SHIA-NEWS.COM شیعه نیوز :
شیعة نیوز: إلا أن واقع الحال يدحض تصريحات المعنيين في الوزارة ويشير إلى مشكلات تتراكم على مدار اليوم وتؤثر على نشاطهم من حيث طول فترة الوصول إلى مكان العمل بسبب الانتظار فترة طويلة على مواقف الباصات وقلة عدد الباصات وعدم انتظار وصول الرحلات بين بداية الخط ونهايته، وكان السبب الأبرز الذي اشتكى منه المواطنون يتجلى باحتكار شركة نقل خاصة بمفردها لخط بالكامل من دون وجود جهة أخرى عامة أو خاصة تقوم بمنافستها على نقل ركاب هذا الخط، ما أدى إلى تحكم هذه الشركة بأوقات دوام العمل صباحاً ومساء والتقنين في عدد الباصات حسب حالة الازدحام أو عدمها متذرعة بحجج واعية.
حاولنا من خلال التحقيق الآتي معرفة الأسباب الكامنة وراء أزمة النقل الداخلي في دمشق وريفها ودور هيئة المنافسة ومنع الاحتكار وشركة النقل الداخلي في معالجتها.. وكان لرأي بعض الأكاديميين أهمية خاصة في تسليط الضوء أكثر على أسباب الأزمة وطرق معالجتها..
الربح أولاً
مدير عام شركة النقل الداخلي – نعيم نخال قال: إن باصات الدولة أفضل من باصات المستثمرين كمواصفات فنية، وأيضاً من حيث طريقة العمل على الخط وهذا الموضوع لا جدال فيه كونها تعمل بطريقة التواتر الزمني فيفترض أن يمشي الباص خلال فترة زمنية معينة (5دقائق تقريباً) بعد وصوله إلى آخر خط حتى لو لم يكن ممتلئاً لا توجد لدينا مشكلة لأننا نعلم أنه على طول الخط يوجد مواطنون ينتظرون الباص، مشيراً إلى أن القطاع العام الدولة تدعمه فلا يبحث عن ربح أو خسارة، بينما المستثمر لا يعمل بهذه الطريقة لأن عقليته هي عقلية صاحب السرفيس نفسها الذي لا يمشي من آخر الخط إلا وهو ممتلئ أو حاصل على عدد معين من الركاب، ما يؤدي إلى الازدحام داخل الباص عند صعود أي راكب على طول الخط لأن المستثمر يهمه الربح في المرحلة الأولى قبل خدمة المواطن مثله مثل أي تاجر.
ورأى نعيم أن شركات النقل الداخلي الخاصة تعمل ولها وجود فاعل، لكن للأسف لديهم تقصير ونحن دائماً نتواصل مع المستثمرين لنحد من كل المشكلات ولنعمل بطريقة أفضل لخدمة المواطنين.
عقوبات ولكن..
وعن احتكار بعض شركات النقل الداخلي لخطوط من دون السماح لشركات أخرى بالمنافسة، برر نخال ذلك بأن عمل أكثر من شركة على الخط نفسه أمر غير ممكن، ففي النتيجة يوجد عقد مبرم بهذا الخصوص ويجب الالتزام به فلا يمكن أن يوجد أكثر من مستثمر على الخط نفسه إلا بحالة تقصير المستثمر في تقديم الخدمة حيث نلجأ إلى الضغط عليه بمستثمر آخر، لكن الأوضاع الآن لا تسمح بذلك.
أيضاً وجدت طروحات من قبل المستثمرين بالرغبة في تخديم مدينة دمشق بالكامل.
وأضاف: إن الإجراءات التي يتم اتخاذها بحق شركات النقل الداخلي (الخاصة) المخالفة تتمثل بفسخ عقد الشركة في خط معين من الخطوط وليس بحق الشركة، فيوجد شركتان تم فسخ عقدهما تعملان على خط (مزة جبل- كراجات)، (ميدان- شيخ محيي الدين)،
وأشار إلى أن هناك فكرة مطروحة لا أعلم من يبت بها بأن تصبح بعض سيارات الخدمة العامة «التكسي» تعمل على طريقة السرفيس فيما يسمى (التكسي سرفيس) أي أن تصبح سيارة التكسي تعمل على خط معين ولها تسعيرة معينة للراكب، ولها كراجات معينة وأعتقد أن تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع سيخفف من الازدحام.
مخالفات الشركات الخاصة
ورداً على بعض المشكلات التي قمنا بعرضها عليه والتي يشتكي منها أكثر المواطنين، أوضح نخال أن مسألة الازدحام أمر طبيعي وموجود في كل دول العالم في بعض ساعات الذروة، وهو ليس مرتبطاً باحتكار كامل الخط لمستثمر واحد، إنما طريقة عمل المستثمر والظروف الموجودة على الأرض هي التي تلعب دوراً، أما غير الطبيعي فهو الازدحام خارج أوقات الذروة، ويجب ألا يكون موجوداً. أما قلة عدد الباصات في الفترة المسائية فهي نتيجة قلة عدد المواطنين الموجودين بعد الساعة 11 ليلاً إلى الربع عنه في الفترة الصباحية.
وأضاف نخال: إن عدم وصول باصات بانتظام إلى المواقف يتحكم به أكثر من عامل منها إشارة مرور، أو حادث يحجز خلفه أكثر من باص.. وأيضا عدم تشغيل المستثمرين عدد الباصات الكامل المفترض عملها، وأيضاً عدم تحريك السائق للباص حتى يمتلئ، وهذا يؤثر على الباصات الأخرى الواقفة خلفه، فهم عملياً أصبحوا خارج الخدمة ما يؤدي إلى حصول الازدحام داخل الباصات.
وبالنسبة لقلة عدد المقاعد وصغر حجمها، فإن كل باصات النقل الداخلي في العالم هي على هذا الشكل فلا يوجد باص نقل داخلي مقاعده مكتملة لأنها فقط وجدت للباصات المتنقلة بين المدن، فالمقاعد وجدت فقط (لشخص كبير في السن، أو يحمل أغراضاً) لكن للأسف التطبيق سيء على أرض الواقع..
أما عن ضيق المقاعد فباصاتنا مريحة وليست ضيقة بينما القطاع الخاص مقاعده أضيق كون باصاته أصغر حجماً ما يؤدي أيضاً إلى ازدحامه.
وأكد نخال ضرورة وجود حصالات آلية أو تعيين جاب لهذه المهمة، لكن إلى الآن لم يتم الالتزام بهذا الموضوع من قبل الشركات الخاصة على الرغم من توجيه أكثر من إنذار لهم، لكن أسوأ ما يمكن الوصول اليه الآن هو اللجوء إلى فسخ العقد لأنه سيؤدي إلى حصول مشكلة أكثر من أن يكون حلاً.
فوضى كبيرة في النقل الداخلي
الدكتور ستالين نجم الدين كغدو –رئيس الجمعية السورية للوقاية من حوادث الطرق: يرى أن النقل الداخلي يعمل في حالة فوضى عارمة حيث إن عدد الباصات غير كاف ولا يلبي الحاجة، ما يؤدي إلى الازدحام داخل الباصات، فيوجد تأخير وعدم التزام في الوصول، ويوجد فوضى في وقوف الباصات في غير المواقف الرسمية، فلا توجد ملاحقة وضبط من قبل الجهات المعنية، وهذا لا يتم فقط بإصدار قوانين وإنما التطبيق الجيد لها هو الأهم، فللأسف القوانين لا تطبق فمنظومة النقل الداخلي يجب أن تكون مضبوطة جيداً.
من جهة أخرى، فإن مشكلة المرور لا تحل بسبب ضيق الشوارع فتركيبة دمشق لا تحتمل ازدياداً في عدد الباصات ويجب حل المشكلة تحت الأرض، فمشروع الميترو الذي توقف كان من الممكن أن يحل مشكلة الازدحام حيث سيجعل الكثيرين يستقلونه ويستغنون عن سياراتهم.
بين السعر والخدمة
من جانب آخر يرى د.قيس خضر- أستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، أن قطاع النقل من القطاعات المهمة جداً لأنه يعد أوردة أو شرايين تعمل على نقل عمال الوحدات الاقتصادية سواء كان (منتجاً أو مستهلكاً، أو عمالاً، أو طلاباً، أو أفراداً) فالأمر في غاية الأهمية، ما يقتضي وجود يد حكومية ورقابة دقيقة على هذا القطاع بشكل خاص.
ويضيف فيما يتعلق بوجود المنافسة أو الاحتكار في هذا القطاع فبعض الأدبيات النظرية تذهب في اتجاهين:
البعض يحبذ الاحتكار إن كان من قبل الدولة على أن يدار بشكل جيد واقتصادي يستطيع ضمان سريان الوحدات الاقتصادية بشكل أمثل بين المناطق الجغرافية.
والبعض الآخر يدعو إلى المنافسة من حيث إنها ستعمل على تخصيص أفضل الموارد المتاحة ضمن الملاك ويجب التمييز ما بين المنافسة المدمرة والمنافسة البناءة، فتكون المنافسة بناءة إذا عملت على تخصيص الموارد بالشكل الأمثل والأفضل على مستوى البلاد، أي أن يكون هناك توزيع أمثل (للباصات والخطوط والمواعيد) على عكس المنافسة المدمرة التي تعمل على تخفيض الأسعار، مع تخفيض الجودة في سبيل إخراج بعض المتنافسين من السوق، أي المتنافسين الممتلئين مالياً ممن يمتلكون القدرة على فرض سطوة في السوق على المدى الطويل ويقومون بإخراج بقية المتنافسين ليبقوا وحدهم في نهاية المطاف، وذلك لتحويل المنافسة إلى احتكار على أن يقوموا بتعويض الخسائر التي تكبدوها في السابق من خلال تخفيض جودة الخدمة المقدمة.
ويوضح أن بعض الشركات تقوم باحتكار خطوط معينة، وتالياً الأسعار تبقى خارجة عن كونها عادية وأيضاً الخدمة المقدمة ليست بالجودة التي يفترض بها أن تكون فالحكومة يجب أن تكون أكثر تدخلية في هذا المجال. إذاً لا بد من وجود تناسب ما بين السعر والخدمة المقدمة فمثلاً: شخص يستقل باصاً للنقل الداخلي يدفع 10ل.س.. هذا السعر وإن كان بسيطاً لكن هل هو يتناسب مع الخدمة المقدمة؟
فعندما يصعد شخص لمسافة 200- 300 متر وهو في حال الوقوف من دون أن يستطيع حجز مقعد ويدفع المبلغ نفسه الذي يدفعه شخص آخر صعد من أول الخط لآخره، وهو في حال الجلوس، فهذا يعني أنه لا يوجد عدل بين السعر ونوع الخدمة التي يتم الحصول عليها، لذا يجب أن يكون هناك تخصيص أكثر من خلال زيادة عدد الباصات بما يتناسب مع عدد الركاب الموجودين وأن تكون هناك ضوابط وأن يكون هناك حد معين لأعداد الركاب في الباص سواء كانوا جالسين أو واقفين.
ويضيف: بالتأكيد إن كل دول العالم تعاني مشكلة الازدحام في أوقات الذروة لكن يجب أن يكون مؤقتاً ولا بد من وجود ضوابط وقواعد معينة تنظم عمله، فخط معين ممكن أن تكون الطاقة الاستيعابية له بين «15-30» باصاً، ولكي يتم ضمان أكبر ربحية من قبل بعض الشركات يتم تخفيض عدد الباصات حيث انه في لحظة من اللحظات يمكن ألا يوجد ركاب على الخط.
أمر غير مقبول
وقال خضر: إن النقل الداخلي له استراتيجية وأسس للدراسة حيث إنه يوجد ما يسمى النقل من مكان إلى مكان فيجب أن تكون هناك مرونة في نقل الباصات من خط إلى آخر في لحظات الذروة.
ويضيف خضر: إن المنافسة الحرة هي التي لا وجود للتدخل الحكومي فيها لكن قطاع النقل لا يفضل ولا بأي جانب من الجوانب أن تترك فيه المنافسة حرة بالمطلق لأن هذا القطاع مدعوم شاء أو أبى القطاع الخاص سواء بالوقود أو الطرقات.
وأحياناً الفساد يكون إما في التنفيذ وإما في التخطيط، فعندما يقوم مسؤول بإبرام عقود مع مستثمرين في خطوط النقل من دون مراعاة القدرة على التحكم في هذا العقد في المستقبل عند عدم التزام الطرف الآخر بتنفيذ واجباته ويجب الانتظار فترة معينة حتى ينتهي العقد فهذا فساد تخطيطي في وضع صيغة العقد حيث إنه لم يستطع حماية نفسه كجهة حكومية من المستثمر فأين تكمن قوة الدولة وسيطرتها على قطاع حيوي مثل النقل الداخلي أيضاً عندما تكون لدينا دائماً مشكلة ازدحام فهذا يعني أن العقد كله غير ناجح، فغياب المنافسة مع احتكار من قبل جهة معينة أمر غير مقبول.
ويؤكد إن الهوية الحقيقية للنقل الداخلي في سورية تكون احتكار قلّة وهذا لا أظنّه من الأمور المحببة حالياً ويجب التدخل أكثر من قبل الدولة من أجل وضع العربات على الطريق الصحيح من ناحية تخصيص عقود لتشغيل باصات النقل الداخلي ومن ثم مراقبة الالتزام بالتنفيذ وأن تكون لديها القدرة على إلغاء العقود في أي لحظة يخلّ بها مزوّد الخدمة.
بانتظار تدخل هيئة المنافسة
د.أنور علي مدير عام الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار، يقول: إن الهيئة لا تتدخل في البداية في العقود التي تبرم ما بين الوزارات وبعض جهات القطاع الخاص، لكن عند تطبيق هذه العقود من خلال تقديم خدمات معينة أو سلع معينة إذا اتضح أن هذه الخدمة لا تتوافق مع أحكام قانون المنافسة ومنع الاحتكار فإننا نتدخل في هذا الشأن من خلال الهيئة مباشرة والكادر الفني من عناصر الرقابة والأبحاث الموجودين لدينا ومن ورود بعض الشكاوى التي تصلنا من أي جهة كانت، فنأخذ هذه الشكاوى ونقوم بالتدخل مع الجهة العامة لنقف على واقع الحال ولمعرفة مدى تأثير هذه الخدمة في المواطنين ومدى التحكم من قبل بعض الأشخاص ذوي الصلة بأسعار هذه الخدمة.
وأضاف: في مرحلة من المراحل كانت الشكوى كبيرة من قبل المواطنين في موضوع النقل الخاص على (الميكرو) الذي فيه أضعف وسائل الأمان للمواطنين والمستثمرين له، لذلك تم التشجيع على إقحام القطاع الخاص لتقديم هذه الخدمة وللحد من النفقات الكبيرة التي يتحملها بعض آليات القطاع العام خلال مرحلة معينة، مشيراً إلى أن العقود مبرمة ما بين وزارة النقل، وهذه الشركات والسعر متفق عليه ومحدد بينهم وبين المحافظة المعنية بتخديم هذه الخطوط.
ويرى أن عدم وجود خطوط مخدمة من أكثر من شركة، يتبع سياسة استيعاب محددة لدى وزارة النقل وهذه الشركات، فبعض الخطوط لا تستوعب أكثر من شركة لتخديمها، ولكننا نلاحظ أيضاً أنه في بعض الخطوط توجد أكثر من شركة موجودة وتخدم هذه الخطوط.
ويؤكد أن الاحتكار قد يكون مطلوباً في بعض الأحيان إذا لم يصل إلى نسبة معينة، في حال يقوم بخدمة المواطن بمعنى (أن يخدّم الخط أفضل من أن يترك بلا تخديم لتزاحم المواطنين) وذلك بإقحام شركة معينة في البداية ثم شركة أخرى فنحن نسعى إلى تعزيز ثقافة المنافسة وتقديم التسهيلات لكل الشركات الراغبة في الاستثمار، ونتدخل في حال وجدنا أن وزارة النقل تقوم بوضع العوائق وبعض الشروط القاسية التي لا تسمح بدخول منافسين جدد إلى السوق وهو أمر لا نقبل به.
وقال: في رأيي إن قطاع النقل في سورية جيد ومتوفر وأجور النقل هي أرخص أجور نقل في العالم.. يمكن أن يكون قطاع النقل في ضائقة لأسباب عدة منها المحروقات، لكن كل هذه الأمور هي أمور استثنائية والازدحام موجود، لكن إن شاء الله الحكومة تسعى لوضع كل السبل للتخلص من هذه الاختناقات المروية.
حتى فيما يتعلق بسيطرة بعض الشركات على بعض الخطوط فنحن نعمل من خلال دراسات ميدانية منطقية وإذا وجدنا حالة احتكارية فبالتأكيد سنحد منها ولن نقبل بها أصلاً.
المصدر: التشرین