SHIA-NEWS.COM شیعة نیوز:
تعيش الدبلوماسية السعودية اليوم حالة من الكهولة المفرطة، فلقد بدلت التحولات الإقليمية الدور الإقليمي المسيطر لمملكة «آل سعود»، التي حولتها عزلة «انتفاء الدور» إلى «كيان مكابر» يستدرج الأدوار ولو من خلال إعادة إحياء الحركات الإرهابية والتكفيرية الأكثر تطرفاً وإجراماً على مستوى المنطقة تغطية لفشلها وهزيمتها في سوريا من جهة، ورفضاً للتسليم بوقائع المرحلة المقبلة من جهة أخرى، فالتشرذم الذي أصاب المملكة حتماً، جعل منها دولة تسير على الطريق السريع إلى «الإضحملال»، نظراً للتناقض العجيب بين سلوكيات العائلة الحاكمة خارج حدود المملكة، ونظامها الاقتصادي والسياسي المتفكك الذي تحاول حُكم حدودها من خلاله.
التدخل السعودي في البحرين أحد أوجه هذا التناقض، فالمملكة التي تدعي دعم التغيير في البلاد الأبعد، تتدخل بألتها العسكرية وكل آليات نفوذها الإقليمي لمنعه في النموذج الأكثر استحقاقاً للتغيير، تدخلٌ لا يمكن فصله عن المصالح السعودية الخاصة والحسابات السياسية الداخلية، منعاً لانتقال العدوى. حيث يحلل المراقبون «السعودية ظنت أن تدخلها في البحرين سيؤدي الى ردع مواطني المنطقة الشرقية والحراك الشعبي فيها، لكن فشل هذا المخطط كان واضحاً، فالمظاهرات امتدت الى المنطقة الوسطى والتي يقطنها مواطنون من الأغلبية "الٌسُنية".
رئيس الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل تبرأ من التعامل الأمني للنظام البحريني ضد المتظاهرين السلميين، وزعم (مستعينا بغوغل ايرث) ان مهمة القوات السعودية التي إجتاحت البحرين في 14 اذار مارس 2011 لا تتعدى مهمتها حراسة المنشآت العامة فيها.
وادعى الفيصل في محاضرة القاها بمجلس الشرق الأوسط التابع لـ"حزب المحافظين" البريطاني أن مهمة القوات السعودية والاماراتية لا تتعدى حراسة البنية التحتية والمنشآت الهامة في البحرين، زاعماً انه لم يشارك اي جندي سعودي او اماراتي في قمع السلطات البحرينية للمتظاهرين.
وفيما استعان بموقع "غوغل ايرث" لاثبات مزاعمه، وذلك بدعوته الجميع الى الدخول للموقع للتاكد من مواقع مخيمات قوات الاحتلال السعودية، قائلاً انها تتمركز في أنحاء الميناء، المطار، المنطقة التجارية ومصفاة النفط، لم يوضح الفيصل لماذا إذاً الحاجة الى كل هذه القوات التي دخلت البحرين، طالما أن المسألة لا تتعدى حماية بعض المنشآت الحيوية.
الخليجيون إجمالاً وليس السعوديون فقط، برروا التدخل، لأنه حصل بناء على طلب حكومة البحرين وأن هدفه حماية المنشآت الحيوية، وليس مواجهة الاحتجاجات الداخلية، لكن البحرانيين، أبناء البلد يؤكدون ان تلك الخطوة ساهمت بشكل مباشر في عدد من النتائج الكارثية. أهمها الاعتداء الدموي من قبل القوات السعودية على المحتجين. حيث قتل العديد من المواطنين كما صورت وأثبتت عدسات الاعلاميين الدوليين.
ما يحدث في البحرين انتهاك واضح لحقوق الانسان ولحق الشعب البحريني في تقرير مصيره، كما هو انتهاك للسيادة البحرينية، تؤكد المعارضة البحرينية، ففي ذروة ما سمي 'الربيع العربي" كان شعب البحرين ثالث الشعوب العربية التي قررت الثورة على حكامها بعد عقود من النضال السياسي الذي صاحبه عهد أسود من الاستبداد وانتهاك حقوق الانسان على أوسع نطاق، لكن التماهي العربي مع ما باقي الثورات والتحركات، لم يكن ليصل إلى حد مجرد التضامن مع شعب البحرين.
التدخل السعودي تحت ستار قوات« درع الجزيرة» لقمع ثورة شعب البحرين، والذي أعاد لحكم عائلة أل خليفة معنوياته التي تدنت كثيرا بسقوط نظامي مبارك وبن علي سابقا، نسف التدخل العسكري المباشر القوانين الدولية، مؤسساً بذلك لاستخدام الطائفية سلاحاً لتفتيت نسيج المجتمع في البحرين ولمنع بلورة موقف وطني أو قومي شامل ضد الاستبداد والتبعية. فلم تكن مراعات تلك القوانين أولوية لدى القوات السعودية، مع الاشارة الى ان هذا التدخل لم يكن ليحدث دون موافقة غربية - امريكية بعد أن اتضح ان العالم العربي يسير باتجاه تحرري قد لا يخدم مصالح الغرب، خاصة في البحرين.
لكن على الرغم مما يحدث، فقد بقيت ثورة البحرين مستمرة حتى اليوم والحراك الثوري ما زال يعصف بالبحرين بدون تراجع. في الوقت الذي يعتقد فيه بعض المحللين ان استدعاء القوات السعودية ساهم في نشوء حالة استقطاب سياسي ومذهبي في هذا البلد الصغير الذي لا يستطيع ان ينفصل عن محيطه الاقليمي من حيث التأثير والتأثر. وثمة اعتقاد كذلك بان الاجتياح السعودي دفع الثوار لتصعيد مطالبهم، فاصبحوا اكثر اصرارا على احداث تغيير جذري في منظومة الحكم فلم يساهم في التخفيف من ذلك سياسات الحكم و حملاته القمعية بشهادة مختلف المنظمات الحقوقية الدولية.
البحارنة من جهتهم أكدوا ذلك معتبرين ان "الاجتياح العسكري السعودي لم يفشل في قمع ثورتهم فحسب بل انه ادى الى «تصدير الثورة» الى «المدن والبلاد المجاورة». وفي حديث لعميد كلية القانون بجامعة ميدلسكس في لندن البروفيسور جوشوا كاستالينو، ، في ندوة حول الاجتياح السعودي للبحرين، اعتبر «ان التدخل السعودي العسكري لا يستند الى شرعية مستمدة من القانون الدولي مؤكدا على حق الشعوب في الامن وعدم جواز سلبها ذلك الامن، معتبرا ان ما يحدث في البحرين سلب الشعب الامن الذي يستحقه»، في الوقت الذي روج فيه النظام البحريني مقولة ان قوات "درع الجزيرة" ليست محتلة، بل جاءت تلبية لطلب من حكومة البحرين وفقا لميثاق مجلس التعاون الخليجي حول الامن المشترك الذي أكد من جهته على ان هذه القوات لم تستخدم للقمع الداخلي بل لمواجهة الاعتداءات الخارجية. ولذلك فاستدعاء هذه القوات لم يستند الى ميثاق التعاون العسكري بين دول مجلس التعاون، بل الى قرار بين الحكومتين السعودية والبحرينية يهدف بشكل واضح لمواجهة الثورة الداخلية ضد نظام الحكم.
أحد الناشطين البحرينيين علق معتبراً أن «وجود القوات السعودية على أرض البحرين من خلال عنوان درع الجزيرة، لا زال يلعب دوراً تأزيمياً وتصعيدياً في الأزمة وليس دوراً لحلحلة الأزمة وحصول الشعب البحريني على حقوقه». ولفت إلى أن بعض القوات السعودية تلبس لباس الأمن البحريني في بعض نقاط التفتيش «وأنا شخصياً تعرضت للتفتيش من خلال سعوديين تعرفت عليهم من لهجتهم».
تقرير المصير حق للبحرينيين كسائر الشعوب، فمن حقهم ان يواجهوا الوجود السعودي بكل الادوات السلمية، ومن حق الحراك الشعبي البحريني ان يذهب الى مايراه مناسبا من المواجهة المدنية السلمية من اضراب وتظاهرات لأنه حق مكفول دوليا. ايام معدودة و تدخل "ثورة اللؤلؤة" و تطوي عامها الثالث لتدخل عامها الرابع بعزيمة اشد و اصرار على التغيير السلمي لتحقيق التحول الديمقراطي و نقل المملكة الصغيرة من "نظام القبيلة" الى "نظام ديمقراطي" تسوده العدالة و المساواة، مطالب رفعتها المعارضة الوطنية و الديمقراطية في البحرين منذ اليوم الاول لإنطلاق الثورة في الرابع عشر من فبراير شباط 2011 : برلمان منتخب و حكومة منتخبة و وقف التمييز مهما كلف الثمن... والى ان يثمر "الحوار العبثي" الذي دعت له السلطة التي لم تتخلى عن خيارها الامني، ثورة البحرين مستمرة.
النهاية