍ بعيد. فتنةٌ عارمة تعدّت بداياتها بمسافةٍ مخوفة تعمّ الأمّة الإسلاميّة وتقسّمها القسمة التي تقود إلى احتراب فيه ضرر دينها وخسارة دنياها، وانهدام بنيتها، وسيولٌ من سيول الدم الحرام، وتمكينٌ أشدُّ لأعداء الأمّة من رقبتها ومصيرها.
تنطلقُ الفتنة المرعبةُ من أكثر من بؤرة، ومن أكثر من مكان، ويختلطُ فيها السياسيّ بالدينيّ بالطائفيّ، وتحرّكها السياسة الدنيويّة القذرة الآثمة التي لا مُقَدَّسَ عندها إلّا المصلحة الماديّة والتمدّد الماديّ والتعملقُ الماديّ والسيطرة الطاغوتيّة، ولا لذّة في نظرها كلذّة إذلال الآخرين. وكلّما تتبرقعُ به من شعاراتٍ دينيّةٍ ومذهبيّةٍ لا قيمةَ لها عندها وإنّما هي وسائلُ ومطايا تركبها من أجل أهدافها الدنيويّةِ الماديّةِ والسلطويّةِ القذرة، يعينها على ذلك فهمٌ خاطىءٌ للإسلام يصوّره أنّه دينُ هتكٍ وفتكٍ وإسرافٍ في القتل واستخفافٍ بقيمة الدم والإنسان، ويفصلهُ تمامَ الفصل عن خُلُقِ التفاهم والحوار والنُصْحِ والرحمة.
إنّ السياسة الدنيويّةَ الملعونةَ التي تنحرفُ بطبيعةِ الصراعِ من كونه صراعاً بين حكوماتٍ ظالمةٍ وشعوبٍ مظلومة، بين مُستكبِرِين ومُستضعَفين، بين من يُصادِرُ حريّةَ الآخرين ومن يصرّونَ على حريّتهم، إلى كونه صراعاً بين قوميّة وأخرى، وطائفةٍ وأخرى، ومذهبٍ وآخر. هذه السياسة مستعدّةٌ من أجل بقائها أنْ تُضحّي بكلّ وجود الأمّة ومَقْدُرَاتِها ومُقَدَّرَاتِهَا ومقدّساتها وكلِّ ما هو قوميٌّ ومذهبيّ وإشباعاً لنزعة التسلّط والاستبداد والتفرّد بالملك. سياسةٌ تستبيح كلّ وسيلةٍ قذرةٍ في سبيل بقاء مكاسبها الدنيويّة، وأنْ يُقتَل من يُقتَل من أبناء الأمّة أيّاً كان، وتسيل الدماء أنهارا، وتتخلّف الأمّة أحقابا، ويتراجع مستواها إلى مسافات، وأنْ تفقد مقوّمات نهضتها من جديد.
وهذا المفصل الحاسم من تاريخ الأمّة محتاجٌ أشدّ الحاجة إلى الوقوف بكلّ حزم من كلّ العقلاء والمخلصين من مختلف القوميّات والمذاهب والطوائف والتوجّهات التي تشكلّ وجودها في وجه هذا المخطّط الآثم الذي رسمته اليد المعادية للأمّة والإسلام من الخارج ويجري تنفيذه على يد القوى العاملة من أعداء الأمّة وجهلتها في الدّاخل، قضاءاً على الإسلام وإنهاءاً لوجود الأمّة.
أين العقلاء؟ أين الوعاة؟ أين المخلصون للإسلام؟ أين المشفقون على الأمّة؟ أين من يفهم الإسلام؟ أين من يهمّه أمره؟ أين هؤلاء كلّهم ;لينادوا بصوتٍ واحدٍ صارخِ رافض لمخطّط ضرب الأمّة بعضها ببعض وإنهاء وجودها على يد أبنائها [1] ؟
اضطهادٌ مكشوف:
الأساليبُ العدائيّة المُمَارَسَةُ ضدّ الشعب على يد الأجهزة الأمنيّة في تطوّرٍ متصاعد وتَفَنُنٍ مستمرّ، والمثير في هذه الأساليب بدرجةٍ أكبر كونها تنمّ عن حقدٍ واستخفافٍ بكلّ مقدّرات الشعب ومقدّساته، ولا تقيم شيئاً من وزنٍ لحرمةٍ من الحُرُمَاتِ التي يتعزّ بها.
وفي السياقِ المُتَصَاعَدِ للأعمال العدائيّة المستهترة ضدّ الشعب ما حصل أخيراً لعالمين جليلين من علماء البلد هم: «الشيخ إبراهيم الصفا» مديرُ حوزة "الغدير" و«الشّيخ محمد جواد الشهابي» مديرُ حوزة "الإمام الباقر عليه السلام"، من ملاحقةٍ وتوقيفٍ لسيارتيهما في الشارع للإبلاغ في إهانتهما والإصرار على أنْ يخلعا العمامة في أسلوبٍ فظٍ غليظ سافرٍ مستفزٍ ولغةِ تحقيرٍ وشتمٍ للأب والأمّ والطائفة وتهديدٍ للشخص إذا عاد لِلَبْسِ العمامة كما سمعتُ مباشرةً من أحدهما.
والعمليّة تجسّدُ صوةً علنيّةً صارخةً من الاضطهاد الدينيِّ والمذهبيّ الموجَّه، مصحوبةً بلغةٍ طائفيّةٍ بغيضة من جهازٍ حكوميٍّ غير متستّرٍ بجريمته، ومُنْطَلَقُ الجريمة سياسيٌّ ولا علاقة له بالتوجّهات الدينيّة والمذهبيّة لأبناء الشعب إلّا ما قد يُراد من بثّ الفتنة بين الأخوة من الطائفتين الكريمتين وما تحمله عناصرُ من داخل الأجهزة الحكوميّة من غِلٍّ في الصدور، وبرغم ذلك لا يمكن أنْ يَخْرُجَ هذا المسلسل العدوانيُّ المتصاعد وبصورته المكشوفة عن توجيهٍ سياسيٍّ مركزيٍّ مقصود مهما كانت دوافعه.
ولو لم تمثّل هذه الحوادث سياسةً مقصودةً للسّلطة لما بلغت هذا الحدّ الكبير من الكثرةِ ولما تلاحقت كلّ هذا التلاحق، ولما تراكمت بهذه الصورة وتصاعدت وتيرتها وتوسّعت ظاهرتها جهاراً نهارا، وكان أحسن ما تُواجَهُ به من مراكز السّلطة هو الصمت المشجِّع الذي يُعطي الضوء الأخضر للتمادي في الغيّ والتصعيدِ والتوسّعِ في العداون.
وإن كان المطلوب لمثل هذه الجرائم التي تُرْتَكَبُ في حقِّ أهل مذهبٍ معيّن وتستهدف هذا المذهب بعينه بالإهانة والاستهزاء أنْ يَتَّهِمَ الشيعةُ أخوتهم من أهل الشارع السنّي بشيءٍ من ذلك فلتيأس السّلطة من هذا الأمر كلّ اليأس؛ حتّى لو ارتُكِبَت هذه الجرائم سرّا، كيف وهي تُرْتَكَبُ علناً من أجهزةٍ حكوميّةٍ مكشوفة؟
نؤكّد أنَّ ما يجري هو استهدافٌ طائفيّ واضطهاد طائفيّ ترتكبه السّلطة، والطائفةٌ السنيّةُ بما هي طائفةٌ سنيّة بريئةٌ منه كلّ البراءة ولا ينبغي أبداً أن تتأثّر الأخوّة الإسلاميّة بين الطائفتين الكريمتين في هذا الوطن سلباً بمثل هذه السياسة العدوانيّة الخبيثة المفسدة.