في دراسة لمركز أبحاث الأمن القوميّ في تل أبيب، المُرتبط بالمؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة، أكدّ مُعّد الدراسة، الدبلوماسيّ الإسرائيليّ الأسبق، عوديد عيران، على أنّ التحالف التاريخيّ بين العربيّة السعوديّة وأمريكا، الذي بدأ في شباط (فبراير) من العام 1945، أيْ قبل سبعين عامًا، في طريقه إلى الزوال، لافتًا إلى أنّ الخلافات بين الرياض لا تقتصر على الموقف من إيران وإسقاط الرئيس السوريّ، د. بشّار الأسد، إنّما في الحقيقة يكمن الخلاف المفصليّ بين الدولتين بسبب توجّس حكّام الرياض من أنّ الولايات المتحدّة الأمريكيّة بحلول العام 2016 ستُنتج في السنة الواحدة 10 ملايين برميل نفط يوميًا، أكثر من الإنتاج السعوديّ في العام 2013.
وشدّدّ عيران على أنّ معادلة النفط مقابل الحماية الأمنيّة، لم تعُد تقريبًا قائمة، وهو الأمر الذي دفع العائلة الحاكمة إلى البحث عن دولة عظمى تحميها، لكنّه أشار إلى أنّه لا توجد أيّ دولة عظمى قادرة على ملء الفراغ الذي ستتركه واشنطن.
وجاء أيضًا في الدراسة إنّه على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسيّة عادية بين إسرائيل والسعوديّة، إلا أنّ المصالح المشتركة بينهما، منع إيران من الوصول إلى القنبلة النوويّة ومنع الجمهورية الإسلاميّة من التحوّل لدولة عظمى في المنطقة، أدّت في الآونة الأخيرة إلى تقارب كبير بين الرياض وتل أبيب، وعلى الرغم من أنّ السعودية تشترط التقدّم في المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين لتحسين علاقاتها مع الدولة العبريّة، فإنّ هناك بونًا شاسعًا بين وجود علاقات دبلوماسيّة كاملة وبين القطيعة التامّة بين الدولتين، الأمر الذي يمنحهما الفرصة للعمل سويةً بعيدًا عن الأنظار.
وأشارت إلى أنّ الاطلاع على وثائق (ويكيليكس) تؤكّد لكلّ من في رأسه عينان أنّه بين الرياض وتل أبيب جرى حوار سريّ ومتواصل في القضية الإيرانيّة، وأنّ الوثائق أثبتت أنّ العديد من الشركات الإسرائيليّة تقوم بمساعدة الدول الخليجيّة في الاستشارة الأمنيّة، وفي تدريب القوات الخاصّة وتزويدها بمنظومات تكنولوجيّة متقدّمة، علاوة على لقاءات سريّة ومستمرة بين مسؤولين كبار من الطرفين.
كما تبينّ، أنّ إسرائيل قامت بتليين سياسة تصدير الأسلحة إلى دول الخليج، بالإضافة إلى تخفيف معارضتها لتزويد واشنطن بالسلاح لدول الخليج، وذلك في رسالة واضحة لهذه الدول أنّه بالإمكان التعاون عوضًا عن التهديد، كما أنّ إسرائيل تتمتّع بحريّة في بيع منتجاتها في دول الخليج، شريطة أنْ لا يُكتب عليها أنّها صُنّعت في الدولة العبريّة.
وأشارت إلى أنّ السعودية والدول الخليجيّة تعرف مدى قوة إسرائيل في أمريكا ومدى تأثيرها على قرارات الكونغرس، وبالتالي فإنّ هذه الدول ترى أنّه من واجبها الحفاظ على علاقات معينّة مع تل أبيب، ولكن العلاقات الطبيعيّة لم تصل حتى الآن إلى موعدها، ذلك أنّه بدون إحداث اختراق في العملية السلميّة مع الفلسطينيين، لا يُمكن التقدّم أكثر في العلاقات.
ونوهت الدراسة إلى أنّه بحسب الرؤية السعودية ودول الخليج الأخرى، فإنّ العلاقات الدبلوماسيّة العلنية مع إسرائيل في الوقت الراهن ستكون نتائجها سلبية أكثر بكثير من إيجابياتها، ذلك أنّ دول الخليج تتمتّع الآن بالعلاقات السريّة مع إسرائيل، دون أنْ تضطر لدفع الفاتورة للرأي العام العربيّ، الذي يرفض التطبيع مع الدولة العبريّة، ذلك أنّ الرأي العام العربيّ يرفض الآن أيّ نوع من العلاقات مع إسرائيل، كما أنّ هذا الأمر ينسحب على إسرائيل، لأنّه من الأفضل لها أنْ تبقى العلاقات مع السعودية وباقي دول الخليج سريّة وغير رسميّة لأنّ هذه الدول الرجعيّة لا تحترم حقوق الإنسان ولا تتماشى سياستها الداخليّة مع القيم الديمقراطيّة لإسرائيل.
وأوضحت الدراسة أيضًا أنّه في الفترة الأخيرة توطدت العلاقات بين الرياض وتل أبيب على خلفية رفض الولايات المتحدّة توجيه ضربة عسكريّة لإيران وسوريا، ولكنّ الدراسة أوصت صنّاع القرار في تل أبيب بعدم إقامة حلف مع السعودية ومصر ضدّ الرئيس أوباما، لأنّ من شأن ذلك أنْ يُلحق الأضرار بالعلاقات الإسرائيليّة-الأمريكيّة، التي تمرّ في فترة حساسة، وكشفت أنّ السعودية تتمنّى أنْ تقوم إسرائيل بمهاجمة إيران، وفي نفس الوقت تبتعد عن الغمز أو اللمز بأنّها ستُساعد تل أبيب في الهجوم، خشية أنْ تضطر هي لدفع تكاليف الضربة العسكريّة. وخلصت الدراسة إلى القول إنّه على الرغم من أنّ السعودية ترى في النزاع الفلسطينيّ-الإسرائيليّ عاملاً مؤثرًا جدًا في فقدان الأمن والأمان في المنطقة، فإنّ إيران بالنسبة للسعودية كانت وما زالت المشكلة الرئيسيّة والمفصليّة للمملكة، كما أنّ قاعدة التعاون الإسرائيليّ ـ السعوديّ توسّعت بعد اتفاق الدول العظمى مع إيران، والذي لم يُقابل بموافقة في الرياض وتل أبيب، وأيضًا الاتفاق على تجريد سوريا من أسلحتها الكيميائيّة التي منحت النظام متنفسًا للمحاربة على البقاء، وقالت إنّ هناك مصالح أخرى مشتركة بين الدولتين: وقف التغلغل الإيرانيّ في المنطقة، عدم منح الشرعيّة لنظام الأسد في سوريا، دعم الحكم الانتقاليّ في مصر، الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، والتعاون المشترك مع أمريكا، ولكن مع ذلك تساوق المصالح التكتيكيّة والإستراتيجيّة المذكورة بين السعودية وإسرائيل لا يُمكنه في الوقت الراهن الإعلان عن التوصّل لعلاقات دبلوماسيّة كاملة وعلنيّة، بل إلى تعزيز التفاهمات السريّة بينهما ومواصلة التنسيق السريّ بين الرياض وتل أبيب. وشدّدّت على أنّه لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال التقليل من أهمية العلاقات السعودية الإسرائيليّة،
خصوصًا في ظل عدم وجود اعتراف متبادل بينهما، ومواصلة التنسيق بينهما هو عامل يؤدّي إلى الاستقرار في المنطقة، ولكن مع ذلك، استبعدت الدراسة تحويل العلاقات بينهما إلى علنيّة، لأنّ من شأن ذلك أنْ يُلحق الأضرار الجسيمة بالمملكة، مشدّدّةً على أنّ التقدّم الفعليّ في المسار الفلسطينيّ يؤدّي حتمًا إلى التعاون بين الرياض وتل أبيب لتطوير العلاقات بينهما وتقديم مبادرات جديدة، وحتى المساعدة الفعليّة في إقامة الدولة الفلسطينيّة والتوصّل إلى حلٍّ شاملٍ وعادل مع جميع الدول العربيّة.
النهاية