SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آله الهداةِ المعصومين…
رجب شهر العطاء الروحي:
شهر من أغنى الأشهر بعطاءاته الإيمانية والروحية والثقافية وقد وردت في فضله وقيمته وثواب العمل فيه روايات كثيرة، وشهر رجب أحد الأشهر الحرم الأربعة، ويسمى رجب الأصب لأنَّه تُصبُّ فيه الرَّحمةُ والمغفرةُ من الله سبحانه إلى العباد.
• في رواية عن النبي صلَّى الله عليه وآله قال:
«ألَا إنَّ رجبًا شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي».
• وعن أمير المؤمنين عليه السَّلام قال:
«رجب شهري وشعبان شهر رسول الله، وشهر رمضان شهر الله عزَّ وجلّ».
والسؤال المطروح هنا: كيف نستثمر عطاءات هذا الشهر الرُّوحية والثقافية؟
لكي نحقق ذلك نحتاج إلى:
(1) الاستعداد الروحي:
لا يمكن أنْ نتغذَّى بعطاءات هذا الشهر الروحية ما دامت أرواحنا غير مهيئة وغير معدَّة.
ولكي نُهيئ ونعد أرواحنا يحب أن نتوفَّر على ثلاثة عناصر، أكتفي في هذا الحديث بمعالجة: (العنصر الأول) وهو الإخلاص لله سبحانه.
الإخلاص لله تعالى هو مفتاح الولوج إلى الروح، لا تنفتح الروح على إشراقات الفيوضات الرَّبانية ما دامت النيَّة ملوَّثة وغير مخلصة، ولن يحظى العبد بشيئ من الروحانية إلَّا إذا صدقت نيَّته مع الله سبحانه.
وصدق النيَّة مع الله ليس دعاوى ولا كلمات ولا شعارات، فالله سبحانه مطَّلع على السرائر يعلم الصَّادق والكاذب ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ {النحل/19}، ﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ﴾ {الممتحنة/1}، ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ {طه/7}.
فهل يملك أحدنا أنْ يتستر بنيته عن الله سبحانه، نملك أنْ نتستر، نتخفَّى عن الناس كلّ النّاس، ونظهر خلاف ما نبطن، ويصدقنا النَّاس، وينخدع بنا النَّاس، ويقدِّسنا، ويعظِّمنا النَّاس.. إلَّا أنَّنا عند الله لا نساوي شيئًا، ولا قيمة لنا، لأنَّنا لسنا صادقين مع الله سبحانه «إنَّ العبد لينشر له من الثناء ما بين المشرق والمغرب ولا يساوي عند الله جناح بعوضة».
ما قيمة هذه الشهرة، وما قيمة العناوين الكبيرة، وما قيمة الضجيج، والإعلام، وكلّ بهرجات الدُّنيا، إذا كان ذلك سرابًا كاذبًا، إذا كان ذلك ريفًا وتضليلًا وخداعًا.
وربَّ إنسانٍ مغمورٍ، مهمولٍ، بعيدٍ عن كلِّ الأضواء، وكلِّ العناوين، وكلِّ الضجيج، هو عند الله عظيم عظيم، وهو عند الله كبير كبير.
صانعوا وجه الله تكونوا العظماء عند الله ولا عظمة إلَّا العظمة التي يصنعها الله لأنَّه لا عظيم إلَّا الله تعالى، وكلّ الذين يتقمصون العظمة كذبًا وزورًا وينازعون الله رداء العظمة مآلهم إلى الخزي والذِّلة والمهانة في الدُّنيا والآخرة.
كم حاول فرعون أنْ يتقمَّص العظمة، وكم حاول أنْ ينازع الرَّب العظيم حتَّى في عنوان الربوبية، فقال كذبًا وزورًا وبهتانًا ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ {النازعات/24}، ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي…﴾ {القصص/38}.
فماذا كان مصيره في الدُّنيا قبل الآخرة؟
﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {*} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ {يونس/90-91}.
وكم في التاريخ الماضي والحاضر من نماذج ملأوا الدنيا طغيانًا، وفسادًا، وعبثًا، وملكوا البلاد والعباد، ونشروا الرُّعب والخوف، وسفكوا الدماء، وهتكوا الأعراض، واستعبدوا الشعوب، وقالوا: نحن الأرباب والأسياد، وفعلوا ما فعلوا.
فماذا كان مصيرهم؟ وما هي نهايتهم؟ إنَّهم عبرة لمن يعتبر، وتذكرة لمن يذكر، ودرس لمن يتبصر.
إذًا كلّ العناوين الكاذبة تنتهي، وكلّ الضجيج الزائف يتلاشى ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ﴾ {الرعد/17}.
أيُّها الأحبَّة ابحثوا عن مواقع العظمة عند الله، ابحثوا عن عناوين يصنعها الله لا يصنعها النَّاس.
هنا تأتي القيمةُ كلّ القيمة للإخلاص الصَّادق مع الله، لا قيمة أنْ نكون أولياء وقديسين وملائكة عند الناس، إذا كنَّا عصاةً وفساقًا وشياطين عند الله.
وما يضرنا أنْ يسمينا النَّاس غاوين وضالين وشياطين إذا كنا عند الله أخيارًا وأبرارًا وصالحين.
المهم أنْ لا يكون ظاهرنا أكبر من باطننا فنكون من الخاسرين عند الله يوم الحساب «مَنْ كان ظاهره أكبر من باطنه خفَّ ميزانه يوم الحساب، ومن كان باطنه أكبر من ظاهره ثقل ميزانه يوم الحساب».
كلّ أشكال الشهرة المزيفة مرفوضة في معايير الدِّين الحقّ، مهما كان طابعُها علميًا أو ثقافيًا أو اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا، بل حتَّى لو كان دينيًا، والشكل الأخير من الشهرات المزيَّفة والذي يتمظهر بالدِّين كذبًا وزورًا وهو أخطرها وأسوءها وأشدّها استنكارًا في نصوص الدِّين، وأكثرها خسرانًا في ميزان الآخرة.
وجاء في الحديث:
«أولُ ما يُسأل يوم القيامة ثلاثة:
رجلٌ آتاه اللهُ العلم، فيقول الله تعالى: ما صنعت فيما علمتَ؟
فيقول: يا ربِّ أقوم به أناء الليل والنهار.
فيقول الله عزَّ وجلَّ: كذبتَ، وتقول الملائكة: كذبتَ بل أردت أن يقال فلان عالم ألا فقد قيل ذلك.
ورجل آتاه الله مالًا، فيقول الله تعالى: قد أنعمتُ عليك فماذا صنعتَ؟
فيقول: يا ربِّ كنت أتصدَّق به أناء الليل والنهار.
فيقول الله عزَّ وجلَّ: كذبتَ، وتقول الملائكة: كذبتَ بل أردت أن يقال فلان جواد، ألَا فقد قيل ذلك.
ورجل قُتل في سبيل الله، فيقول الله تعالى: ما صنعت؟
فيقول: أمرتَ بالجهاد فقاتلت في سبيلكَ حتَّى قُتلتُ.
فيقول الله عزَّ وجلَّ: كذبتَ، وتقول الملائكة: كذبتَ بل أردتَ أن يقال فلان شجاع، ألَا فقد قيل ذلك.
- انتهى الحديث – .
ما قيمة هذه العناوين الأخاذة الباهرة الكبيرة إذا كانت تخفي دوافع غير نظيفة وغير خالصة لله تعالى.
والمسألة لا تقتصر على شهرة علمية أو شهرة اقتصادية أو شهرة جهادية…، بل حتَّى لو كانت شهرة عبادية، ما دامت غير صادقة.
• روي عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله أنَّه قال:
«يؤمر برجال إلى النَّار فيقول الله جلَّ جلاله لمالك: قل للنَّار لا تحرق لهم أقدامًا فقد كانوا يمشون إلى المساجد…
ولا تحرق لهم وجوهًا فقد كانوا يسبغون الوضوء، ولا تحرق لهم أيديًا فقد كانوا يرفعونها بالدعاء، ولا تحرق لهم ألسنًا فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن…
قال: فيقول لهم خزنة النَّار: يا أشقياء ما كان عملكم؟
قالوا كنَّا نعملُ لغير الله عزَّ وجلَّ فقيل لنا: خذوا ثوابكم ممَّن عملتم له».
أيُّها الأحبَّة: إنَّنا أمام أشهر عظيمة (رجب، شعبان، شهر رمضان) وهي محطات كبيرة للتعبئة الروحية، وأهمُّ وأعظم منتج يجب أنْ نعمل لإيجاده في هذه الأشهر الكريمة هو (الإخلاص الإخلاص الإخلاص).
للحديث تتمة إنْ شاء الله تعالى…
رجب شهر المناسبات:
هذا الشهر غني بالمناسبات الكبرى…
في هذا الشهر (يومُ البعثةِ النبوية) أعظم يومٍ في تاريخ الدُّنيا، حيث أشرقت نورُ الإسلام، أعظم رسالةٍ في تاريخ الرسالات، وحيث بدأت (النبوة الخاتمة).
في هذا الشهر (حَدَثُ الإسراءِ والمعراج) على رأي طائفة كبيرة من المسلمين، وهذا الحَدَثُ إعجازٌ كوني تحدَّى قدرات الإنسان، ولا زال يتحدَّى كلَّ منجزات العلم وإمكاناته.
بدأت رحلةُ الإسراء والمعراج من مكة، مرورًا بالمسجد الأقصى في فلسطين، وعروجًا إلى السَّماء حيث ﴿دَنَا فَتَدَلَّى {*} فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى {*} فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ {النجم/8-9-10}، وانتهاء بمكة المشرفة.
في هذا الشهر (ولادة عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين) الرجل الثاني بعد النبي الأعظم صلَّى الله عليه وآله في تاريخ الدعوة، وكانت هذه الولادة حدثًا لافتًا في تاريخ الولادات، حيث تمَّت في جوف الكعبة، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله تعالى سواه…
في هذا الشهر كانت ولادة الإمام محمد الباقر عليه السَّلام، الإمام الخامس من أئمَّة أهل البيت عليهم السَّلام، وكانت ولادة الإمام محمد الجواد عليه السَّلام الإمام التاسع من أئمَّة أهل البت عليهم السّلام.
وكانت ولادة الإمام عليّ الهادي عليه السَّلام الإمام العاشر من أئمَّة أهل البيت عليهم السَّلام.
في هذا الشهر شهادة الإمام الكاظم عليه السَّلام.
في هذا الشهر كانت شهادة الإمام الهادي عليه السَّلام.
في هذا الشهر وفاة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليها السَّلام، بطلة كربلاء.
هذا حشدٌ من المناسباتِ الغنية بقيمتها الإيمانية والرُّوحية والثقافية والتاريخية والاجتماعية.
فكم استطعنا أنْ نُعطي لها حضورها في كلِّ واقعنا؟
وكم استطعنا أنْ نوظِّفها في بناء أجيالنا؟
وربَّما شكَّلت هذه المناسبات رافدًا كبيرًا لإنتاج الشحن العاطفي والوجداني، وهذا أمرٌ في غاية الأهميَّة، فانتماء لا تغذِّيه مشاعر وجدانية انتماء فاترٌ وراكدٌ وخاملٌ وجافٌ.
فهذه المناسبات ثورة كبرى يمتلكها التاريخ الشيعي استطاعت أنْ تجذِّر (الولاء) لخط الأئمَّة من أهل البيت عليهم السَّلام.
إلَّا أنَّ المهمة الأصعب، كيف نحوِّل هذا الرصيد الكبير جدًا من العواطف الولائية إلى (منتجات عملية) تصوغ وعي أجيالنا، وترشِّد كلَّ مسارات حياتهم، وتُنشّط كلَّ ما لديهم من قدرات رسالية.
من السهل جدًا أنْ نملأ جماهيرنا حماسًا وعاطفةً…
ولكن من الصعب جدًا أن نملأ عقولهم وعيًا، ورشدًا وبصيرة…
ومن الصعب جدًا نعبِّأ حياتهم بالقيم، والمثل، والتقوى، والصلاح، والاستقامة…
ومن الصعب جدًا أنْ نحوِّلهم دعاةً رساليين، مبدئينن مجاهدين، مضحين…
فمناسباتنا في حاجة إلى مراجعة ومحاسبة بشكلٍ دائم ومستمر، لكي تبقى روافد عطاءٍ وبناءٍ وتغييرٍ، ولكي تبقى مواقع حراكٍ متواصل، وصيرورة متجدِّدة، ومحطَّات تعبئة إيمانية وروحية وجهادية ورسالية…
جناية كبرى في حقِّ هذه المناسبات أنْ نُعطَّل رسالتها ودورها، لتتحوَّل شكلًا، وصورةً، ومظهرًا، وعنوانًا، ولكن على حساب المضمون، والواقع، والفعل، والممارسة…
مؤتمر الحوار بين الحضارات… وبعض التساؤلات:
كبيرٌ جدًا، وجميلٌ جدًا، وخطيرٌ جدًا عنوان (مؤتمر الحوار بين الحضارات والأديان والثقافات) هذه مسألة لا يختلف أحدٌ ممَّن يملك بصيرة وضميرًا وقيمًا دينية وإنسانية وحضارية أنَّها ضرورة في مرحلة تنوعت نوازع الشر والحقد والكراهية وتعدَّدت منتجات المعارك والصراعات والخلافات والتي تهدِّد مكوِّنات المجتمع البشري وتغذِّي كلَّ أشكال العنف والتطرُّف والإرهاب…
إلَّا أنَّه من حقِّ أبناء هذا الوطن الذي يستضيف هذا الملتقى الكبير بعنوانه وأشخاصه، من حقِّ هؤلاء أنْ يطرحوا بعض تساؤلات أمام هذا المؤتمر.
تساؤل يقول: ألم يكن من اللائق تأكيدًا لشيئ من المصداقية لهذا المؤتمر أنْ يتوقَّف خطاب الكراهية الذي تحمله منابر وصحافة وإعلام ويُمثِّل رأي السُّلطة على الأقل في أيام المؤتمر يجب أنْ يتجمَّد هذا الخطاب.
تساؤل آخر: هل سيكون لهذا المؤتمر بعضُ عطاء على هذا الشعب؟
يمكن أنْ يلامسنا بعض الأمل لو سمعنا كلمةً جادَّةً وصادقةً تقال في هذا المؤتمر تلامس معاناة هذا الشعب، وتحاول أنْ تعالج شيئًا من محنته وآلامه…
تساؤل ثالث: في هذا البلد علماء كبار وشخصيات ثقافية وعلمية وأدبية ينتمون إلى المكوِّن الشيعي، هل وجد لهؤلاء حضور أو على الأقل هل دُعُوا للحضور؟
تساؤل رابع: هل يقوى الخطاب الرَّسمي أنْ يقنع حُضَّار هذا المؤتمر بأنَّ البحرين نظيفة من كلِّ أشكال التمييز والاضطهاد الطائفي؟
تساؤل خامس: كيف سيبرِّر الخطاب الرَّسمي في هذا المؤتمر غياب الحوار الجادِّ الحقيقي القادر على إنقاذ البحرين من المأزق السِّياسي المُرعب؟
تساؤل سادس: هل سيكون في قرارات هذا المؤتمر ما يحاول أنْ يقارب أزمات هذا الوطن الطائفية والسِّياسية والأمنية؟ بكلِّ حيادية وإنصاف وصدقية وجدِّية؟
تساؤل سابع، وثامن، وعاشر…
إلى آخر التساؤلات…
هذه مجرد تساؤلات…
نتمنى لهذا المؤتمر السَّداد، ونأمل من المشاركين أنْ لا يخذلوا هذا الشعب، وأنْ يكونوا الأمناء على خطاب المحبَّة والتسامح…
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.