SHIA-NEWS.COM شیعه نیوز:
العوامية تلخص قصة الثورة ضد النظام السعودي في المنطقة الشرقية، وتكشف أسرار العداء المتبادل بين أهالي المنطقة الشرقية والحكم السعودي في المنطقة.
طوال الأعوام الثلاثة الأخيرة لم تغب المدرعات والعربات المصفحة والرشاشات الثقيلة والمتاريس ونقاط التفتيش من شوارع العوامية وأحيائها السكنية، ولا تزال رايات قبور شهدائها ترفرف عند المدخل الجنوبي للبلدة في إشارة لإصرار الأهالي على تحدي السلطات ومواصلتهم الحراك الثوري كما يقول أحد نشطاء البلدة لـ"مرآة الجزيرة"
اكتسبت بلدة العوامية في محافظة القطيف شرق العربية السعودية شهرة في الاعلام المحلي والدولي خلال العامين الماضيين، كانت ولا تزال "عاصمة الثورة" كما يلقبها الأهالي، وتاريخيا ظلت العوامية عصية على الخضوع لأمراء الحكم السعودي، وبرزت فيها مقاومات واحتجاجات مستمرة منذ دخول الملك عبد العزيز آل سعود العام 1913 الى القطيف.
تعد ثورة الإمام الشيخ محمد بن ناصر آل نمر في العام 1347/1928 من أبرز حركات المقاومة والرفض التي شهدتها المنطقة ضد الحكم السعودي.
وكان للعوامية دور كبير وفعال في انتفاضة العام 1400/1979 التي اندلعت أحداثها في شهر المحرم وشملت المنطقة الشرقية من صفوى وحتى الأحساء، وخلال الانتفاضة والعام اللاحق قدمت البلدة شهيدين من أبنائها سعيد الزاهر وسعود الحماد سقط الأول برصاص الحرس الوطني فيما قتل الثاني تحت التعذيب في سجون المباحث السياسية.
كما شهدت العوامية في العام 1996 مواجهات عنيفة ضد اعتداءات السلطات السعودية على مزارع الفلاحين الفقراء في أرض الوقف الشهير المعروف بـ"الرامس" حيث دمرت التراكتورات التابعة لأجهزة الدولة عشرات المزارع وزرائب المواشي وبعض الأبنية، فكانت ردة فعل الأهالي حرق عدة سيارات تابعة للشرطة ولشركة أرامكو.
وفي العام 2002 شهدت العوامية عدة اعتصامات ومناوشات مع عناصر الأمن في أعقاب عمليات ردم واسعة طالت بحر البلدة ومزارعها الشرقية المطلة على الشاطئ "في وقف الرامس" لصالح انشاء مخططات عقارية لوكيل أعمال الأمير الراحل وزير الدفاع الأسبق سلطان بن عبد العزيز، واعتقل على ضوء الأحداث عدد من شباب البلدة بينهم الشاعر والناشط المعروف المعتقل حاليا عادل اللباد.
وتزامنا مع أحداث البقيع العام 2009 في المدينة المنورة التي اعتدت خلالها الشرطة الدينية والأجهزة الأمنية على النساء الشيعيات الزائرات لمقبرة أئمة أهل البيت (ع) وشهدت مواجهات بالعصي والسكاكين والآلات الحادة بين الزوار الشيعة ورجال الأمن ومئات المتشددين الوهابيين وأصيب واعتقل خلالها عشرات الشيعة، برز دور العوامية عبر صوت الرمز الشيعي البارز الشيخ نمر النمر (حفيد الامام الشيخ محمد آل نمر الذي ثار في وجه الملك عبد العزيز) مهددا السلطات السعودية باللجوء الى خيار الانفصال إن لم تتوقف عن انتهاكاتها وتعدياتها على الشيعة.
بعد أحداث الربيع العربي انطلقت في العوامية والقطيف مظاهرات واسعة تطالب بإطلاق سراح 9 معتقلين أمضوا حتى آنذاك 16 سنة رهن السجن دون محاكمات بتهمة الاشتراك في تفجيرات الخبر العام 1996 ولم تخلُ المظاهرات من الاشتباك مع القوات الأمنية حيث عمدت السلطات السعودية لإنزال ونشر مئات العناصر من قوات مكافحة الشغب التي تمركزت داخل مركز شرطة العوامية وفي مقر قوات الطوارئ ببلدة عنك جنوب القطيف.
وتطورت الأحداث تحديدا في أعقاب دخول الجيش السعودي الى البحرين لقمع ثورتها الشعبية تحت غطاء "قوات درع الجزيرة واتفاقية الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي" حيث تصدى الشيخ نمر النمر إلى رفض تدخل السعودية في البحرين واعتبره اعتداء مرفوضاً ضد شعب شقيق, في إشارة الى الروابط التاريخية والنسبية بين سكان البحرين والمنطقة الشرقية.
ومن بين 19 شهيدا قتلوا برصاص القوات السعودية منذ نوفمبر 2011 وحتى سبتمبر الماضي كان نصيب بلدة العوامية 10 شهداء خصصت لهم بقعة في مقبرة البلدة وأطلق عليها "جنة الشهداء" وزينت بالرايات والأعلام، ولا تكاد قبورهم تفتقد الزوار في أي يوم حيث يقدمون لهم الورود ويجددون معهم العهد على الانتقام لهم ومواصلة دربهم النضالي ضد الحكم السعودي.
بعد عجز السلطات السعودية عن وقف الاحتجاجات المستمرة وفشلها في محاصرة الانتفاضة الآخذة بالتصاعد بفعل الانخراط الجماهيري الواسع الذي بات يشارك ميدانيا في فعاليات وأنشطة الحراك الذي يقوده شباب يافعون، لجأت الداخلية السعودية في الأول من فبراير 2012 لإصدار قائمة بـ23 مطلوباً وصمتهم بالمخربين ومثيري الفتنة، ولم يكن مفاجئاً بحسب مراقبين للأحداث أن من بين الـ23 الذين أعلنت الداخلية أسماءهم 17 شخصا من بلدة العوامية، فيما ينحدر الستة الآخرون من بلدات مختلفة في محافظة القطيف.
ويعلل المراقبون الذين تحدثوا لـ"مرآة الجزيرة" أسباب عدم استغرابهم إلى رصد الأجهزة الأمنية السعودية حركة ونشاط شباب بلدة العوامية "الفعال والمؤثر" كما يصفونه في التظاهرات وأعمال الاحتجاجات ضد السلطات الحاكمة.
منذ مطلع فبراير 2011 ظلت مداخل ومخارج بلدة العوامية مطوقة بعناصر قوات الأمن ومدرعات الطوارئ والمهمات الخاصة, ومنذ أعلنت الداخلية قائمة المطلوبين الـ23 نفذت عشرات الاقتحامات العسكرية للبلدة، هاجمت خلالها بيوت المطلوبين وقتلت منهم اثنين هما الشهيدين خالد اللباد ومرسي الربح فيما اعتقلت أربعة آخرين محمد الشاخوري، حسين الربيع، عبدالله آل سريح وعباس المزرع.
ولا تزال حكاية مقاومة العواميين للوجود السعودي وصمودهم في وجه آلة القتل والاضطهاد مستمرة رغم الحصار الخانق، ورغم تساقط الشهداء، واعتقال العشرات منهم.
قبل اطلالة فجر الأربعاء الماضي فتحت بلدة العوامية عينها على نيران حريق يتصاعد من منزل يقع مقابل مركز الشرطة المطوق بالمدرعات، وذكر اهالي البلدة أن عمليات اطلاق الرصاص العشوائي لا تزال مستمرة منذ أكثر من عامين، وتسببت في عشرات الحالات المماثلة، حيث أدت لحرائق في عدة منازل وتهشيم زجاج البيوت والسيارات وإصابة المارة فضلا عن ترويع الأطفال والنساء.
وتؤكد العوامية استمرار نضالها فقد شاركت جموع من النساء والرجال مساء الجمعة الماضي في اعتصام احتجاجي بشعار "سنحطم قيد السجان" احتجاجا على المحاكمات الجارية ضد معتقلي المظاهرات حيث يصمونها بـ"المحاكمات الهزلية" ورفعوا خلال الاعتصام صور الشهداء والمعتقلين وصور الرمز الشيعي الشيخ نمر النمر، ويافطات تضمنت عبارات مناوئة للحكم السعودي.
النهاية